Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فنون ممالك الصحراء والساحل الأفريقي في دائرة الضوء

إرث أفريقيا يُعرض في "ميتروبوليتان" نيويورك ومخطوطات رحالة بينهم ابن بطوطة

منحوتتان من تراث الساحل الإفريقي (الخدمة الإعلامية في ميتروبوليتان)

في رحلته إلى غرب أفريقيا يصف الرحالة ابن بطوطة جلوس منسى سليمان أحد سلاطين مالي على العرش بقوله "ويخرج السلطان من باب في ركن القصر وقوسه بيده وكنانته بين كتفيه وعلى رأسه شاشية ذهب مشدودة بعصابة من ذهب ولها أطراف مثل السكاكين رقاق، طولها أزيد من شبر، ويخرج بين يديه المغنون بأيديهم قنابر الذهب والفضة، وخلفه نحو ثلاثمئة من العبيد أصحاب السلاح، ويمشي رويداً ويكثر التأني، وربما وقف ينظر في الناس، ثم يصعد برفق كما يصعد الخطيب المنبر، وعند جلوسه تضرب الطبول والأبواق والأنفار".

يسهب ابن بطوطة في وصف مظاهر الحياة في تلك الأراضي البعيدة التي أطلق عليها بلاد السودان، فيعدد مناقب ملوكها وسلوك سكانها وطباعهم وعاداتهم وأساليب عيشهم. ما كتبه ابن البطوطة في وصفه ممالك الساحل الأفريقي يعد أول وصف مدوناً لمظاهر الحياة في تلك المنطقة من أفريقيا والتي كانت شبه مجهولة حتى قام أحد سلاطينها برحلة للحج إلى مكة جذبت إليه الأنظار وتناول سيرتها المؤرخون شرقاً وغرباً، وهي رحلة السلطان منسى موسى، الذي يكنى بالملك الذهبي.

 

في بداية القرن الرابع عشر الميلادي خرج منسى موسى سلطان مالي من بلاده متوجهاً إلى مكة، عابراً الصحراء الكبرى، وماراً بدول وممالك في المغرب والمشرق الإسلامي. وقد أسهب الكثير من المؤرخين في وصف هذه الرحلة ومدى ضخامتها، غير أن أكثر ما أثار هؤلاء كانت كمية الذهب التي حملها هذا السلطان بصحبته كهدايا للملوك والأمراء، بل وعطايا كذلك لعامة الشعب في البلاد التي مر بها، حتى قيل إن قيمة الذهب قد تراجعت في هذه البلاد على نحو ملحوظ لكثرة ما وزعه منسى موسى من هذا المعدن. ذاع صيت منسى موسى شرقاً وغرباً، حتى تحول إلى ما يشبه الأسطورة.

خيرات بلاد أفريقيا

ويرى البعض أن هذه الرحلة هي التي فتحت أعين الغرب في ما بعد على خيرات بلاد أفريقيا وكانت دافعاً لاستعمارها، إذ كان هناك ذكر لهذه الرحلة بشيء من المبالغة في كتابات بعض المستشرقين والمؤرخين الأوروبيين الذين اعتمدوا على ما يبدو على ما نقله تجار البندقية الذين صادف وجودهم أثناء مرور منسى موسى بدول المشرق. كان الساحل الغربي من أفريقيا في ذلك الوقت يتميز بثرائه المادي والثقافي والبصري وشهدت هذه المنطقة قيام دول وأنظمة حكم مزدهرة وغنية، وهي تمثل اليوم منطقة شاسعة تشمل دول مالي والسنغال والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو.

رحلة الحج التي قام بها منسى موسى إلى مكة والروايات المرتبطة بها كانت أحد المحاور التي اعتمد عليها معرض "الفن في ممالك الصحراء" الذي ينظمه متحف متروبوليتان حالياً حتى 26 أكتوبر (تشرين الأول). يتتبع المعرض الإرث الفني والثقافي لممالك الساحل الغربي من أفريقيا وما أنتجته من فنون بصرية، مع التركيز على المراحل الفارقة في تاريخ هذه الدول، كسقوط الأسر الحاكمة، ودخول الإسلام وطرق التجارة وتأثير الحقبة الاستعمارية وغيرها من التحولات التي طرأت على هذه المجتمعات. يضم المعرض أكثر من مئتي قطعة تشمل المنحوتات الخشبية والحجرية والطينية والبرونزية، إلى جانب المتعلقات والأدوات المصنوعة من الذهب والمعدن المصبوب، والمنسوجات المصبوغة، كما تشمل المعروضات عدداً من المخطوطات القديمة التي يعود بعضها إلى الرحالة العربي إبن بطوطة. بين المعروضات اللافتة تمثال من البرونز يصوّر السلطان منسى موسى حاملاً قطعة كبيرة من الذهب، وقد صنع هذا التمثال في جزيرة مايوركا الإسبانية حوالى القرن الخامس عشر الميلادي، وهو يعكس شهرة وانتشار سيرة هذا الحاكم الأسطوري وربط العقلية الأوروبية بين حضارات هذه البلاد ومعدن الذهب.

الأرث المنهوب

يسلط المعرض من جديد الضوء على الإرث الأفريقي المنهوب والموزع اليوم على متاحف العالم، فالجانب الأكبر من هذه المعروضات استعير من مؤسسات ومجموعات خاصة في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وأغلبها نُهب في الأصل من القارة الأفريقية أثناء فترة الاستعمار كما يقول الدكتور ممادو ضيوف مدير معهد الدراسات الأفريقية في جامعة كولومبيا ومستشار المعرض، فمتحف واحد فقط في باريس مثلاً وهو متحف "برانلي" يمتلك ما يقارب الخمسين ألف قطعة فنية أفريقية تم الاستيلاء عليها أثناء حقبة الاستعمار.

يحمل المعرض كذلك كما يقول ضيوف العديد من التساؤلات حول الإرث التاريخي والثقافي لتلك الدول، وتأثير الحقبة الاستعمارية على إعاقة التواصل مع هذا الموروث الطويل. ويرى ضيوف أن الاستعمار قد تعمد محو الإرث التاريخي لتلك الدول وتشويه ثقافتها من أجل التقليل من إنسانية شعب أفريقيا وتبرير العبودية وتجارتها عبر المحيط الأطلسي، ومن مظاهر هذا الطمس والتشويه العمل على استبدال أنظمة الحكم الأصلية لصالح الأنظمة الأوروبية المفروضة بالقوة، والتعامل مع المنجز الثقافي الأفريقي كنشاط بدائي، هذا على الرغم من تأثيره الكبير في الثقافة الغربية في مناحٍ عدة كالموسيقى والغناء والفنون البصرية.

تشمل فعاليات المعرض عدداً من العروض السينمائية الأفريقية التي تسلط الضوء على الإرث الثقافي والشفهي لدول الساحل الأفريقي، مع استضافة بعض صنّاع الأفلام الأفارقة للحديث والنقاش حول أعمالهم، بين هؤلاء المخرجة رحمتو كيتا من النيجر، وفانتا ناكرو من بوركينا فاسو.

المزيد من ثقافة