Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مغامرات أردوغان تهدد بطي سجاد الاقتصاد التركي من الأسواق

تراجع حاد لصادرات أنقرة إلى السعودية إثر غياب علاقات سياسية صحية تسمح بتطويرها

لا يمكن أن تقوم علاقة اقتصادية مستقرة إلا على أساس سياسي مستقر وعادل لكلا الطرفين (غيتي)

لا تخلق الأزمة التجارية المتصاعدة في الآونة الأخيرة بين الرياض وأنقرة قضية جديدة وإن كانت أكثر زخماً، فالعمليات الاقتصادية التركية العابرة للحدود كانت محط جدلٍ دائم يطال عدالة توزيع المنفعة، ومدى توافقها مع نسق علاقات سياسية صحية تسمح بتطويرها وتعزيزها، بحسب مراقبين.

يعود هذا الحديث المتجدد إلى الواجهة في الأيام الماضية مع تصاعد الحملة التي أطلقها السعوديون، داعين إلى مقاطعة المنتجات التركية، واتسعت رقعتها تحت عناوين وتحليلات مختلفة طالت عمليات نقل حاويات الشحن بين البلدين.

ولم تتوقف الحملة الشعبية الواسعة عند حدود التغريدات عبر شبكة التواصل الاجتماعي "تويتر"، إذ برزت مواقف علنية لرجال أعمال سعوديين ومراكز تجارية، أعلنت وقف التعامل مع الشركات التركية، أو وقف استيراد المنتجات المقبلة من مصانع تعمل في تركيا كجزء من التزامهم ومشاركتهم في الحملة.

ثنائية الاقتصاد والسياسة

وعلى الرغم من محاولة المدرسة الاقتصادية الحديثة، التي تقوم عليها التعاملات التجارية العابرة للحدود اليوم، فصل النشاط التجاري عن العلاقات السياسية، فإنه على ما يبدو لا يمكن أن تقوم علاقة اقتصادية مستقرة إلا على أساس سياسي مستقر وعادل لكلا الطرفين.

وتتزامن دعوات المقاطعة الحالية التي بدأت تؤتي أكلها في الدولة العربية مع توتر العلاقة الدبلوماسية بين الرياض وأنقرة، ما انعكس بشكل مباشر على الجانب التجاري، الذي كان أبرز المتأثرين. الأمر الذي يؤكده رئيس الغرفة التجارية السعودية عجلان العجلان، إذ دعا رجل الأعمال السعودي تجار بلاده ومواطنيه إلى أخذ موقف حقيقي تجاه ممارسات السلطة الحاكمة في أنقرة، وهو ما تحول إلى حملة مقاطعة واسعة لم تتوقف منذ أسابيع.

وقال العجلان في حديث خاص لـ"اندبندنت عربية" بعد ما وجهنا له سؤالاً حول مدى التزامه الشخصي بخطوة مكلفة كهذه "لن أدعو الناس إلى شيء لم أقم به شخصياً، فأنا قطعت جميع تعاملاتي التجارية مع تركيا وأتحمل كل الخسائر"، مؤكداً أنه ملتزم بموقفه تجاه ما يصفه بـ"الإساءات المتكررة من الحكومة التركية" تجاه بلاده. وأضاف رجل الأعمال المؤثر "كيف أستثمر المليارات في بلد يحيك لنا العداء؟ ما نقدمه هو موقف أخلاقي لا يجب أن نتردد في تقديم تنازلات أراها محدودة مقارنة بالنتيجة".

وشدد العجلان على أن حملة المقاطعة بدأت للرد على ما وصفه "بسياسات الحكومة التركية المعادية" ولن تنتهي الحملة إلا بزوال هذا العداء. وأضاف رئيس الغرفة التجارية السعودية أن "بدائل المنتج التركي كثيرة، ولم تُعرف عن المنتج التركي امتيازات استثنائية في الجودة والسعر. في المقابل هناك بلدان في العالم أفضل جودة وأفضل سعراً"، مضيفاً "وكل دول العالم بلا استثناء ترحب بالتعامل مع السعودية كتاجر وسائح ومستثمر، فالعالم يرغب في استثمارات واسعة معنا، من أميركا إلى نيوزيلاندا كلها تسعى للوصول إلى المستهلك السعودي".

وبشأن هذا التحول الطارئ في التعامل التجاري، يقول إن "علاقتنا مع تركيا مستمرة وقائمة منذ سنوات طويلة، لكن اليوم تحولت السياسة التركية إلى عداء، ولا يمكن أن تقوم علاقة اقتصادية صحية في أجواء كهذه"، مكرراً "لا تعامل لا تعامل لا تعامل مع أي شيء تركي وهذا ما أجمعنا عليه".

تركيا تنفي عداءها للسعوديين

وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، علق مع بدء تصاعد أخبار المقاطعة لوكالة أنباء الأناضول الرسمية، أن بلاده لم تُبلغ بأي حظر رسمي من قبل السلطات السعودية وأن "حظراً كهذا في حال إقراره لا يتفق مع قوانين منظمة التجارة العالمية والقانون التجاري الدولي". وأضاف أن بلاده "تسعى إلى حل الخلاف على المستوى الثنائي وستضطر لاتخاذ خطوات في حال عدم التوصل إلى اتفاق وفرض الحظر"، وهو ما لم يتم رسمياً واقتصر على الخطوات الفردية من قبل رجال الأعمال، بحسب أوغلو.

وحول غضب السعوديين من سياسات أنقرة تجاه بلادهم، أكد الوزير التركي أن بلاده "لا تتخذ موقفاً ضد حكومة السعودية وشعبها"، مؤكداً أنهم لم يظهروا أي عداء للسعودية خلال الفترة الماضية.

مراكز التسوق تتفاعل

وامتدت الحملة من وسائل التواصل الاجتماعي إلى مراكز التسوق ومحلات المنتجات الغذائية، التي بدورها بادرت بإعلان وقف تعاملها مع المنتجات المقبلة من الشمال وإزالتها من على الرفوف، عبر تغريدات نشرتها، ولافتات علقها البعض على أبوابه.

وأعلن أحد أشهر المتاجر السعودية والذي يمتلك نحو 204 فروع على مستوى السعودية، أنه "تم توجيه إدارات الشركة بإيقاف استيراد كل المنتجات التركية، وإيقاف توريدها من الموردين المحليين والعمل على سرعة التخلص من مخزون هذه المنتجات في جميع فروعها ومستودعاتها، وعدم إصدار أي طلبات جديدة".

 

 

واعتذر أحد المحلات التجارية في المدينة المنورة عن بيع المنتجات التركية بوضع لافتة لعملائه.

ولله الحمد..
بدأ التجار ورجال الاعمال بالدعم الفعلي لـ #الحملة_الشعبية_لمقاطعة_تركيا
محلات ريسان للتسويق تتوقف عن بيع #المنتجات_التركية في فروعها
وتضع لوحه #مقاطعه_المنتجات_التركيه
#حمله_مقاطعه_المنتجات_التركيه#مقاطعة_البضائع_التركية pic.twitter.com/SsAmYpOOpD

 

 

وأكد آخر يعمل في قطاع التجزئة أن فروعه مليئة بالمواد الغذائية محلية الصنع، وأنه لا يبيع المنتجات التركية. وتداول مغردون صوراً لأحد محلات بيع التجزئة وهي تفرغ رفوفها رويداً رويداً من المنتجات التركية.

حجم التبادل التجاري بين البلدين

وتبرز أهمية متابعة الحالة الجديدة التي تكتنف العلاقة التجارية بين السعودية وتركيا إلى حجم التبادل بينهما وما صارت إليه في السنوات الأخيرة. فوفق هيئة الإحصاء السعودية، فقد هوت قيمة الواردات التركية إلى الدولة الخليجية الكبيرة حتى وصلت إلى 9.47 مليار دولار في 2019، مقارنةً بنحو 12.74 مليار دولار في عام 2015. إذ خسرت حزم الواردات من ميناء بورصة إلى موانئ السعودية منذ عام 2015 أكثر من 3 مليارات دولار. وبدأت المنتجات التركية بالتراجع على مدار 5 سنوات متتالية، فسجلت في 2015 نحو 12.74 مليار دولار، ثم انخفضت إلى 12.06 مليار في 2016، ثم 11.31 مليار في 2017، ثم 10.04 مليار في 2018، حتى بلغت 9.47 مليار دولار في نهاية العام المنصرم 2019. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المغرب على خط المقاطعة

وإن كانت الأزمة الحالية لها محركات سياسية، إلا أنها فتحت ملفات اقتصادية كان التبادل التجاري بين البلدين أحد أهم أوجهها، وهو ما لا يمكن اعتباره أمراً طارئاً في شكل العلاقة التركية مع محيطها. إذ سبق وأن قررت الحكومة المغربية في 15 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري رفع الرسوم الجمركية على المنسوجات التي تحمل ختم "صُنع في تركيا" حمايةً للمنتجات المحلية بعد ما أسهمت السياسة الاقتصادية التقليدية بإغراق السوق بالمنتج التركي المستورد على حساب الصناعة المحلية، التي كانت تُعتبر أحد أهم منتجات النسيج في شمال أفريقيا. ويساهم التعديل في فرض رسوم جمركية لمدة 5 سنوات على عدد من المنتجات الصناعية التركية لتبلغ 90 في المئة من قيمتها. وبلغت قيمة الصادرات المقبلة عبر البحر إلى المغرب 2.2 مليار دولار في عام 2019.

ولم تكن هذه الأزمة هي الأولى بين الرباط وأنقرة، ففي وقت سابق اتفق وزير التجارة والصناعة والاقتصاد الرقمي المغربي مولاي حفيظ العلمي، ووزيرة التجارة التركية روهصار بكجان، على مراجعة بنود اتفاقية التبادل الحر بين البلدين لأسباب مشابهة.

وقال العلمي أثناء التفاوض على التعديل "نحن نحارب الشركات التي تريد إغراق الأسواق المغربية"، مشدداً أن بلاده "ليس لديها مشكلة مع أي بلد"، سوى رغبتها بالدفاع عن الاقتصاد الوطني. وتابع متسائلاً "هل نكوّن شبابنا ليحصل على فرص عمل، ثم نسمح لبلاد أخرى بغض النظر عمَن تكون، أن تهدم فرص العمل في المغرب؟ لن نسمح بهذا أبداً". وأضاف الوزير المغربي أن "البلدين سيعملان معاً من أجل جلب مستثمرين أتراك بهدف ضخ استثمارات في السوق المحلية"، لكن بشروط جديدة.

اليونان وقبرص تخوضان معركتهما أيضاً

وتسعى اليونان وقبرص اللتان تخوضان معركة سياسية تقف على شفى التحول إلى صراع عسكري، نتيجة الأزمة شرق المتوسط التي يتهم فيها الاتحاد الأوروبي أنقرة بانتهاك سيادة دوله. وتسعى الدولتان الأوروبيتان إلى دفع الاتحاد لتوجيه رد أكثر صرامة مع إنذار قوي لتركيا باستخدام ورقة الاقتصاد. وندد رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، في قمة ببروكسل "باستفزازات تركيا وتصرفاتها الأحادية الجانب"، مؤكداً أن الاتحاد الأوروبي يعتزم دراسة الوضع مجدداً في ديسمبر (كانون الأول) المقبل للنظر في عقوبات ضد أنقرة، قد تطال التعاملات التجارية بينها وبين دول الاتحاد".

ويعمل الاتحاد الأوروبي على تجهيز قائمة بالعقوبات الممكن فرضها على تركيا، من أجل حثها على قصر حفريات التنقيب عن الغاز المثيرة للجدل في نطاق مياهها الإقليمية فقط، بعد ما نجحت الدولتان اللتان تشعران بالتهديد بسبب ذلك في منتصف يوليو (تموز) الماضي، بتمرير فقرة تدفع الاتحاد إلى التفكير بإمكانية فرض عقوبات كإحدى وسائل الرد على سياسات تركيا في شرق المتوسط.

قلق تركي من المقاطعة

وأبدت رئيسة مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال في المنطقة الصناعية المنظمة بمدينة بورصة التركية، دميرتاش نيلوفر تشفيكال، قلقها من أصوات المقاطعة التجارية القادمة من السعودية، وكذلك من الخطوات المغربية والضرائب التي فرضتها الرباط على 1200 منتج تركي، مشيرةً إلى إنها ستضر البلاد على المدى الطويل.

كما عرجت رئيسة الجمعية على أهمية العلاقات الاقتصادية مع المغرب، إذ قالت "سيتم فرض ضرائب إضافية في المغرب على السلع المستوردة من تركيا بخاصة المنسوجات والملابس والجلود والسيارات والمعادن والخشب والمواد الكهربائية، والسعودية بدورها لديها حملات ترفض التعامل مع السوق التركي". ولفتت إلى أن "الحجم الاقتصادي الذي تم تحقيقه مع كلا البلدين ليس رقماً يمكن المخاطرة به بسهولة".

المزيد من اقتصاد