Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ًريما خشيش تغني فن الباروك بإداء شرقي عالٍ... وتضفي على "زوروني" سيد درويش إحساساً فريدا

أسطوانتها الجديدة "يا ليت" شارك فيها موسيقيان من هولندا

تطل المطربة اللبنانية ريما خشيش على جمهورها اللبناني والعربي والأجنبي بأسطوانة جديدة هي "يا ليت"، ولعلها جديدة حقاً في مسار هذه المطربة صاحبة الصوت الفريد، برقته وعذوبته وتقنياته الراسخة، فهي تفتح عبرها أفقاً اخر، يجمع بين اللونين الشرقي والغربي. وقد نجحت كثيرا في تطويعهما وسبكهما في جو غنائي واحد متعدد الايقاعات، يضاف اليه مناخ موسيقي، متعدد بدوره، في تعدد مراجعه الايقاعية وتوجهاته. هذه المرة يتجلى اللون الغربي في موسيقى وغناء ينتميان الى فن الباروك العريق، الذي بدا العازفان او الموسيقيان الهولنديان اللذان يرافقان ريما، توليفاً أو توزيعاً وعزفا في وقت واحد، بارعين في احيائه ورسم خطوطه الموسيقية وفي التنويع على أبعاده الميلودية. اما أداء ريما المتين لهذا اللون العريق، فاستطاع ان يخضعه لسياق شرقي، نابع من عمق صوتها أولاً ومن تجربتها المتميزة في حقل الموسيقى العربية الاصيلة. نجحت ريما في تطويع هذا اللون والذوبان فيه حتى بدا كأنه شرقي بروح باروكية او باروكي بروح شرقية. ونادرا ما يتمكن مطرب او مطربة من العالم العربي ان تصهر هذين اللونين في مثل هذه البراعة التي تنم عن مراس مطربتنا الراسخ في الغناء وفي مثل هذه الرقة والشفافية والاحساس العالي. وقد عمد الى ترجمة القصائد الى العربية الفنان ربيع مروة الذي سبق ان تعاون مرارا مع ريما، تأليفاً وتلحيناً.

وإن كانت الأسطوانة هذه نتاج تعاون بين العازفين والموسيقيين الهولنديين مارتن اورستاين ومايك فنتروس والمطربة اللبنانية، خصوصا انها تضم مقطوعات موسيقية صرفة استطاعت ان تضفي جوا رديفا الى الغناء، فالاسطوانة تظل أسطوانة ريما لا سيما في نظر جمهورها الذي دأب على متابعتها منذ سنوات في اسطوانتها البديعة. وما يرسخ حضور ريما أكثر فأكثر هو اختيارها ثلاث أغنيات من الريبرتوار العربي هي "يا حلو" (تلحين خالد أبو النصر، أداء زكية حمدان)، "يا فايتني وانا روحي معاك" (تلحين محمد القصبجي، أداء ام كلثوم)، "زوروني" (سيد درويش)، واداؤها إياها على طريقتها الراقية ووفق اسلوبها الشرقي المميز ببداهته وانضباطه في آن، وبصوتها الغني بتلاوينه وحناياه وعربه. وما زاد من جمال هذه الأغنيات هو الإطار الموسيقي الذي رسمته الات غربية في توجه شرقي، وقد عزف الموسيقيان الهولنديان الالحان الشرقية بأحساس غربي وشرقي، مرافقين أداء ريما المتفرد في هذا النوع من التجارب. ولم تبد ريما انها تقلد ام كلثوم او سيد درويش او زكية حمدان بمقدار ما بدت انها تعيد غناء هذه الالحان والكلمات انطلاقا من قدرات صوتها وقوة أدائها مضافا اليهما احساسها الخاص بهذه الالحان والكلمات ودمغتها إن أمكن القول. وكم نجحت في الابتعاد عن الصيغ الغنائية الكثيرة التي اديت بها اغنية "زوروني" عبر اصوات كبيرة وعادية، مضفية عليها ايقاعا اشد تهاديا وتنويعا ادائيا عبر عن براعتها في التنقل بين جملة ميلودية وأخرى.

كان لا بد من لقاء مع ريما خشيش من اجل استيضاح طبيعة هذه التجربة الجديدة التي حملتها أسطوانة. سألتها: كیف خطرت لك فكرة ھذا المشروع والاسطوانة والعمل مع موسیقیین من ھولندا؟ أجابت: "فكرة التعاون مع موسیقیین من ھولندا بدأت منذ سنین وتجسدت في عدد من الأسطوانات التي شاركوني فیھا العزف والتوزیع. في ھذا العمل یشاركني عازف الكلارینت الذي ھو عنصر من فرقتي الموسیقیة، بالإضافة الى عازف آلة التیوبو والفیویلا، وھما آلتان ترافقان موسیقى الباروك. شكل مارتن ومایك ثنائيا موسیقيا وطلبا مني مشاركتھما في مشروع یجمع بين موسیقى الباروك والموسیقى العربیة الكلاسیكیة. وھكذا بدأت فكرة الأسطوانة."

 أما كیف تم التعاون لصیاغة الأغنیات، فتوضح ريما قائلة: "ھذا العمل قائم على المشاركة، فقد أراد هذا الموسيقيان ان اقدم النوع الذي یقدمانه عادة، وهو الباروك، والذي ھو مختلف عن الغناء الذي أقدمه. وقد اخترت أغاني من التراث العربي لأشاركھما فیھا. أغنیات الباروك غنیتھا باللغة العربیة وقد صاغ ربیع مروة كلمات للأغاني ُوضعت على اللحن القدیم. وتم اخیار ھذه الأغاني لاحساسي بأنھا تتماشى مع صوتي وطریقتي في الغناء".  وعن  شعورها عندما تغنی الحانا من فن الباروك و كیف اخضعت الباروك لصوتها تقول: " حرصت على المحافظة على الطریقة العربیة في الغناء، فتعاملت مع أغنیات الباروك كما أتعامل مع أي اغنیة من التراث العربي ولم أحاول ان أقلد طریقة غناء الباروك الغربي. ومما ساعدني على إبقاء الغناء بنكھة عربیة وتقنیات عربیة، ھو وجود كلام الأغنیات باللغة العربیة.  وبالرغم من شعوري ببساطة الألحان للوھلة الأولى، فقد لمست صعوبة في أداء ھذا النوع المختلف بالنسبة لي على صعید البناء المیلودي والأبعاد الموسیقیة".

 

اسألها عن اختيارها أغنیات عربیة مثل "زوروني" و"یا فایتني" و"یا حلو" وعن طريقة العمل علیھا مع موسیقیین ھولندیین وطريقة تعاملهما موسیقیاً مع اللحن العربي، تجيب:" من النقاط الممیزة في ھذه الأسطوانة ھو التوزیع الموسیقي للأغنیات العربیة القدیمة. فأغنیة "یا فایتني"(1931)  هي من ألحان محمد القصبجي المعروف بالتجدید في ألحانه لأم كلثوم،  وهي مبنیة على قالب الطقطوقة، أي الأغنیة التي تتضمن  روفران او مذهبا يعاد بعد كل كوبلیه. وزع مارتن ھذه الأغنیة بكتابة خط موسیقي مرافق للمیلوديا الأساسیة المغناة ومتناغم معها ویظھر غناها وتنوعھا. وقد قمت بإعادة غناء الروفران التي وزعت كل مرة بطریقة مختلفة عن الأولى. بالنسبة لأغنیة "یا حلو بل یا قمر" لزكیة حمدان، ھي من ألحان خالد أبو النصر المعروف أیضا ً بألحانه التي تتضمن ایقاعات مأخوذة من الغرب ومیلوديا عصریة (بالنسبة الى الوقت الذي عاش فیه). وقد وزع مارتن ھذه الأغنیة ُ مظھرا التنقلات المتنوعة في اللحن بحیث تشعر أنھا أكثر من أغنیة. الآلة الموسیقیة التي یعزف عليها مایك وهي "فيهويلا" لا تتضمن ربع الصوت الموجود في المقامات العربیة، لكنه طّوعھا تقنياً، وقد واجه صعوبة، بخاصة أنھا المرة الاولى التي یعزف فيھا مقامات عربیة. بالنسبة لمارتن وآلة الباص كلارینت، كان الأمر أسھل من جراء خبرته في المقامات العربیة ومشاركتي من قبل في حفلات تضم الموشحات والأغاني التراثیة العربیة".  اسأل ريما: "غناؤك ل "زوروني" بدا بدیعا وجدیدا، وقد اضفت الى هذه الاغنية جوا مختلفا واحساسا جدیدا ونفَسا جدیدا، كیف توصلت الى ھذه الصیغة الغنائیة الفریدة؟، تجيب:" أغنیة "زوروني" ھي من أكثر أغنیات سید درویش شھرة وقد قدمت كثیرا وأعاد تسجیلھا الكثیر من الفنانین ومن أبدع وأجمل ً من قدم ھذه الأغنیة ھي السیدة فیروز بتوزیع رائع من الأخوین رحباني. كل ھذا یجعلھا من أصعب الأغنیات لإعادة تقدیمھا. أردت ان اقدم "زوروني" بطریقة مختلفة، وأن أضیف شیئاً في أدائھا وأتمنى ان أكون نجحت بھذه الإضافة وان یحبھا المستمع في التوزیع الجدید الذي یبعدھا عن الإیقاع السریع" .

المزيد من ثقافة