Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ازدراء بايدن والديمقراطيين لبوريس جونسون معضلة

هي مضمرة في العلن وأكثر وضوحاً في الكواليس فالانتقادات له الصادرة عن الضفة الثانية للأطلسي تتعاظم

تدرك حكومة بوريس جونسون أكثر فأكثر الثمن الذي قد تدفعه جراء تقربها من دونالد ترمب (أ ف ب)

يظهر تسجيل فيديو مراسل محطة "بي بي سي" وهو يصيح "سيد بايدن، كلمة سريعة لبي بي سي". فيسأله الرئيس الأميركي المقبل "بي بي سي؟" قبل أن ترتسم على وجهه ابتسامة عريضة ويجيب "أنا إيرلندي".

انتشر هذا المقطع الذي أذيع خلال عطلة نهاية الأسبوع ضمن مجموعة من اللقطات التي وثّقت مسار جو بايدن وصولاً إلى البيت الأبيض، كالنار في الهشيم. وهو يُفسَّر على أنه تأكيد على عاطفته تجاه أصول عائلته المتجذرة في مقاطعة مايو الإيرلندية. كما يترك وقعاً آخر الآن بشأن طريقة تأثير العهد الرئاسي الجديد على بريطانيا وبريكست.  

وصارت حكومة بوريس جونسون تدرك أكثر فأكثر الثمن الذي قد تدفعه جرّاء مواصلتها التقرّب من دونالد ترمب، ومقاربتها المتعالية لاتفاق الجمعة العظيمة، وعدم بذلها ما يكفي من الجهد لمدّ جسور مع بايدن وحملته قبل فوات الأوان أثناء الحملة الانتخابية، حين بدأ يتصدّر استطلاعات الرأي.

وما عادت الصفقة التجارية المُتخيّلة مع الولايات المتحدة، التي كان من المفترض بها أن تكلّل بريكست بالمجد، على نار حامية كما زعمت إدارة ترمب. وليس من الضروري أن نأخذ تحذير الرئيس أوباما بأن المملكة المتحدة ستقف "في آخر الصف" حرفياً، لكن لن تكون الرغبة كبيرة في تسريع العملية هذه بواشنطن كذلك.

ما زالت رئاسة الوزراء في "داونينغ ستريت" تصرّ في العلن أنها ماضيةٌ قدماً في قانون الأسواق الداخلية الذي ينكث ببعض بنود اتفاق الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ويتخلّى عن بروتوكول إيرلندا الشمالية، ويزيل إجراءات الحماية التي تحول ضدّ عوائق حدودية بين الشمال والجنوب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخسرت الحكومة قبل أيام تصويتاً جاءت نتيجته 433 صوتاً مقابل 165 بشأن تعديل على القانون في مجلس اللوردات، وتكلم اللورد إيمز، كبير أساقفة كل إيرلندا السابق، عن هشاشة عملية السلام. فيما اتّهم اللورد كلارك، وزير الداخلية والمالية المُحافظ سابقاً، الحكومة بالقيام بـ"خطوة تشبه [خطوات] دونالد ترمب". 

وكرر بايدن التشديد على ضرورة الحفاظ على اتفاق الجمعة العظيمة، لافتاً إلى أن "أي اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يجب أن يتوقف على احترام الاتفاق ومنع وضع حواجز حدودية".

ليس هذا الموقف بجديد من جانب الديمقراطيين. في مارس (آذار) العام الماضي، نبّه كريس مورفي، السيناتور عن كونيتيكت، خلال زيارة له إلى لندن من الخوف من أن بريكست القاسي [الانسحاب من الاتحاد الجمركي والسوق المتحدة واتفاق التجارة الحرة مع أوروبا] سوف "يفجّر" عملية السلام الإيرلندية الشمالية لا محالة.

وأشار مورفي إلى موقف قوي لدى الحزبين الرئيسيين في الكونغرس يقضي بعدم إبرام أي اتفاق تجاري مع المملكة المتحدة في حال وجود أي تهديد على عملية سلام إيرلندا الشمالية. وارتكبت الحكومة البريطانية خطأ كبيراً عندما أصغت لدعوة دونالد ترمب للمضي في بريكست قاسٍ، كما قال، بينما أعرب عن استغرابه من مراهنة المملكة المتحدة على ترمب وحده.

وقال لي مورفي "حشر ترمب نفسه في الزاوية عندما طالب ببريكست قاسٍ من شأنه تدمير عملية السلام [في إيرلندا]، مما سيقضي بالتالي على أي رغبة لدى الكونغرس بتأييد إبرام اتفاق تجاري مع بريطانيا. هذا وضع مؤذٍ لكافة الأطراف تسبب به الرئيس نفسه".

أضاف "إن اللوبي الأميركي- الإيرلندي الذي أنا أحد أعضائه، قوي جداً في الولايات المتحدة كما تعلم... ورئيس لجنة التجارة الخارجية في مجلس النواب هو ريتشي (ريتشارد) نيل، وهو أبرز أعضاء تجمّع الأميركيين الإيرلنديين، وكن على ثقة بأنه سوف يطرح الكثير من الأسئلة، حول [مصير] عملية السلام قبل أن يبرم أي اتفاق".

وعادت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، لتؤكد بعد ذلك بعدة أشهر أنه "مهما كان شكل بريكست، يجب ألا يسمح له بتهديد اتفاق الجمعة العظيمة، بما في ذلك الاستقرار الناجم عن وجود الحدود غير المرئية التي لا احتكاك فيها بين جمهورية إيرلندا وإيرلندا الشمالية. على المملكة المتحدة احترام بروتوكول إيرلندا الشمالية بالشكل الذي جرى توقيعه مع الاتحاد الأوروبي لضمان حرية مرور السلع عبر الحدود". 

وبعيداً من بريكست، أشارت القيادة الديمقراطية بشكل لا لبس فيه أنه فيما بدأ زعماء أوروبيون غربيون آخرون مثل إيمانويل ماكرون وأنغيلا ميركل بالتصدّي لتجاوزات ترمب، ظلّ جونسون مذعناً له.

وتقول المصادر الدبلوماسية البريطانية إنه كان من الصعب إقناع الوزراء [البريطانيين] الذين يزورون واشنطن بلقاء الديمقراطيين حتى، في وقت تدفق سيل متواصل من مناصري بريكست عبر الأطلسي للتعبير عن تبجيلهم للرئيس الأميركي.

وهناك مسألة أخرى. أصبحت الأمور شخصية بين الديمقراطيين وجونسون. وجرى التعبير كثيراً عن هذا الأمر في الكواليس لكن حتى علناً، قال بايدن (الرئيس المنتخب) عن رئيس الوزراء إنه "النسخة الجسدية والمعنوية عن دونالد ترمب".

ويبرز بين القضايا الأخرى، الغضب الموجّه ضد جونسون على خلفية قوله إن موقف (الرئيس) أوباما من بريطانيا يستند إلى إرثه "الكيني جزئياً" و"نفوره المتوارث من الإمبراطورية البريطانية". وفي معرض ردّ تومي فيتور، الناطق السابق باسم إدارة أوباما في شؤون الأمن القومي، على رسالة التهنئة التي بعثها جونسون لبايدن، اعتبره "متسلّقاً متلوّناً"، مضيفاً "لن ننسى أبداً تعليقاتك العنصرية بشأن أوباما وتفانيك الذليل لترمب".

كما لحظ المسؤولون الأميركيون جوانب أخرى من سلوك جونسون. فقد ساد الذهول بشكل خاص حول عدم مساندته كيم داروش، السفير البريطاني لدى واشنطن الذي أُرغم على الاستقالة بعد أن أغضبت برقياته المسرّبة بشأن رئاسة ترمب، الرئيس.

وكان عدد من كبار الدبلوماسيين الأميركيين يعرفون داروش من كثب، ويحبونه ويحترمونه. وقد شبّه بعضهم معاملة جونسون له بتصرّف ترمب المعادي لمسؤولي الإدارة الذي اعتبر ولاءهم له غير كافٍ. 

وقورنت المسألة بقضية ماري يوفانوفيتش، السفيرة الأميركية لدى أوكرانيا، التي شهّر بها ترمب وأعوانه وأُرغمت على مغادرة منصبها بسبب رفضها الانضمام إلى محاولة دفع الحكومة الأوكرانية للتحقيق في تفاصيل أعمال جو بايدن وابنه هنتر. وقد شكّل طرد وزير الدفاع مارك إسبر يوم الاثنين مثالاً إضافياً على سلوكه (ترمب) التأديبي.

وفي هذه الأثناء، بعد شعورهم بالغبطة في بادئ الأمر عند صدور النتائج  الأولية للانتخابات الأميركية التي أظهرت تقدّم ترمب، بات مناصرو بريكست يعيشون الآن حالاً من اليأس. وفي ما يبدو أن روبرت مردوخ ينأى بنفسه عن ترمب في الولايات المتحدة، وتتصدّر بعض الوسائل الإعلامية اليمينية عناوين تقول "بايدن... ليس صديقاً لبريطانيا".

وقد نُشرت صورة التقطت منذ ثلاث سنوات في أحد التقارير يظهر فيها بايدن برفقة جيري آدامز وريتا أوهير، ممثلة حزب شين فين الإيرلندي في الولايات المتحدة. لا شك في أن المرء يسعه العثور على صور لجيري آدامز مع الأمير تشارلز، كما هناك صور لمارتن ماكغينيس مع الملكة. وقد زُعم أن الرجلين كانا عضوين في مجلس "الجيش الجمهوري الإيرلندي"، وهو أمر نفاه كلاهما. ويُنظر إلى هذه الأمور بطريقة محقة على أنها أمثلة على سعي الزعماء إلى وضع عداوات الماضي وراءهم من أجل السلام. 

وأوهير، التي اعتُقلت في الماضي لأنها هاجمت ضابطاً في الجيش البريطاني في بلفاست، كانت إحدى الذين أبلغتهم الحكومة البريطانية أنهم لن يتعرضوا للاعتقال بموجب عملية سلام إيرلندا الشمالية. 

ويخشى مؤيدو بريكست من دون اتفاق العقاب المزدوج المتمثل في إهمال إدارة أميركية غير متعاطفة معهم كذلك، وهو قلق في محله بالكامل. مع أن هناك فرصة الآن سانحة، بعد كل التهديد والوعيد، أمام احتمال توصل الحكومة البريطانية إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي.

لكن من غير المرجح أبداً أن تقوم بين بايدن وجونسون "علاقة خاصة". وباعتباره رئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم حالياً، لن يكون لدى بايدن ما يقلقه بقدر ما لدى رئيس الوزراء من دواعٍ للقلق فيما تسير بريطانيا نحو مستقبلها الغامض ما بعد بريكست.

© The Independent

المزيد من آراء