تستضيف بروكسل الأسبوع المقبل جولة إضافية من مفاوضات الاتفاق التجاري والأمني بين بريطانيا وأوروبا لما بعد "بريكست"، الذي بدأ مطلع يناير (كانون الثاني) هذا العام، وتنتهي فترته الانتقالية في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2020.
وكانت جولة الأسبوع الماضي من المفاوضات، التي اعتبرت حاسمة بعد تجاوز أكثر من موعد نهائي للتوصل إلى اتفاق، انتهت مساء الجمعة من دون تحقيق تقدم واضح حول النقاط الخلافية الثلاث، المتمثلة في مساواة القواعد والقوانين، وشروط تطبيق الاتفاقية وجزاءات انتهاكها، وحقوق الصيد في المياه البريطانية.
وغادر رئيس وفد التفاوض الأوروبي، ميشال بارنييه، لندن ليمضي السبت والأحد في دراسة مقترح بريطاني بشأن حقوق الصيد، وكذلك التشاور مع رئاسة المفوضية الأوروبية بشأن النقطتين الأخريين. ومن غير الواضح حتى الآن إن كان قادة دول الاتحاد الأوروبي سيعقدون قمتهم التي كانت مقررة سلفًا منتصف الشهر الحالي لبحث الاتفاق مع بريطانيا قبل عرضه على البرلمان الأوروبي.
وسبق وتجاوزت المفاوضات موعداً نهائياً سابقاً في 15 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن القمة الأوروبية انعقدت وقتها لتعلن أنه لم يحرز تقدماً، وألقت باللائمة على بريطانيا في عدم المرونة بشأن النقاط العالقة. واتفق الطرفان على استمرار المفاوضات بشكل طارئ ومكثف لثلاثة أسابيع أخرى. ويرجح أن تنعقد القمة الأوروبية مجدداً لتخرج بالنتائج ذاتها مع تمديد التفاوض بشكل استثنائي حتى نهاية الشهر، وربما للأسبوع الأول من ديسمبر، لكن بعد ذلك، لن يكون هناك وقت يكفي لبحث الاتفاق والمصادقة عليه من البرلمان الأوروبي وبرلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومجلس العموم (البرلمان البريطاني).
ضغط الطاقة
في سياق ضغوط اللحظات الأخيرة، سرب الأوروبيون احتمال وقف توصيل الطاقة من أوروبا لبريطانيا عبر كابلات ربط الشبكات الكهربائية التي تمد الشبكة البريطانية بالطاقة من أوروبا إذا لم يتم التوصل لاتفاق بشأن حقوق الصيد.
ولم ينفِ المسؤولون الأوروبيون، أو يؤكدوا، التقرير الذي بثته وكالة "بلومبيرغ" الخميس بهذا الخصوص، على الرغم من أن موضوع ربط الشبكات ليس مطروحاً في المفاوضات. وحتى إذا انتهت العلاقة بين بريطانيا وأوروبا إلى "بريكست" من دون اتفاق في 1 يناير 2021، فإن قواعد منظمة التجارة العالمية لا تعني وقف الربط الكهربائي؛ لأنه في النهاية تبادل تجاري للطاقة على أساس تفضيل أسعار، إنما ما هددت به أوروبا، حسب تقرير "بلومبيرغ"، سيعني حرمان بريطانيا من أفضلية الحصول على الكهرباء من دول الربط الأوروبية؛ فرنسا وهولندا وبلجيكا، وليس القطع التام لربط الشبكات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد لمح الشهر الماضي في تصريحاته المتعلقة بحقوق الصيد إلى إمكانية حرمان بريطانيا من الأفضلية في توصيل الطاقة الأوروبية؛ كهرباء وغاز، عبر ربط الشبكات إذا لم تقدم تنازلات عن موقفها في مسألة حقوق الصيد ضمن اتفاق "بريكست".
وتحصل بريطانيا على نحو 9 في المئة من استهلاكها من الكهرباء عبر ربط الشبكات مع الدول الأوروبية الثلاث، وبخاصة من فرنسا، حيث إن سعر الكهرباء منها أرخص حتى من إنتاجها في بريطانيا لتوليدها من مفاعلات طاقة نووية.
ويقلل المسؤولون البريطانيون من أهمية التهديد الأوروبي، في حال كان أكيداً، على اعتبار أن لدى شبكة الكهرباء الوطنية البريطانية فائض سعة لتوليد الكهرباء يمكن أن يعوض النقص في حال حرمت بريطانيا من الأفضلية الأوروبية. لكن، في هذه الحالة ستضطر بريطانيا لإعادة تشغيل محطات توليد كهرباء احتياطية بالغاز والفحم، ما يعني ارتفاع أسعار الكهرباء، وخصوصاً في ذروة فصل الشتاء، حيث يزيد استهلاك الكهرباء والغاز موسمياً، كما أن طاقة إنتاج الكهرباء الاحتياطية في بريطانيا بالكاد تساوي القدر الذي تحصل عليه من أوروبا عبر ربط الشبكات، وهو في حدود 4.8 غيغاواط. ومع أن المحللين والمراقبين لا يرون في هذا التهديد سوى ورقة ضغط أوروبية، فإن احتمالات الاضطرابات الاقتصادية الآخر في بريطانيا نتيجة "بريكست" من دون اتفاق لا تسمح بإضافة عبء آخر يهدد المواطنين بانقطاع الكهرباء أو ارتفاع سعرها وسعر الغاز للمنازل في يناير المقبل.
قرار بريطانيا
ومما يضيف قدراً من الضغط على قرار رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، الاستمرار في المفاوضات للتوصل لاتفاق أو الاتجاه نحو "بريكست" من دون اتفاق ما يبدو من خلافات داخل حكومته أدت إلى خروج أكثر المتحمسين لاتفاقية لانفصال عن أوروبا وأنصارها من دون اتفاق من الحكومة. فبعد استقالة مدير الاتصالات لمجلس الوزراء، لي كين، أعلن أن كبير مستشاري رئيس الحكومة، دومينيك كمنغز، سيترك منصبه. والاثنان من أشد المتحمسين لـ"بريكست"، حتى من دون اتفاق، وكانا أهم عنصرين في حملة الترويج للتصويت بنعم في استفتاء 2016، ولعبا دوراً أساسياً في تصعيد جونسون في حزب الحكومة ورئاسة الحكومة.
ونقلت وسائل الإعلام إشارات أوروبية تفيد بأن المفوضية اعتبرت رحيل أشد أنصار "بريكست" من الحكومة دليلاً على أن قرار بريطانيا يتجه نحو التوصل لاتفاق، ويعني إمكانية تنازل بوريس جونسون بشأن القضايا الخلافية والقبول بالمطالب الأوروبية، إلا أن الحكومة البريطانية أعلنت على لسان كبار مسؤوليها، من المتحدث باسم رئيس الوزراء في تصريحات للصحافيين، الجمعة، وقبلها ما أعلنه وزير شؤون مجلس الوزراء، مايكل غوف، أمام البرلمان، الخميس، أن القرار البريطاني ثابت فيما يتعلق بالسيادة البريطانية الكاملة على تشريعات وقواعد الأعمال على الرغم من الحرص على التوصل لاتفاق مع أوروبا.
وما يؤكد ثبات القرار البريطاني استمرار رئيس وفد التفاوض البريطاني، ديفيد فروست، في موقعه، على الرغم من أنه من المقربين لكين وكمنغز، ويشاركهما رؤيتهما فيما يتعلق بـ"بريكست" من دون اتفاق، لكن الأوروبيين، الذين رأوا من قبل في فوز جو بايدن بالرئاسة في أميركا عامل ضغط على حكومة بوريس جونسون؛ لتتصل إلى اتفاق مع أوروبا، يرون في استقالة كين وكمنغز مؤشراً آخر على احتمال ليونة موقف بريطانيا في الأيام المقبلة للتوصل لاتفاق.