Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 الهزيمة تقوض تقديس ترمب ولو استمرت سياساته

كراهية الديمقراطيين له أعمتهم عن مهاراته السياسية التي كادت أن تبقيه في البيت الأبيض

إلى متى سيستمر التحالف الترمبي بعد خروج ترمب من البيت الأبيض؟ (رويترز)

ربما يخسر الرئيس ترمب الانتخابات لكنه ليس حالة شاذة في تاريخ أميركا – أو إحدى نكات القدر الأقل إضحاكاً – بمقدار ما يرغب العالم في أن يصدق. فحوالى 70 مليون أميركي صوتوا لإعادته إلى البيت الأبيض، على الرغم من كونهم شهوداً على كذبه المستمر وعنصريته العلنية وغياب كفاءته القاتل خلال السنوات الأربع الماضية.

ولم يختر مؤيدو ترمب إياه لأنهم خُدِعوا بما يمثل، بل لأنهم رغبوا في أن تكون أكاذيبه حقائق، وشاركوه عداءه لغير البيض، ورفضوا غياب كفاءته باعتباره مبالغة إعلامية أو ألقوا بتبعاته الأسوأ على كاهل غيره.

ودعم معظم أنصار ترمب – أي نصف أميركا – إياه في شكل ظاهر، على الرغم من أن جزءًا منهم شعروا بالإحراج أو تحلّوا بالحكمة إلى درجة أنهم لم يقروا بدعمهم لآرائه السامة أمام المولجين بإجراء الاستفتاءات: وهذا يفسر الأداء الفائق المذهل لترمب خلال التصويت الفعلي مقارنة بالتوقعات السابقة للانتخابات.

ولم يخترع ترمب الاستقطاب في المجال السياسي الأميركي – المتجذر تاريخياً في الانقسام بين الشمال والجنوب، وبين الولايات التي حررت الرقيق وتلك التي لم تفعل، وبين الكونفيدراليين والاتحاديين – لكنه عززه حقاً، غير أن الساحة السياسية تضم الآن منطقة جغرافية أوسع ونطاقاً أعرض من الثقافة السياسية. ونجح في إلحاق نفسه في أحد جانبي الانقسام الحزبي هذا، وجعله سامّاً [ضاراً] أكثر، وأصبح زعيمه الخلاصي المعصوم عن الخطأ. ولن يُطوى تأليه شخصيته بسبب انتهاء ولايته، ولن يتبدد افتتان أتباعه الأكثر حماسة به. لكن كثراً ممن اتّبعوا شعاره المنتصر سيبتعدون عنه في هزيمته – وثمة بعض الإشارات إلى إقدام "فوكس نيوز" على ذلك بالفعل. كذلك ستفقد تغريداته الناشزة بعضاً من صداها حين لا تعود رسائل من أقوى رجل على الأرض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولطالما تساءلتُ ما الذي يفسر ترمب كظاهرة سياسية، هي الأكثر استثنائية في عصرنا. وحاولتُ التفكير في سياسي آخر في العالم يشبه ترمب على أمل أن أجد في التشابه إرشاداً. وثمة أوتوقراطيون قوميون شعبيون كثر يظهرون، لكن أياً منهم لا يشبه ترمب تماماً. ويواجه بوريس جونسون انتقادات بوصفه "نسخة أرستقراطية عن ترمب"، وثمة متوازيات، لكن التشابه ينهار لأن المجالين السياسيّين في كلا البلدين يختلفان عن بعضهما بعضاً في شكل ملحوظ جداً. وقال لي مرة معلق أميركي مطلع على شؤون البلدين إن "كل شيء في الثقافة السياسية الأميركية يتلخص في نهاية المطاف بالمسألة العرقية، في حين يتلخص كل شيء في بريطانيا بالمسألة الطبقية". ويتمخض القول عن كثير من التبسيط لكنه مفيد.

أعرفُ سياسياً واحداً في التاريخ الحديث للمملكة المتحدة كان يشبه ترمب، وهو تحدر، في شكل غير مفاجئ، من أحد أجزاء البلاد، أيرلندا الشمالية، حيث تتفوق الهوية العرقية والدينية المتصورة الطبقية في تحديد الولاءات السياسية. والزعيم المعني هو إيان بايسلي، القائد البروتستانتي الراحل في أولستر، الذي كان يشبه ترمب شكلاً أيضاً، فالاثنان رجلان سمينان ضخمان تمتّعا بحضور قوي طاغٍ أينما حلّا سواء في غرفة أو اجتماع أو استوديو تلفزيوني.

وثمة أوجه مشتركة كثيرة بين بايسلي في العالم الصغير المحاصر لبروتستانتية أولستر وبين ترمب في قاعدته العملاقة المؤلفة من أميركا البيضاء خارج المدن الكبرى. فقد صوّرا لأتباعهما عالماً مقسوماً بين الخير والشر، والموالين والخونة، وعبّرا عن ثقة كاملة بالنفس إزاء صواب قضيتهما. ولكم المقارنة بين تسجيلات فيديو كل منهما في التجمعات حين يصيحان بتحديات ويشيطنان خصومهما.

وأعطى بايسلي شعوراً بالتمكين للبروتستانتيين في أولستر إذا اعتبروا وضعهم المتفوق عرضة إلى هجوم من الأقلية الكاثوليكية المحرومة ومن التقليص العاتي للتصنيع. واجتذب ترمب تحالفاً فضفاضاً يجمع بين أجزائه المسألة العرقية والبروتستانتية الإنجيلية، ويتألف من أميركيين يعتبرون أنفسهم عرضة إلى الإهمال أو في مواجهة تهديد مادي أو اقتصادي.

وتشارك بايسلي صفة أخرى مع ترمب: لقد احتقره خصومه وارتكبوا خطأ التقليل من مهاراته وقدراته السياسية. وفعل ترمب الأمر نفسه، فقد حقق انتصاراً مذهلاً على هيلاري كلينتون عام 2016 وكاد يكرر الأمر في مواجهة جو بايدن هذا الأسبوع. ويكره المعلقون الصحافيون، الأميركيون والدوليون، ترمب إلى درجة أنهم هدّأوا من روعهم باللجوء إلى الفكرة المتفائلة حول زواله الوشيك. لكن، إذا وضعنا الكلام المنمق جانباً، لطالما أحسن تحديد نقاط الضعف لدى أعدائه ونقاط قوته.

وتؤكد دقة قدراته السياسية الاستفتاءات التفصيلية لآراء الناخبين بعد الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية. فقد فهم بسرعة ما يريده حقاً أميركيون كثر ربما صوتوا له، مقارنة بما افتُرض أنهم يرغبون فيه أو قالوا للمولجين بإجراء الاستفتاءات إنهم يبتغونه.

لقد اعتبرت جائحة فيروس كورونا المسألة الأبرز بين المسائل المدمرة لترمب المثارة خلال الانتخابات، لكن السمة اللافتة للانتخابات كانت الدرجة التي حدد فيها الاقتصاد والمسألة العرقية مسارها. فترمب ربما تضرر لكن سجله المنفر من انعدام الكفاءة خلال الجائحة لم يقضِ عليه. ويظهر استطلاع أن أربعة من كل 10 ناخبين قالوا إن فيروس كورونا كان أكبر مسألة واجهت أميركا، لكن حين تعلق الأمر بالتصويت، قالت نسبة أقل بكثير إن المسألة هذه أثرت في اختيارهم بايدن أو ترمب.

وكان ذلك مختلفاً جداً عما كان الديمقراطيون يتوقعونه. فاستجابة ترمب المزرية لفيروس كورونا كان من المفترض أن تكون الورقة الأقوى بين أوراق الديمقراطيين، وهي كانت كذلك في بعض الأشكال، فعدد المصابين يرتفع يومياً ويسجل رقماً قياسياً يبلغ 121 ألف شخص. وضخّم الديمقراطيون شأن المرض، ودفعهم إلى ذلك خوف حقيقي وحسابات سياسية في آن، فبايدن بقي في منزله، والتزم الديمقراطيون لبس الكمامات، وتجنّبوا التجمعات وظلوا حتى وقت متقدم من الحملة يحدّون من التماس الأصوات وتسجيل الناخبين من منزل إلى آخر.

وقللوا من تقدير أن الخشية المحتملة لدى العاملين ذوي الرواتب المتدنية ولدى الأعمال الصغيرة من البطالة قد تفوق الخوف من كوفيد-19. وكانت محاولات ترمب التقليل من شأن المرض غير مسؤولة، لكن العناوين الكارثية في الصحافة والتلفزيون ضخّمت من حدته في المقابل – فالجائحة تقتل عدداً كبيراً من الناس لكنها ليست شبيهة تماماً بالموت الأسود.

وبدت الرسالة الأساسية لترمب القائلة بأن أي منفعة تُرتجى من القيود الصحية يفوقها الضرر الاقتصادي، مقنعة جداً في أوساط كثيرين. ففي أمكنة مثل لاس فيغاس، حيث الاعتماد على الضيافة والترفيه، تناولت الدعاية السياسية لترمب مزاعم غير حقيقية بأن الديمقراطيين يخططون لفرض إقفال تام (حجر شامل) قد يدمر الاقتصاد المحلي.

إلى متى سيستمر التحالف الترمبي بعد خروج ترمب من البيت الأبيض؟

لقد بيّن الحزب الجمهوري بالفعل قوته حين حافظ على غالبيته في مجلس الشيوخ وحقق خروقاً في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون. ويطلق خبراء تحذيرات متشائمة من القوة المستمرة للترمبية. لكن الإعجاب بالشخصية كما في حالة ترمب تعززه السلطة وكذلك تضعفه خسارتها. وسيرى ترمب نفسه ذلك، إذ يبذل الجهود اليائسة الأخيرة لتجنّب الهزيمة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء