Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ملف الذاكرة يهدد بـ"تفجير" العلاقات بين الجزائر وفرنسا

تحول من التواصل المبني على الصداقة البراغماتية إلى التعامل بالمرجعية التاريخية

تأتي ذكرى اندلاع ثورة التحرير الجزائرية في الأول من نوفمبر لتعيد طرح ملف الذاكرة الاستعمارية (رويترز)

صدمت تصريحات أطلقها مستشار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، المكلف الأرشيف والذاكرة، عبد المجيد شيخي، الجزائريين والفرنسيين؛ إذ قال إن فرنسا "استخدمت عظام مُقاومينا لصناعة الصابون والسكر". وفي حين صنفت بعض الأطراف تصريحات شيخي ضمن سياق احتفال الجزائر بذكرى اندلاع "الثورة التحريرية"، وضعتها جهات أخرى في خانة "توتر خفي بين باريس والجزائر".

تصريحات شيخي

أكد شيخي في لقاء مع وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، أنه "بعد ارتكاب فرنسا مجازرها في الجزائر، حوَّلت كثيراً من عظام الجزائريين الذين قُتلوا إلى مدينة مرسيليا لاستخدامها في صناعة الصابون وتصفية السكر"، علاوةً على أن مصير كثير من الرُّفات يظل مجهولاً حتى الآن، مضيفاً أن "المجتمع الفرنسي، وبغضِّ النظر عن الموقف الرسمي لبلاده، لا يزال يحمل عقدة ماضيه الاستعماري، ما يجعل من موضوع الأرشيف مسألة جد حساسة، لأنه سيسمح بالكشف عن كل ما وقع خلال هذه المرحلة غير المشرفة من تاريخه، ما يدفعه إلى محاولة طمسه بكل الطرق".
وتابع شيخي أن "الجزائر كانت بالنسبة إلى المستعمر الفرنسي، حقل تجارب حقيقياً للممارسات الوحشية التي طبقها في ما بعد في المستعمرات الأخرى، وخصوصاً الأفريقية منها، التي عانت تجارة الرق، والتي تورطت فيها شخصيات مرموقة في المجتمع الفرنسي، وكلها أساليب موثقة في الأرشيف". وأبرز أنه من شأن كل ذلك "تشويه سمعة فرنسا والصورة التي تحاول الترويج لها على أنها بلد حضاري قائم على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان"، الأمر الذي "دفع بها، في كثير من الأحيان، إلى صد أبواب الأرشيف حتى أمام الباحثين".

وقال مستشار الرئيس الجزائري المكلف الأرشيف والذاكرة "أوضحنا للطرف الفرنسي حرص الجزائر على مصارحة شعبها بما يصل إليها من معلومات تاريخية"، مشدداً على أنه "ليس من حق أي أحد حرمان المواطن الجزائري من معرفة تاريخه، وخصوصاً أنه أصبح شغوفاً بمعرفة كل ما يتعلق بذلك، بإيجابياته وسلبياته. نريد أن يعرف الطرف الفرنسي أننا لا ننوي ولا نريد إخفاء الحقيقة عن شعبنا".

العلاقات الثنائية اهتزت؟

في السياق ذاته، يرى الباحث في الشأن المغاربي، سعيد هادف أن "مسألة الذاكرة عموماً ليست بالأمر الهين، ففي البلد الواحد تجد أن أكثر الخلافات تعقيداً، هي تلك التي تتعلق بالذاكرة لصلتها بهوية الجماعة البشرية، أو الحزب السياسي، فما بالك عندما يتعلق الأمر بدولتين انحرفت علاقتهما في اتجاه التعتيم والمزايدة وعدم الاعتراف؟"، مضيفاً أن "ما صرح به عبد المجيد شيخي، ينطوي على قدر كبير من الحقيقة".
وزاد هادف أن "ملف الذاكرة يقتضي كفاءة من الطرفين وشجاعة تعززها إرادة سياسية، لكن كما هو معلوم، هناك دائماً جماعات ضغط تتحكم بقرارات الدول، ومن المؤكد أن هناك جهات فرنسية تقف على الطرف النقيض من التصريحات الرئاسية، وهذا لا يعني أن هذا الملف سيبقى مغلقا إلى الأبد، فليس من مصلحة فرنسا إبقاء الوضع على ما هو عليه، وبلا شك فإن معالجته ستعطي دفعاً للتاريخ الفرنسي – الجزائري". وخلص إلى أن "تصريحات شيخي، وما جاء في بيان وزارة الدفاع الجزائرية من انتقادات بخصوص دفع الفدية وإطلاق سراح إرهابيين في سياق ما يعرف بـ(صفقة مالي)، يكشف عن أن العلاقات الثنائية اهتزت، علماً بأنها غير سوية أصلاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


المكاشفة الصريحة

تُعد تصريحات شيخي "مفاجئة" في ظل الحديث السابق عن علاقة قوية بين البلدين تحت قيادة الرئيسين تبون وإيمانويل ماكرون، وخصوصاً أنها جاءت في سياق الزوبعة التي أثارها الأخير بعد إطلاقه تصريحات صنفت في خانة "التهجم على الإسلام والمسلمين"، وما تبعها من ردود فعل دولية، وخصوصاً إسلامية وعربية، تطورت إلى اعتداءات نفذها متشددون دفعت باريس إلى رفع حالة التأهب الأمني.

وبحسب الحقوقي عابد نعمان فإن "العلاقات الجزائرية - الفرنسية باتت مبنية على المكاشفة الصريحة، ما يساعد كثيراً على تحديد العلاقة البينية بدقة، سواء على مستوى التعامل الثنائي، أو الاتفاق بكل أنواعه". وقال إن "منطق التعامل الذي كان مبنياً على الصداقة البراغماتية تحول إلى منطق التعامل بالمرجعية التاريخية الذي يجعل من العلاقة تسير وفق مبدأ الحد الأدنى من العلاقات الدبلوماسية الضامنة للمصالح الحيوية للبلدين شعباً وحكومةً"، مبرزاً أن "العلاقة بين البلدين تتجه إلى الحدة أكثر".

"فضح" فرنسا

وانضم الأستاذ الجامعي الفرنسي أوليفيي لوكور غراند ميزون، إلى موجة "فضح" فرنسا خلال فترة احتلالها الجزائر، فأكد أن فرنسا شنت خلال فترة استعمارها للجزائر بين عامي 1830 و1962، حرباً شاملة، تميزت بارتكاب مجازر وجرائم ضد الإنسانية أفضت إلى إبادة السكان الأصليين"، مبرزاً في حديث لوكالة الأنباء الجزائرية، أن "قراراً وزارياً صدر في عام 2011 عن رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون، حظر تسليم الوثائق المصنفة سرية، على الرغم من انقضاء فترة خمسين سنة التي حددها قانون 15 يوليو (تموز) 2008"، ما استدعى إدراج طعن أمام مجلس الدولة الفرنسي من طرف جمعية "جوزيت وموريس أودين" من أجل وضع حد لهذا الحال غير المقبول، الذي استنكره العديد من أمناء الأرشيف من باحثين وأكاديميين".

وتأتي ذكرى اندلاع ثورة التحرير الجزائرية في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، لتعيد طرح ملف الذاكرة الاستعمارية، والتي تحيل مباشرة إلى العلاقات مع فرنسا، وفي حين تدفع الجزائر نحو اعتراف فرنسي كامل بالجرائم الاستعمارية التي ارتكبت على أرضها، وتطلب استعادة الأرشيف، تقابلها فرنسا بالتجاهل والبرودة.

المزيد من العالم العربي