Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فاروق الباز: العلماء العرب يحتفى بهم في الغرب ويهملون في أوطانهم

كشف عن مشروعات مرتقبة بين وكالة "ناسا" ومنطقة الخليج العربي

وكالة ناسا اختارت عالم الفضاء المصري فاروق الباز باحثاً مسؤولاً عن مشروع رصد كوكب الأرض وتصويره (اندبندنت عربية)

قامة علمية مميزة في علوم الفضاء والجيولوجيا، لقَّبَه رائد الفضاء لبعثة "أبولو 15"، ألفريد ووردِن، بـ"ملك القمر"، عمل مع وكالة "ناسا" ضمن برنامج التخطيط لاستكشاف القمر جيولوجياً، وهو المسؤول عن مركز تطبيقات الاستشعار عن بُعد في جامعة بوسطن في الولايات المتحدة الأميركية.

سجله التاريخي حافل بالإنجازات، فقد اختارته وكالة ناسا عام 1973 باحثاً مسؤولاً عن تجربة عمليات رصد الأرض وتصويرها في مشروع اختبار "أبولو - سويوز"، أولى البعثات الأميركية - السوفياتية المشتركة في يوليو (تموز) عام 1975، وانتُخب زميلاً في الجمعية الأميركية لتقدم العلوم، ورئيساً للجمعية العربية لبحوث الصحراء، وحاز العديد من الجوائز والأوسمة، بما في ذلك جائزة الإنجاز لأبولو التابعة لـ"ناسا"، وميدالية الإنجاز العلمي الاستثنائية، وجائزة كارولين وتشارلز إيرلندا المرموقة لعام 2013 من جامعة ألاباما في برمنغهام. وفي عام 2019 أُطلق اسمه على كويكب بالفضاء تقديراً لدوره مع وكالة الفضاء الأميركية "ناسا".

إنه عالم الفضاء والجيولوجيا المصري، فاروق الباز، الذي خصَّ "اندبندنت عربية" بهذا الحوار، وكشف عن أن هناك مشروعات جديدة في الأفق بين "ناسا" ومنطقة الخليج العربي. وتحدَّث عن مشروع ممر التنمية وهل يمكن إعادة طرحه في ظل تعثر مباحثات سد النهضة الإثيوبي ووصولها إلى طريق مسدود. كما حصلنا على مجموعة من الصور النادرة من أرشيفه الشخصي.

 

 

مسبار الأمل و"ناسا"

يُعَد مسبار الأمل، الذي انطلق إلى كوكب المريخ في 20 يوليو (تموز) الماضي في أول رحلة تاريخية عربية من نوعها على متن الصاروخ "إتش 2 إيه" من مركز تانيغاشيما الفضائي في اليابان من أهم التجارب التي شارك فيها عالِم الجيولوجيا، فما الصعوبات والتحديات التي واجهت هذه التجربة الفريدة، بخاصة في خطواتها الأولى؟ يجيب قائلاً "أعلنت الإمارات أنها تعِد مسباراً علمياً إلى كوكب المريخ، وكانت أولى الخطوات هي إقامة وكالة الإمارات للفضاء، لتحديد ما يلزم من أعمال، والاتفاق مع الجهات العالمية المختلفة للقيام بهذا العمل الضخم، وسألني مسؤولون من الوكالة: ما أولى الخطوات للقيام بما يلزم؟ فقلت لا بد من إعداد هيئة استشارية من الخبراء عالمياً لسؤالهم عما يلزم، وعن أحسن الطرق للوصول إلى الغاية المطلوبة بناء على خبرات الدول المختلفة في هذا المجال، وقد تمَّ ذلك، وكنت واحداً من هؤلاء الخبراء في المجلس الاستشاري، لذلك لم تكن هناك صعوبات لا يمكن حلها".

 

 

الخطوة التي لقيت إشادة من الوكالة الأميركية للفضاء يسعى من خلالها مسبار الأمل لاكتشاف الكوكب الأحمر عن طريق الحصول على معلومات لم يصل إليها أحد من قبل حول الطبقات العليا من الغلاف الجوي في المريخ، وعن ذلك يوضح قائلاً، "نعم، هذه خطوة فريدة، فهي أول مشاركة عربية لدراسة كوكب المريخ، وإضافة إلى ذلك فإن الرحلة ستدرس الغلاف الجوي له والعلاقة بين طبقاته العُليا، وبحث سبب هروب الأوكسجين والهيدروجين من أعالي غلافه، وهو ما سيعد وثيقة ومادة علمية يتم تحليلها والخروج منها بنتائج تجيب عن عديد من الاستفسارات التي شغلت تفكير العالم طوال عقود".

يكشف عالِم الجيولوجيا المصري الأميركي عن أن هناك مشروعات جديدة في الأُفُق بين "ناسا" ومنطقة الخليج العربي، إذ تدور مناقشات حول إنشاء موقع يؤهل إطلاق صواريخ في مدار حول الأرض بالقرب من خط الاستواء، والمهم أن مثل هذا الموقع يمكن أن يكون أحد مواقع "سياحة الفضاء" لاحقاً، أي إرسال سفن إلى القرب من مدار الأرض لكي يشعر السائح بأنه سافر إلى الفضاء، ولو للحظات.

 

القمر الصناعي المصري

تضع تجارب القمر الصناعي المصري علامة استفهام حول آخر ما توصلت إليه، بخاصة بعد المراحل متقدمة، والنتائج المهمَّة في عمليات المسح الاستراتيجي الكامل للأراضي المصرية التي كان سيحققها القمر الصناعي المصري (كانت هناك مباحثات مصرية أوكرانية وروسية، ثم توقَّفت)، حول ذلك يقول فاروق الباز "عمل القمر الصناعي المصري للتصوير مدة عام، ثم توقف، من دون أن يدري أحد سببَ ذلك، لا في مصر، ولا في أوكرانيا، حيث توجد الشركة التي تعاقدت معها مصر لإنتاج القمر، والآن يبدو أن هناك مشروعاً جديداً لإرسال قمر صناعي آخر لجمع المعلومات عن أراضي مصر للمساهمة في مشاريع التنمية المختلفة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل سنجد أن مصر والدول العربية أمامها تحد كبير في مجال الأقمار الصناعية، إذا ما قارناه بما أحرزته إسرائيل، خصوصاً أنها وصلت إلى "أُفُق - 16" (Ofek – 16) إلى الفضاء، ويشير بقوله "لقد تقدمت تل أبيب كثيراً في هذا الموضوع، ولديها أقمار عدة من صناعة محلية للتصدير وجمع المعلومات؛ لدرجة أنها أرسلت أحدها إلى القمر لتُثبت جدارة العاملين في معاملها" (بحسب وزارة الدفاع الإسرائيلية فإن "أُفُق – 16" قمر استطلاع بصري كهربائي مزوَّد بقدرات تقنية متقدمة من المفترض أن يوفر للاستخبارات العسكرية قدرات مراقبة عالية الجودة. وتقول مصادر إعلامية إنه سيستخدم لمراقبة أنشطة إيران النووية، وقد أُعلن عن إطلاقه في 6 يوليو 2020).

 

 

الإعلام العربي متهم

سألناه لماذا لم تنجح مصر في تدشين تعاون مشترك مع وكالة ناسا للفضاء حتى الآن على الرغم من توفر مبادرات مصرية جادة ، كما لا نرى مباحثات عملية مشتركة بين الجانبين الأميركي والمصري، بل ترتكز فقط على الجوانب الاستراتيجية والاقتصادية؟ فقال "ليس هناك ما يمنع القاهرة من الاشتراك مع ناسا أو هيئة الفضاء الأوروبية، وهذا ما فعلته الإمارات، فقد شاركت الاثنتان لدعم مشروعها (مسبار الأمل) الذي أرسل إلى المريخ"، مؤكداً أن ليس هناك أي مانع للمباحثات العلمية على جميع المستويات.

وعلى الرغم من عدم وجود عوائق للتعاون العربي الأميركي في الجوانب العلمية كما يطرح الباز، فإن السؤال الذي يفرض نفسه أين يقف العلماء العرب من خريطة التقدم العلمي في مجال الفضاء؟ ولماذا لا نسمع عن إنجازات مميزة لهم، وهنا يوجه نقداً للإعلام العربي الذي يصفه بأنه مشغول بأمور محلية لا تجدي، قائلاً "يُوجد علماء عرب في كل التجمعات العلمية في أميركا وأوروبا، ولا نسمع عنهم شيئاً؛ لأن الإعلام العربي مشغول بأمور محلية غالبيتها لا تجدي، وليس فيها ما ينفع الناس، فقلما وجدنا في إحدى جرائدنا مقالاً علمياً"، مشيراً إلى أنه ليس في الأفق القريب أي مشاريع مشتركة عربية مع "ناسا" خلاف تدريب العلماء العرب مقارنة بما تردد عن دخول إسرائيل ضمن هذه المشروعات في ما يتعلق بمعالجة التصحر.

 

 

مشروع ممر التنمية

جرى الحديث في الأوساط المصرية مؤخراً عن إعادة فتح ملف مشروع ممر التنمية لإيجاد بديل مائي لمصر من خلال إنشاء دلتا جديدة في ظل تعثر مباحثات سد النهضة الإثيوبي ووصولها إلى طريق مسدود (ممر التنمية هو مشروع تقدم به فاروق الباز للرئيس الراحل أنور السادات يعتمد على دراسات للصحراء الغربية بالتصوير الفضائي عام 1973، ويشكل من 6 دراسات جدوى اقتصادية، لكن لم ينفذ)، فهل ما زال لديه النية لكي تتبنى القاهرة المشروع مجدداً؟ وبرد حاسم يجيب، "قولاً واحداً. لا يصح البحث عن مشروعات مائية بديلة للنيل، فكما قال المؤرخون (مصر هبة النيل)، ستبقى هكذا إلى الأبد، ليس هناك بدائل له في مصر، وقد عرف ذلك قدماؤنا، فلقد كان له إله خاص، لأنهم كانوا يعملون أنه مصدر الحياة، كما كانت الملكة حتشبسوت ترسل بعثات دبلوماسية إلى بلاد (بونت)، أي الحبشة، لأنها كانت تعلم أن منبعه من هناك"، مضيفاً "لكن في المقابل يمكن القول إن مشروع ممر التنمية ما زال قائماً، وفي أول لقاء لي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال لي (لقد أضفت ممر التنمية في البرنامج الانتخابي الخاص بي)، وأعتقد أنه سينفذ في يوم ما، لأنه يضيف 10.5 مليون كيلو متر مربع للمساحة التي نعيش بها حالياً (7.5 مليون كيلومتر مربع).

يكشف الباز للمرة الأولى عن سر رفض المشروع في ذلك الوقت، بخاصة أنه تردَّد أن وزير الزراعة الأسبق يوسف والي كان سبباً في ذلك، فيقول "في الحقيقة، يوسف والي لم يرفض المشروع، كان يعارض أي زراعات في الأراضي الرملية، لكنه سمح لنا بعد ذلك باختبار المياه الجوفية في جنوب منتصف الصحراء الغربية، وأقام ما يعرف اليوم بـ (شرق العوينات)".

إذن، لماذا لم ينفذ حتى اليوم إن كان مشروعاً واعداً؟ يقول "لم يرفضه أي رئيس، لكن الحكومات المتتالية لا توَد أن تبدأ مشروعاً يحتاج إلى عشر سنوات لإكماله، وعمر الوزارات سنوات فقط، وفي نظري فإن هذا المشروع لا يصح أن تتكفل به حكومة، بل مؤسسة ربحية تستطيع جمع المال لعشر سنوات لكي تقوم بالعمل وتحقيق الربح لكل من يساهم فيه".

 

 

نهر الكونغو وسد النهضة

البحث عن مخرج لأزمة سد النهضة الإثيوبي جعل بعض الأصوات المصرية تطالب مؤخراً بإعادة إحياء مشروع ربط نهر النيل بنهر الكونغو، الذي أُثير مراراً خلال السنوات الماضية من أجل تعويض حصة المياه التي ستفقدها مصر، وتباينت مواقف الخبراء بين من يراه واقعياً، ومن يراه خيالياً، بخاصة أن تقارير استراتيجية عدة تحدثت عن صعوبة تنفيذه جغرافياً ومالياً، وهنا يؤكد "علمياً نهر الكونغو يتجه إلى الجنوب الغربي، فلا يمكن أن يتصور عاقل تغيير مساره إلى الشمال الشرقي، إضافة إلى أن رفع المياه مئات الأمتار طوال هذه المسيرة سيكون في غاية الصعوبة"، نافياً أن تكون هناك علاقة يمكن أن تجمع مشروع نهر الكونغو بحلول لأزمة سد النهضة، مضيفاً "لا علاقة أبداً بين هذا الأمر ومحادثات سد النهضة على الإطلاق" (يعَد نهر الكونغو ثاني أطول أنهار أفريقيا بعد نهر النيل، وأوسعها حوضاً، وأكثرها غزارة بعد نهر الأمازون، وتندفع مياهه داخل المحيط الأطلسي، ويمر في الكونغو والكاميرون وأفريقيا الوُسطى والغابون وجزء من غينيا، وتقوم فكرة الربط على توصيل قناة صناعية لمسافة نحو 600 كيلومتر، بينه وبين النيل الأبيض، في جنوب السودان، ومن هناك ستغذي نهر النيل بكمية مياه وفيرة، تكفي مصر والسودان، وسبق أن طرِحَ مشروع توصيل نهر الكونغو بنهر النيل في فترة حكم السادات، كما أُجريت وقتها دراسات لإتمامه، لكنها لم تنفذ لاغتياله، وأسباب أخرى).

 

 

التهويل بشأن إنشاءات السد

إن كان الجيولوجي يرفض فكرة ربط نهر الكونغو كأحد الحلول المُقترحة لحل أزمة الشح المائي التي ستعاني منها مصر بعد إتمام بناء سد النهضة (من المتوقع أن تنخفض حصتها في مياه نهر النيل البالغة حالياً 55 مليار متر مكعب سنوياً بمقدار يتراوح بين 5 و15 مليار متر مكعب، بحسب تصريحات إعلامية سابقة لمحمود أبو زيد، وزير الموارد المائية الأسبق في مصر ورئيس المجلس العربي للمياه)، إلا أن أزمة مباحثات سد النهضة التي وصلت إلى طريق مسدود بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا إثر إعلان الأخيرة عن خطوة الملء الأُحادي الجانب، لا تتوقف فقط على حجم المياه المختلف عليها وتوقيت عمليات الملء، بل برز بعض الدراسات الفنية المتخصصة في مشروع سد النهضة، وبخاصة الصادرة من بيوت الخبرة الأميركية المتخصصة في هذا الإطار، أعطت مؤشرات إلى إمكان انهيار السد بسبب عدم توفر الاشتراطات الجيولوجية للأرض التي بني عليها، وهنا يدافع عالِم الجيولوجيا عن السد قائلاً "لقد قام بدراسة موقع سد النهضة خبراء، ولا يمكن للمؤسسات الدولية أن توافق على دعم المشروع مادياً من دون دراسات علمية متعمقة، لذلك أعتقد أن كل هذا الكلام تهويل من أناس لا يعرفون حقائق الأمر".

اتهامات ضد فاروق الباز

ترددت مؤخراً إشاعات عدة ضد فاروق الباز في ما يتعلق بملف سد النهضة، لعل أبرزها ما كتبه أحد المهندسين المصريين المعروفين مدعياً أن الباز شارك في صياغة الاتفاقية الثلاثية بخصوص سد النهضة التي وقعها السيسي في 2015، والتي يعتبرها البعض نقطة ضعف للجانب المصري في المباحثات الثلاثية (وقعَت وثيقة مبادئ سد النهضة بين الدول الثلاث: مصر والسودان وإثيوبيا، في الخرطوم، بتاريخ 23 مارس (آذار) 2015، بحضور السيسي ونظيره السوداني عمر البشير، ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي ديسالين، ويوفر الاتفاق إطاراً لالتزامات وتعهدات تضمن التوصل إلى اتفاق كامل بين الدول الثلاث حول أسلوب وقواعد ملء خزان السد وتشغيله السنوي، وشمل عشرة مبادئ أساسية تتسق مع القواعد العامة من مبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار)، إلا أن الباز ينفي هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً بقوله "لم يكن لي أي صفة رسمية، لا في مصر، ولا في أميركا، ولا أي دولة أخرى، فأنا أستاذ جامعي وباحث، ولا أوقع على أي اتفاقيات، وليس كل ما يكتب حقيقة، فما أكثر السفهاء".

 

 

حسني مبارك المسؤول

لا ينكر عالِم الجيولوجيا المصري أن بلاده كان يمكنها أن تمنع بناء سد النهضة منذ 30 عاماً، كاشفاً بكل صراحة عن أن أزمة ملف السد كان المسؤول عنها بشكل مباشر الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، بقوله "نعم، في نظري إن نظام مبارك مسؤول عن أننا تركنا إثيوبيا وحدها، ولم نتعاون معها، مع العلم أن قدماء المصريين كانوا يعلمون أن النيل يأتي من هناك، وكانوا يصادقون أهالي أعالي النيل، كما ذكرت لنا الملكة حتشبسوت على جدران معابدها"، واصفاً مبارك بأنه لم يكن له أي صفات قيادية مقارنة بفكر السادات، وقد عاصر الباز الإثنين فترات طويلة بقوله "رأيي هو أن السادات صاحب رؤية ثاقبة وشجاعة أدبية، أما الرئيس الراحل حسني مبارك فلم تكن له أي صفات قيادية على الإطلاق، وهذه وجهة نظري فيهما من تعاملي معهما".

على ذكر السادات، فقد عمل الباز مستشاراً له، وكان من أصدقائه المقربين، وهناك مقولة منسوبة إليه هي "إن المسألة الوحيدة التي يمكن أن تقود مصر للحرب مرة أخرى هي المياه"، فهل يعتقد عالِم الجيولوجيا أن هذه الجملة أصبح لها محل من الإعراب اليوم؟ وهل كانت له ذكريات مشتركة في مسألة السد الإثيوبي في عهده، بخاصة ما أُشيع عن رغبته في ضرب سدود إثيوبية بنيت على مجرى النيل في ذلك الوقت؟ فقال "لا أستطيع أن أُسمّي نفسي صديقاً للرئيس السادات، فقد كنت مستشاراً علمياً له، وكنت أُحبه وأحترمه احتراماً بالغاً؛ لفكره ووطنيته، وإني أعتقد أنه يجب ألا ندُق طبول الحرب مع إثيوبيا، وترك الأمر لحله سياسياً كما يحاول السيسي" (يذكر أن روبير إسكندر، سفير مصر الأسبق لدى إثيوبيا، كشف في تصريحات إعلامية منذ 3 أعوام عن أن أديس أبابا طلبت أول قرض لبناء أول سد على مياه نهر النيل الأزرق عام 1992، بعد وفاة السادات بـ11 عاماً).

 

 

المياه الجوفية والتغيرات المناخية

يعَد ملف المياه الجوفية في الوطن العربي من الإشكالات التي تحتاج إلى سبل تمكين أكبر في ظل توقعات متشائمة عن أن الحروب المقبلة ستكون متعلقة بندرة المياه، وهو ما جعل عالِم الجيولوجيا يقدم عدداً من الدراسات المهمة عن مواقع المياه الجوفية في التضاريس الصحراوية في عدد من البلدان العربية، فما هذه الدول؟ وهل تمت الاستفادة منها؟ يشير بقوله "نعم، أستطيع القول إنه تمَّت الاستفادة منها في شرق العوينات في مصر وجبل (حفيت) في الشارقة في الإمارات وشمال دارفور في السودان وأماكن عدة في سلطنة عمان"، وعلى الرغم من أن العالَم يشهد شواهد كثيرة متعلقة بالتغيرات المناخية وتأثيراتها في الدورة الزراعية للمزارع والمنطقة العربية، إلا أنه ينفي أن يكون تأثيرها ذات حجم كبير مثلما يروج له البعض، قائلاً "التغيرات المناخية التي يتحدث عنها علماء المناخ تؤثر في شمال، وربما جنوب الأرض، معنى ذلك أنها لا تؤثر في مناطق مثل الصحراء العربية، فأي تغيّر مناخي يحصل سيكون تأثيره قليلاً جداً في منطقتنا".

تنمية سيناء وقنوات جديدة لقناة السويس

يمكن القول على الصعيد ذاته إن خصوصية طبوغرافيا شمال سيناء ظلت حائلاً لعقود طويلة في ملف التنمية، وبات الحديث اليوم عن تعمير أراضيها كأحد سبل مكافحة الإرهاب ملفاً مهماً يؤكده الجيولوجي الكبير بقوله "نعم، أجزاء كثيرة من سيناء يمكن إنماؤها، وقد قام تلميذي مصطفى عبد الكريم بوضع خرائط لها، بخاصة في منتصف سيناء وشمالها زراعياً".

بالتزامن مع احتفال مصر بمرور 5 سنوات على تدشين قناة السويس الجديدة (دشّن المشروع في إطار تنمية منطقة قناة السويس في 6 أغسطس (آب) 2015 بطول 35 كيلومتراً بموازاة قناة السويس الأصلية)، تحدثت وسائل إعلامية عن إمكان طرح مشروع جديد لبناء قنوات جديدة للقناة (مشروع طابا - العريش، وربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر من خلال قنوات ومشروعات جديدة)، فهل التوقيت مناسب لتنفيذ مثل تلك الخطوة؟ يجيب "لا أعتقد أن التوقيت مناسب، ولا أعتقد أن هذا وقت التمادي في إشغال حكومتنا في مشاريع عدة، الوضع الحالي يستلزم العمل الدؤوب على إصلاح ما أفسده الدهر، وبالتالي إصلاح الاقتصاد وزيادة الإنتاج الذي تدهور في الماضي".

 

 

ذكريات ومذكرات 

من المثير للاهتمام أن فاروق الباز يعكف حالياً على كتابة مذكراته الشخصية، والتي ستحمل تجربته لما يزيد على 53 عاماً في عالم الفضاء،  بعنوان "أبولو وأنا"، باللغة الإنجليزية أولاً، إذ يُقول "ستكون باللغة الإنجليزية أولاً، لأن لها أهمية في الغرب، لكن طبعاً سأكتبها بالعربية بعد ذلك" (شارك الجيولوجي المصري في برنامج أبولو من عام 1967، وحتى عام 1972 مشرفاً على تخطيط العلوم القمرية في مؤسسة بيلكوم، وهي قسم من مؤسسة الهاتف والتلغراف الأميركية التي تجري تحليلاً للأنظمة لصالح المكتب الرئيسي لوكالة ناسا في العاصمة واشنطن. خلال هذه السنوات الست، كان أميناً عاماً للجنة اختيار مواقع الهبوط لبعثات أبولو، والباحث المسؤول عن الملاحظات المرئية والتصوير، ورئيس مجموعة تدريب رواد الفضاء في فريق تصوير أبولو).

يكشف لنا عن أسرار بعض ما ستحتويه المذكرات قائلاً "سيبدأ الكتاب بمشروع أبولو لاستكشاف القمر، ويستمر السرد في التعامل مع مشاريع الفضاء المختلفة، بخاصة استخدامها لدراسة الصحراء بعامة، ولصحرائنا العربية بخاصة"، وحينما سألناه: ما الحصري في تلك المذكرات؟ ابتسم، وقال "ليست هناك قصص حصرية للأسف، فالتسلسل في تاريخ الحياة مهم للغاية"، لكنه في المقابل يؤكد أن المذكرات الجديدة ستختلف عن سابق ما أصدره من كتب (أصدر 12 كتاباً علمياً متخصصاً في علوم الفضاء)، قائلاً، "كل الكتب التي ظهرت باسمي علمية، وليس فيها أي كلام عن شخصيتي، أو ما أثر في حياتي، كل ما نشرته في الماضي علمي بحت، ويستفيد منه الطلاب والمعلمون، وكتابي الحالي يختلف عن ذلك تماماً". كما يكشف لنا عن قصة طريفة تتعلق بسر لقب "ملك القمر"، الذي أطلقه عليه رائد الفضاء لبعثة "أبولو 15"، ألفريد ووردن، أثناء وجوده في مدار حول القمر، فيقول "عندما اشتركت في برنامج أبولو، وكنت حديث العهد من مصر، كان رواد الفضاء ضباطاً في الطيران، أو البحرية، وكانوا يعرفون قصة الملك فاروق (ملك مصر السابق وتفاصيل خروجه من مصر ما بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952)، وجئت لهم بالاسم نفسه (فاروق)، فسموني (الملك)".

أما ما لم يكن طريفاً له، هي قصة سترِد في مذكراته الشخصية بالتفصيل، حيث غيَّرت مسار حياته للأبد، عندما لم يسمح له بالالتحاق بأي من الجامعات المصرية بعد إتمام تعليمه الأكاديمي في أميركا لأسباب يكشف عنها للمرة الأولى قائلاً "عدت إلى الوطن محمَّلاً بعلم غزير وأربعة أطنان صخور مجموعة من مناجم أميركا وأوروبا، ولم يسمح لي بأن ألتحق بأي من الجامعات المصرية الأربع (القاهرة، وعين شمس، والإسكندرية، وأسيوط) مع أن كل رؤساء أقسام الجيولوجيا فيها كانوا أساتذة لي في يوم ما، ويعرفونني شخصياً، ويحتاجون إلى تخصّصي في (الجيولوجيا الاقتصادية)، لكن وزارة التعليم العالي أصرَّت على أن أعمل في (المعهد العالي بالسويس) لتدريس الكيمياء! لذلك بقيت عاماً كاملاً أُحاول تغيير الموقف، ولم أفلح، فكان خروجي من مصر "غصبَاً عنّي"؛ ليصبح بعدها العالم فاروق الباز.

المزيد من حوارات