Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صدام الأحلام الإمبراطورية

أذربيجان تطمح لإقامة "أذربيجان الكبرى" وإيران تعمل لاستعادة الإمبراطورية الفارسية

طائرة من دون طيار تنفجر على قمة جبل خارج عاصمة قره باغ ستيباناكيرت (أ ف ب)

حرب ناغورنو قره باغ هي صراع وجود، لا مناوشات على الحدود كما في الماضي، مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى أذربيجان وأرمينيا، ومسألة نفوذ وأدوار في القوقاز بالنسبة إلى تركيا وروسيا وإيران، وهي عملية جرى التخطيط لها وترتيب القدرات العسكرية لتنفيذها خلال أشهر بين تركيا وأذربيجان، لا مجرد رد على "استفزاز" ثم رد على الرد.

الرئيس الأذري إلهام علييف يريد استعادة "الهدية" التي قدمها ستالين عام 1923 إلى أذربيجان عبر إلحاق إقليم قره باغ ذي الغالبية الأرمنية بجمهورية أذربيجان السوفياتية، والذي أعلن استقلاله بعد انهيار الاتحاد السوفياتي من دون أن ينضم رسمياً إلى أرمينيا. والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي بدأ حرب "العثمانية الجديدة" في سوريا والعراق وليبيا و"الوطن الأزرق" شرق المتوسط، يفتح جبهة جديدة لها في القوقاز. وهو اختار التوقيت الذي تصور أنه ملائم له.

روسيا محرجة

أميركا مشغولة بالانتخابات الرئاسية وبالجدل حول الانسحاب من العراق وسوريا وأفغانستان. روسيا محرجة بين أرمينيا التي تضم قاعدة عسكرية روسية وموقعة معاهدة دفاعية معها، وبين أذربيجان النفطية التي اشترت أسلحة روسية بخمسة مليارات من الدولارات. كما بين اعتمادها على إيران في حرب سوريا وتنفيذ مشاريع اقتصادية على أرضها، وبين صداقتها المتجددة مع تركيا التي اشترت صواريخ "أس 400" على الرغم من اعتراض الحلف الأطلسي. وهي "شريك، لا حليف"، كما قال أخيراً وزير الخارجية سيرغي لافروف، وسط السعي لسحبها من الـ"ناتو". وإيران التي وقفت إلى جانب أرمينيا "المسيحية" ضد أذربيجان "الشيعية" تواجه اليوم تحرك إيرانيين من أصول أذرية لدعم أذربيجان. وهم ليسوا أقلية صغيرة، ومنهم المرشد الأعلى علي خامنئي. وإسرائيل التي على علاقة وثيقة مع أذربيجان، حيث تقيم محطة تجسس على إيران، تريد الحفاظ على التحالف مع أميركا والصداقة مع روسيا وأرمينيا والعداء مع إيران.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والهدف هو في الحد الأقصى تفكيك الخرائط في القوقاز، وفي الحد الأدنى "إذلال" أرمينيا بخسارة قره باغ لمصلحة باكو، بالتالي فتح معركة واسعة في الحديقة الخلفية لروسيا. فالشعوب في المنطقة كوكتيل من حاملي الأثقال التاريخية. ويرى الخبير البريطاني توماس دو وول في كتاب "الحديقة السوداء" أن "التعايش الذي بدأ سلمياً أيام الاتحاد السوفياتي كان وهماً، فهم عاشوا معاً ولكن في عوالم منفصلة بعيدة مثل فهمهم للتاريخ وما ينتمي إلى كل منهم".

حيدر علييف والد الرئيس الحالي عاش في قرية داخل أرمينيا، وصار عضواً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي ورئيساً لأذربيجان قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وبعده، إلى أن ورث الابن الجمهورية. وسيرغي لافروف أرمني اسمه الأصلي سيرغي كالانتاريان، وفي غياب أميركا واهتماماتها في المنطقة، تكبر الأحلام الإمبراطورية وتقود إلى صدام واسع هو ما نرى بداياته في قره باغ.

"أذربيجان الكبرى"

ذلك أن أذربيجان تطمح لإقامة "أذربيجان الكبرى" التي تضم كل الأذريين في المنطقة وبينهم الأذريون الإيرانيون، وإيران تعمل لاستعادة الإمبراطورية الفارسية تحت عنوان "ولاية الفقيه" بحيث تضم الشرق الأوسط والقوقاز في الحد الأدنى، وروسيا التي لا تستطيع ولا تريد استعادة الاتحاد السوفياتي تحاول أن تضع الجمهوريات التي كانت في الاتحاد أو ما تسميه "الخارج القريب" تحت جناحها ضمن طموحات الرئيس فلاديمير بوتين. وأردوغان يعلن بوضوح أنه يريد استعادة النفوذ في البلدان التي كانت ضمن السلطنة في آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويحلم باستعادة الخلافة من خلال دعمه للإخوان المسلمين، وليس ذلك سوى وصفة لصدام الأحلام الإمبراطورية. لكن لجوء أردوغان إلى تفجير القوقاز في وجه روسيا يضع أمام بوتين خيارات دقيقة: كلفة التدخل العسكري كبيرة، وإن كانت القدرة على الحسم مؤكدة، وكلفة اللاتدخل أكبر لأنها تكشف أن روسيا التي استعادت من خلال حرب سوريا وضم شبه جزيرة القرم دور القوة الدولية الكبرى عاجزة عن لعب دور القوة الإقليمية العظمى في حديقتها الخلفية.

أما التوسط بين المتصارعين، فإنه مجرد شراء وقت قبل تكبير الصدام، وأمام أحلام الإمبراطوريات، فإنها أوهام لا بد من دفع ثمنها الذي قد يكون أكبر من ثمن الهزائم.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل