Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بشار خليفة: لا توريث في الفن بل يجب الإفلات من الأسر الأبوي

أنجز أسطوانته الجديدة في جو انقطاع الكهرباء ويعتبر أن المهم كيف يطور الموسيقي نفسه

الفنان بشار خليفة (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية - ارشيف الفنان)

بشار خليفة هو ابن المغني والموسيقي مارسيل خليفة، يعيش في فرنسا منذ عام 1980، ويضم رصيده الفني خمسة ألبومات، آخرها "On/Off"، الذي كتبه وسجله في منزل العائلة في لبنان. وتبدو خيارات بشار الموسيقية مختلفة عن مدرسة والده ويسلك مساره سبيلا خاصا جدا، مع أنه يلتقي دوماً مع والده في أعمال موسيقية وحفلات.

بدايةً، يتحدث بشار خليفة عن السبب الذي دفعه إلى إنجاز آخر أعماله، وتصوير إحدى أغنياته في لبنان، فيقول: "أنجزت الألبوم أواخر العام الماضي، بالتزامن مع نزولي إلى الشارع وتأزم الأوضاع في لبنان، وشعرت بأنه يجب أن أرد على ما يحصل من خلال تسجيل عمل فني، لأنه من المهم جداً أن يستمر الفنان على الرغم من كل شيء، لكي يؤكد أن الوطن وناسه لا يزالون على قيد الحياة، وأننا نستمد القوة  بعضنا من بعض. وخلال وجودي في لبنان، استفدت من الوقت، وصورنا أغنية في منزل العائلة في قرية جاج، منطقة جبيل، كما صورنا بعض المشاهد في بيروت، لأنها مدينتي، ولما تمثله لي ولعملي".

الانتماء للوطن

يتحدث خليفة الذي غادر لبنان في عمر ستة أعوام مع والده، عن شعور الانتماء إلى الوطن، والذي عبرت عنه أيضاً النجمة العالمية من أصول لبنانية شاكيرا، التي غنت في لبنان قبل عدة سنوات، واستغلت يومها الفرصة، وقامت بزيارة منزل العائلة. يقول: "لبنان فخ، وهناك لبنانيون لم يُولدوا فيه، ولا يتكلمون اللغة العربية، لكن الوطن يناديهم، فيأتون إليه لاكتشاف جذورهم. لبنان يطاردنا من جيل إلى آخر، ومع أن أولادي وُلدوا في فرنسا، لكنهم يسألونني دائماً متى سنأتي إلى لبنان؟ لأنه وطن الأهل  والأجداد. ببساطة قصة الضيعة تسحرني، لأنها تحكي كيف كان يعيش أجدادنا، ولبنان يعيش فيَّ، وأنا أركض وراءه من حفل إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى. في السابق كانت المدينة هي التي تسحرني، أما اليوم فإنني أفضل القرية، لذا، قمت بتسجيل الألبوم فيها، بعيداً عن الناس، وعن كل شيء".

خليفة الذي كان قد عُرف عنه أنه شخصية مشاغبة ومثيرة للجدل، هل غيرته الأيام، وجعلته ينظر للأمور بطريقة مختلفة؟ يجيب: "كل شيء يتطور في الحياة، ومن المهم جداً ألا يعلق الإنسان في مكان واحد، وألا يسمح للآخرين بأن يفعلوا به ذلك. حتى في مجال الموسيقى، كل الأسئلة، من الناس والصحافة، تدفع الفنان لأن يعلق في مكان معين، ولكن الأهم هو أن يعرف الفنان كيف يطور نفسه من عمل إلى آخر، وأنا حرصت على أن أفلت من كل الأشياء التي حاولوا أن يأسروني فيها، أو التي أسرت أنا نفسي فيها، من خلال البحث الدائم عن حالة جديدة، سواء عند تسجيل الألبوم، أو في الحفلات، علماً بأن بعض الأشياء يتطور تلقائياً، سواء تلك التي لها علاقة بعلاقتي بالمجتمع، وبعملي، أو بما نريد أن نقدمه للناس، والبحث عن المهم فنياً".

وعما إذا كان يقصد أنه غير راضٍ عن نفسه خلال الفترة الماضية، سلوكياً وموسيقياً، يوضح: "أنا لا أفكر في الماضي، بل أعيش اليوم، وأفكر بما يجب أن أعمل عليه، وكيف يمكن أن أطور نفسي. الأسطوانات التي نصدرها، نفقد مسؤوليتنا تجاهها، كما يحصل مع أولادنا تقريباً. نحن نصنع الأغاني، ولكن الأغنية تأخذ معنى عندما يسمعها الناس، أي نوع من الناس، ومتى، وكيف، وهذه الأشياء تعيش وتستمر من تلقاء نفسها، لكنني لا أرفض شيئاً من ماضيَّ لأنه كله أنا، وصنعته بكل قوتي، وأعطيته كل ما عندي، وكنت صريحاً وصادقاً بكل ما قدمته".

أذن جديدة

كيف يقيّم بشار اليوم الموسيقى التي قدمها سابقاً؟ يجيب: "أنا أسمعها بأذن جديدة، وليس كما كنت أسمعها سابقاً. لا شيء يولد في الفن والموسيقى والشعر والسينما، يمكن أن يموت، أو أن ينتهي وقته، ويجب أن نقرأ ونشاهد بعين جديدة، وأن نسمع بأذن جديدة، وماذا يعني لنا كل ذلك في هذا الزمن. يجب أن نمنح فرصة جديدة لكل شيء في كل يوم، حتى للناس والعلاقات والمجتمع. بعد كل ليل، يولد نهار جديد، وهذه الفكرة مهمة جداً، ويجب أن نتمسك بها، خصوصاً في الفن، لأن هناك موجة تشدّه لأن يكون إنسانياً مع أنه ليس كذلك إلى حد كبير، بل هو يتبع الطبيعة أكثر مما يتبع الإنسانية، لأن الموسيقى وُجدت قبل الإنسان".

وعما إذا كان يزعجه أن يقترن اسمه دائماً باسم والده دائماً، وكأن لا توجد هوية خاصة به، وخصوصاً أنه يتم تعريفه في الإعلام بأنه بشار مارسيل خليفة، يوضح: "هذا الأمر يحصل في لبنان، حيث يتم التركيز على الأُبوَّة. في لبنان، عندما أُسأل: أنت ابن من؟، أجيب: أنا ابن يولا؛ لأنني أعرف أي جواب ينتظرون، لأن الأب عندهم هو الأهم. أنا ابن مارسيل ويولا. لا يزعجني أن أكون ابن مارسيل، بقدر ما يزعجني اعتقاد الناس أن هناك شيئاً استثنائياً في هذه الحالة، أي كوني ابن شخص استثنائي. أنا ابن أبي في البداية، ولكنه لا يملكني، ولا أنا أملكه، بل أنا أصنع حياتي بنفسي. في لبنان يتم التركيز على مسألة الأُبوَّة، ولكن الجيل الجديد يحاول الخروج من هذا المفهوم، ليس في الموسيقى فحسب، بل في مختلف المجالات كالسياسة مثلاً".

وعما إذا كانت تجربته الفنية مع والده وشقيقه رامي، انطلقت من إعجابه بفنهما، أم بسبب صلة القرابة، يقول: "المسألة عائلية، وأنا لا أهرب من فكرة أنهما والدي وشقيقي، مع أن والدي يحاول أن يقول العكس، وإننا التقينا لأننا نشبه بعضنا بعضاً، وأقول إننا نتشابه موسيقياً لأننا من عائلة واحدة، ولكن في الوقت نفسه، كل واحد منا لديه شخصيته وخطه. وعلى الرغم من الصعوبات العائلية البسيطة، كان مهماً جداً أن نتشارك في عمل واحد، وأن ننجح معاً، وربما يكون أكبر نجاح عائلي لنا، وتبيَّن أننا بارعون في الموسيقى أكثر من نجاحنا عائلياً، وهذا أمر جيد".

نجاح عائلي

وعما إذا كان يعتبر أن آل خليفة ليسوا ناجحين عائلياً، يقول: "نحن كسائر العائلات، والمناوشات اليومية موجودة على الرغم من الحب الكلي الذي نُكنه بعضنا لبعض، ولكن موسيقياً، فإن نجاحنا معاً هو أجمل نجاحاتي".

من ناحية أخرى، يؤكد خليفة أنه يمكنه البقاء من دون عمل، ويضيف: "في الأشهر الأخيرة لم يكن هناك حفلات، بسبب كورونا، فاستفدت من وقتي بأشياء كثيرة. وأصعب ما في عملنا كفنانين أننا نسافر دائماً، ونبتعد عن عائلاتنا، وأولادنا، لذا، استفدت من وقتي بالجلوس مع العائلة وفي الطبيعة. إلا أنني لا أستطيع أن أستمر على هذا الحال طويلاً، ومع الوقت أشعر بأن شخصيتي ليست كاملة، لعدم وجود الموسيقى والمسرح والجمهور في حياتي".

وبخصوص إذا ما كان أولاده قد ورثوا الفن مثله، يقول: "لا أعرف ما إذا كان الفن يُورث، بل نحن نورث الحرية، ورفض القمع. الفن أفضل طريقة للمحافظة على الحرية ورفض القمع. أولادي يحبون الموسيقى، ويعزفون على البيانو، كما يحبون أشياء أخرى، ويعيشون طفولتهم، وأنا أحاول أن أساعدهم لكي يكبروا بفرح. أحاول أن أعرفهم كيف أعيش حياتي. أنا حر، لأنني أقدم موسيقى، ولأنني فنان، وهم سيعرفون لاحقاً ما إذا كان الفن هو الطريق الأسهل للبلوغ الحرية".

إلى ذلك، يقول خليفة إن انقطاع الكهرباء في لبنان جعلهم يستوحون الإيقاع عند تسجيل الألبوم الذي أطلقه نهاية الشهر الماضي، وأنه اختار اسمه للسبب نفسه، ويضيف: "الحالة التي عشناها عند تسجيله كانت On/Off، أحياناً كنا نعمل في الليل، وأحياناً في النهار، وتارة كانت تداهمنا العاصفة، وتارة أخرى الطقس الهادئ والمشمس. كانت فترة حبلى بالتناقضات تدخلت بالتسجيل. فالبيت حجري، وليس مجهزاً، وأحضرنا معدات كثيرة للتسجيل والصوت. وفي البيت يوجد بيانو، وإليه أحضرنا مجموعة آلات بسيطة. والألبوم يضم 11 أغنية، وأفضل أن يتحدث عن نفسه".

المزيد من ثقافة