Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التوترات بين تركيا واليونان تهدد بإطلاق نزاع لا يريده أحد

مشكلة قديمة بين البلدين قد تخرج عن السيطرة

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ينفخ في المشاعر القومية ليرص صفوف الأتراك حوله (أب)

في المياه الصيفية الهادئة لشرق المتوسط أمام جزيرة "كاستيلوريزو" اليونانية الصغيرة، انطلقت في الشهر الماضي السفينة التركية للمسح الجيولوجي "عروج ريس" في رحلة مثيرة للجدل إلى المياه القريبة.
وتبعتها ثلاث سفن حربية يونانية عن كثب، وخمس سفن حربية تركية في مكان قريب أيضاً لحراسة "عروج ريس" التي كانت تمسح قاع المحيط بحثاً عن احتياطات محتملة من الغاز والنفط، على الرغم من مزاعم اليونان بأن المساحة جزء من منطقتها الاقتصادية الخالصة.
وبلغت التوترات مستوى مرتفعاً. وطالب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة تركيا بإنهاء بعثة الاستكشاف، معتبرة إياها استفزازاً. لكن أنقرة مضت قدماً على أي حال. إذ تزعم أن المياه المحيطة بالجزيرة جزء من جرفها القاري. والواقع أن "كاستيلوريزو" تقع على بعد يقل عن ميلين (3.2 كيلومتر) من الساحل التركي، وكذلك تبعد 90 ميلاً من أقرب أرض يونانية، أي جزيرة "رودوس" القديمة.
ولا تزال الصورة الكاملة لما حصل يوم 12 أغسطس (آب) غير متبلورة تماماً. ويشير بعض المسؤولين والمحللين إلى أن قباطنة السفن الحربية التابعة للحليفين العضوين في حلف شمال الأطلسي ("ناتو") ربما شعروا بالضجر ورغبوا في المشاركة في لعبة خطيرة. ووضعت اليونان قواتها في استنفار كامل قبل يوم من ذلك.
في المقابل، أثناء مرحلة من المراحل، اصطدمت الفرقاطة اليونانية "ليمنوس" البالغ وزنها ثلاثة آلاف و500 طن بالسفينة الحربية التركية "كمال ريس" البالغ وزنها ثلاثة آلاف و100 طن.
وعلى الرغم من القوة النارية في السفينتين، سادت الرؤوس الباردة. ولم يجرِ أي إطلاق للنار. وجاءت الأضرار ضئيلة، وبقيت السفينتان تعملان. ووصف مسؤولون يونانيون ما حصل بأنه حادث. لكن الأتراك يزعمون أنه حصل بسبب أعمال يونانية استفزازية.
بالنسبة إلى الطرفين، وكذلك مسؤولي "الناتو" المتوترين في بروكسل ودول أوروبية أخرى، أبرزت الحادثة مخاطر التصعيد الأخير في المواجهة التي يبلغ عمرها عقوداً من الزمن بين تركيا واليونان على امتداد شرق المتوسط.
في ذلك الصدد، تقول الزميلة آسلي أيدنتاشباش، من "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، أن "الحادثة ترينا مقدار حساسية الموقف ومدى قربنا من مواجهة نشطة بين القوتين".
إذ انخرطت تركيا واليونان في نزاع حول مياههما المشتركة في بحر إيجة والبحر المتوسط منذ تأسيس الجمهورية التركية قبل 100 سنة تقريباً. وتفاقمت هذه التوترات بسبب اكتشاف مخزونات من الغاز الطبيعي في شرق المتوسط تستغلها الآن إسرائيل ومصر واليونان وقبرص وبلدان أخرى، في ضوء سلسلة من الاتفاقات التي تستثني تركيا.
في ذلك المنحى، يشير الباحث نيكوس تسافوس في قطاع الطاقة في "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية" بواشنطن، إلى إنه "لديكم بلد كتركيا. يشعر الأتراك بأن كثيراً من التطورات تجري حولهم فيما هم مستثنون منها. وأفهمُ أن الأمر قد يكون محبطاً. ويشكّل ذلك جوهر الأمر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


من ناحية أخرى، توجّه اعتبارات محلية طرفي النزاع، لاسيما تركيا. إذ أجبر ركود اقتصادي شديد حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان على دعم قاعدته السياسية بمناشدات ذات طبيعة قومية. وثمة عدد قليل من المسائل التي توحد الإسلاميين والقوميين اليمنيين في تركيا وتحفزهم بأكثر مما يفعل العداء تجاه اليونان.
وفي ذلك الشأن، يرى دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى، إن "الأمر لا يتعلق بالغاز. بالأحرى إنه يتعلق ببقاء أردوغان في السلطة. إذ يرى في الوضع الاقتصادي تهديداً له. ويتعلق الأمر أيضاً بتأكيد تركيا الجديدة حضورها بسبب ضعف القيادة".
وفي استفتاء نُشِرت نتائجه الشهر الماضي، حلّ أردوغان ثالثاً بعد رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، وكلاهما عضوان في المعارضة القومية الليبرالية. ولن تُجرَى الانتخابات الرئاسية في تركيا قبل 2023.
كذلك ثمة عوامل أخرى توجه التوترات في شرق المتوسط. وتتمثل الخلفية الأبرز في النهاية التاريخية وربما المحورية لعملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. إذ أعطت تلك العملية أنقرة دافعاً للحفاظ على علاقات طيبة مع اليونان وللتشجيع على طي صفحة الماضي الأليم مع قبرص.
ويمثل النزاع المجمد القديم بين قبرص وشمالها الذي تديره تركيا مصدراً رئيسياً آخر للتوتر. وتصر أنقرة على الحقوق البحرية وأخرى للدولة [قبرص الشمالية] الدائرة في فلكها والتي لا يعترف بها أي بلد آخر.
وفي العام الماضي، وقّعت تركيا مع ليبيا اتفاقاً بحرياً تعرض إلى كثير من الانتقادات لأنه أعطى تركيا حقوقاً في مناطق واسعة من شرق المتوسط، على الرغم من معارضة الدول المتشاطئة الأخرى. ويشير دبلوماسيون أيضاً إلى تراجع نفوذ الولايات المتحدة في شكل أوجد فراغاً في شرق المتوسط تتزاحم القوى الإقليمية على استغلاله.
في المقابل، لا تركيا ولا اليونان تريد نزاعاً مسلحاً، ويسارع مسؤولو "الناتو" إلى خفض التصعيد.
وفي ذلك الصدد، يفيد يوروك إيسيك، محلل المخاطر الجيوسياسية المهتم بأوراسيا، إن "هذا الوضع سينتهي ما لم يقع حادث ما. إذ لا يملك الطرفان كلاهما القوة الاقتصادية التي تمكنه من محاربة الآخر. وهما يختبران حدوداً جديدة في محيط غير صحي".
وفي إطار صورة واسعة، يدور الخلاف التقني بين أثينا وأنقرة حول زعم اليونان المعترف به دولياً بأنها تملك السيادة في جزرها الصغيرة كـ"كاستيلوريزو" على غرار تلك التي تملكها في برها الرئيسي. وقد لا يثير ذلك القانون المتعلق بالمناطق البحرية الخالصة، جدلاً في جنوب المحيط الهادئ. لكن، في سياق البحار المزدحمة بالجزر، يُعتبَر ذلك القانون معياراً شائكاً ينتهك في الواقع الشواطئ التركية. وتصر تركيا على أنه من غير المنصف إعطاء الجزر الصغيرة النفوذ الإقليمي نفسه كالبر الرئيسي الذي تتبع له، ويتعاطف كثيرون من خبراء القانون الدولي مع الموقف التركي.
مع ذلك، يدور النزاع حول المياه الإقليمية منذ عقود من الزمن. وقد دفع توقيت المواجهة الأخيرة كثيرين إلى التشكيك في دوافع تركيا من وراء إرسال سفن في بعثات استكشاف مكلفة لم تؤدِّ إلى شيء. وفي هذه الأثناء، أعلنت تركيا أخيراً عن اكتشاف غازي بحري في مياهها غير المتنازع عليها بالبحر الأسود، بل تفاخر بالاكتشاف منذئذ.
وفي نوع من الخلاصة، يرى تسافوس من "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية" أنه "لست متأكداً إذا كانت تركيا تستكشف أي شيء. إذ يرسل الأتراك السفن كي يؤكّدوا موقفهم. ويضعون هذه البيادق في أماكن تثير فيها أقصى مستوى من التوتر والإزعاج. وكذلك يرسلون سفناً إلى مناطق خاضعة لتنازع شديد لمجرد الإشارة إلى أن تلك المناطق متنازع عليها".

© The Independent

المزيد من سياسة