Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أي تقدم لبناني بعد تراجع مئة سنة؟

ما فعله أمراء الطوائف هو التضحية بالمصلحة الوطنية لحساب مصالحهم الضيقة

محتجون لبنانيون في وسط العاصمة بيروت (غيتي)

لبنان قدر وخيار معاً يوم كانت الأقدار في أيدي الكبار. لكن القدر طغى على الخيار الذي عجز أهله اللبنانيون عن التأثير في ما سماه تشرشل "صناعة القدر". فالمشهد كان حزيناً في مئوية لبنان الكبير: تشييع راحل أكثر مما هو احتفال بذكرى ولادة في الأول من سبتمبر (أيلول) عام 1920. والسؤال في ما بعد المئوية الأولى ليس فقط لبنان إلى أين، بل أيضاً أين لبنان، وهل سيصل إلى المئوية الثانية وأي لبنان سيكون؟ مئة سنة من عمر وطن ظل مشروع بناء دولته أصغر منه. مئة سنة وجدنا أنفسنا في نهايتها نعود، لا حتى إلى نقطة البداية بل إلى ما هو أبعد. مئة سنة علمتنا أن نيتشه كان على حق في الشكوى من "مرض التاريخ" والقول، عكس هيغل وفلسفة "التاريخ الكلي هو الحكم الأخير" أن التاريخ البشري مسار "تقهقر لا تقدم متدرج". وها نحن نراهن على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان من الأخطاء والخطايا التي ارتكبناها خلافاً لما دعانا إليه الجنرال هنري غورو حين أعلن قيام لبنان الكبير. غورو، في حضور البطريرك الياس الحويك والمفتي مصطفى نجا وحشد من وجوه الطوائف، خاطب الجميع بالقول "هناك حقوق عليكم النهوض بها تجاه شعب حر يطمح إلى أن يكون شعباً عظيماً: الوحدة التي تصنع عظمتكم، بعدما صنعت الخصومات بين الأديان والأعراق نقاط ضعفكم، كونوا مستعدين لتقديم تضحيات حقيقية من أجل وطنكم الجديد، فالأوطان لا تُصنع إلا من خلال امحاء الفردانية أمام المصلحة العامة.

ذلك أن ما فعله أمراء الطوائف، لا سيما منذ النصف الثاني من القرن العشرين، هو التضحية بالمصلحة الوطنية لحساب مصالحهم الضيقة، واستخدام العصبيات الطائفية والعداوات كسلاح سياسي بدل الوحدة الوطنية، والتزلم لقوى خارجية من أجل ضمان النفوذ لهم ولأولادهم من بعدهم. وما يحاوله ماكرون هو ترتيب الحد الأدنى من التوافق بين أمراء الطوائف ومع اللاعبين الإقليميين والدوليين في لبنان لتأليف حكومة انتقالية تعيد إعمار ما هدمه زلزال الانفجار في مرفأ بيروت وتصنع بعض الإصلاحات وتكافح الفساد لكي يحصل لبنان على مساعدات تمكنه من البقاء على قيد الحياة وسط مخاطر "الزوال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن أمراء تلك المرحلة كانوا أرقى من أمراء هذه الأيام. وحسابات اللاعبين وأدوارهم تغيرت. الجنرال غورو كان بعد اتفاق سايكس - بيكو بين فرنسا وبريطانيا مطلق اليد في تحديد المطلوب في لبنان. أما ماكرون، فإنه احتاج إلى مشاورات وتفاهمات محدودة مع أميركا وإيران والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية كما مع الأطراف اللبنانية المتخاصمة للحصول على وعد بإصلاح تحت سقف مخفوض مالي واقتصادي وإبقاء أي تغيير سياسي إلى مراحل لاحقة. لبنان الذي كان قبل مئة عام نجمة الدور الفرنسي شرق المتوسط وأرض العيش المشترك الذي سماه في ما بعد البابا يوحنا الثالث والعشرون "أكثر من بلد، إنه رسالة" هو اليوم مسرح لأدوار لاعبين في أكبر صراع جيوسياسي في الشرق الأوسط وعليه: "أداة" في مشروع إقليمي إيراني. ضرورة "ثقافية وجيوسياسية لفرنسا. محكوم عكس إرادته بأن يكون في عزلة عربية. "حديقة خلفية" لسوريا. و"فضاء مفتوح" للطيران الإسرائيلي. ما كان في قيام لبنان الكبير دوراً مارونياً متقدماً ومعه دور درزي مميز، وفي الاستقلال دوراً مارونياً سنياً، صار أساس أي شيء فيه اليوم هو التفاهم بين السنة والشيعة المختلفين وتراجع الدور الماروني والدور الدرزي.

أكثر من ذلك، فإن القوى الخارجية باتت تفضل العلاقات مع الطوائف على العلاقات مع المسؤولين الرسميين، وإن كان لا بد من شكل العلاقات بين دولة ودولة.

فرنسا لم تعد، بطبائع الأمور، للموارنة وحدهم بل صارت تحاور كل الطوائف، وإن بقيت علاقاتها مميزة مع بكركي مقر البطريركية المارونية. إيران للشيعة وحدهم وبشكل خاص لـ"حزب الله" وأنصاره، بصرف النظر عن خطاب الحوار مع الجميع. أميركا ومصر والسعودية للسنة، وسط علاقات متفاوتة مع الموارنة والدروز وبعض الشيعة. وروسيا للجميع، لا للأرثوذكس فقط.

والمعنى البسيط لذلك، ليس فقط أن اللعب الخارجي قصة مستمرة، بل أيضاً أن لبنان فشل في التحول من أرض لصراع الطوائف وصراعات المحاور الإقليمية والدولية إلى وطن لشعب واحد له "سردية واحدة". والثورة الشعبية السلمية مسار طويل.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل