Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تركيا "المفسدة" في شرق المتوسط

أردوغان يصب الزيت على النار بألاعيبه مع روسيا وإيران ودعم حماس وداعش لحسم مخططه في التوسع 

سفينة حربية تركية أثناء دورية بجوار سفينة الحفر "فاتح" ​​بالقرب من قبرص  (أ ف ب)

من العصور القديمة إلى العصور الوسطى إلى اكتشاف خطوط جديدة للملاحة البحرية، احتل شرق البحر الأبيض المتوسط والمناطق المحيطة به باستمرار، موقعاً مركزياً في الحضارة والتاريخ البشريين، وكان جزءاً من كل التيارات التي رشحت تطورات سياسية واجتماعية، بما في ذلك وقوعها في بؤرة النزاعات، لكن في العصور الحديثة وعلى الرغم من أنها فقدت بعضاً من تفوقها منذ انتهاء الحربين العالميتين، والحرب الباردة والتخلص من الاستعمار وما إلى ذلك، لم تتغير سمتها المتفجرة ولم تتراجع أهميتها الجيوساسية. وفي ضوء أهميتها للوقود الأحفوري، وبروز نزاع الشرق الأوسط ورموزه، وعوامل جانبية عديدة، لا سيما المسألة الإيرانية، والمخاض اللبناني، والحروب في العراق، وانطلاق الربيع العربي في العقد الأخير من الزمن وتطوراته الدراماتيكية في سوريا وليبيا، يتشكل مشهد من غياب الأمن وانعدام القدرة على الاستشراف.

ويتمثّل أحد عوامل التوتر الجديدة الآن في الحزم والميل إلى التوسع لدى تركيا. ونحن في مواجهتها، بالطبع، منذ العدوان على الجزء الشمالي من قبرص واحتلاله، في ضوء المزاعم المتعلقة بمناطق في بحر إيجة. وفي السنوات الأخيرة، يعبر تمتين نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاستبدادي وإثارته للمشاكل مع جيرانه جميعاً تقريباً، عن العقيدة التركية الجديدة في مجال السياسات. ويتلخص ذلك في فتح جبهات كثيرة، وصب الزيت على أكبر عدد ممكن من النيران، وشق الطريق بالقوة والابتزاز. ويشمل أيضاً اللعب مع روسيا وإيران، ومساعدة حركة حماس، وإقامة علاقات مشبوهة مع بقايا تنظيم داعش وقوى مدمرة أخرى، واعتبار معاهدة لوزان الموقعة عام 1923عقبة أمام الطموحات. إن هذا السلوك مريب بالفعل بالنسبة إلى دولة عضو في حلف شمال الأطلسي.

وسواء تعلق الأمر بمجال الطاقة، أو ملف الهجرة، أو المسألة الكردية، أو الوضع في سوريا، أو المناطق البحرية، أو المزاعم المساقة ضد قبرص واليونان – كل هذه الملفات ترسم صورة رمادية ذات آفاق قاتمة. وتجعل إعادةُ توزيع النفوذ وإعادة التموضع على رقعة الشطرنج العالمية، المشهدَ أكثر ضبابية.

 هكذا برزت تركيا تدريجاً بوصفها "المفسد" الكبير، وتزداد عدوانيتها يوماً بعد يوم مستغلة فراغاً نسبياً في النفوذ في المنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يحصل ذلك في وقت نشهد فيه في الاتجاه المقابل تقارباً من أجل التعاون الاقتصادي والتآزر في مجال الطاقة. وبدا أن اكتشافات الغاز الطبيعي في إسرائيل، ومصر، وإلى حد أقل في قبرص يفتح احتمالات المشاركة البناءة خدمة للازدهار المشترك. ووقعت قبرص اتفاقيات لترسيم حدود المناطق الاقتصادية الخالصة مع مصر، وإسرائيل، ولبنان (الاتفاقية مع لبنان لم تدخل حيز التنفيذ بعد). وتعمل إسرائيل، وقبرص، واليونان على مشروع لخطوط الأنابيب لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وتنويع مصادر الطاقة وطرقها لدى الاتحاد الأوروبي، وتحسين أمن الطاقة.

ومن الركائز الرئيسة للاستقرار الإدارة المصرية المسؤولة، سواء في مسألة المناطق البحرية، والعلاقات مع إسرائيل، ومسألة المياه مع إثيوبيا، والأزمة الليبية. والنتيجة هي العودة في شكل ما إلى الجذور وإعادة بروز أهمية العلاقة مع قبرص، واليونان، الصديقين التقليديين، وهذا ما أكده أخيراً توقيع اتفاقية الترسيم الجزئي بين مصر واليونان.

وكان رد الفعل المتوقع من تركيا أنها حاولت، عدة مرات، إغواء كل من إسرائيل، ومصر وتجنيدهما في منطقها العدواني، قائلة إنهما تستطيعان الحصول على مناطق بحرية أوسع لو عملتا مع تركيا. ولحسن الحظ، لم تكن أي دولة من الدولتين غبية، ولم تقبل أي منهما المشاركة في الجريمة، لكن الدعاية تستمر من دون هوادة باستخدام قوى مزعزعة.

شهدنا أيضاً، منذ نهاية العام الماضي، تدخلاً عسكرياً في ليبيا، في خرق للحظر المفروض على هذه الدولة، وإجبار حكومة السراج على تبادل استثنائي للخدمات، من خلال توقيع مذكرة غريبة لترسيم حدود المناطق البحرية، وهي الأولى من نوعها في العالم، إذ تشتمل على خطوط مائلة، تحاول الربط اصطناعياً بين مناطق بحرية غير متلاصقة، وتتجاهل تماماً أي فكرة تخص القانون الدولي.

وأخيراً، أطلق الحضور الأميركي المتراجع في شكل متزايد قوى طاردة، ووفر مجالاً للنظام الاستبدادي التركي، فهذا النظام لا يحاول فقط إعادة رسم الخطوط في المناطق البحرية، وفرض شروطه في أجزاء من سوريا في مواجهة الأكراد، بل يعيد أيضاً إشعال المخاوف في الشرق الأوسط والخليج ككل، ما يؤدي إلى إعادة رسم التحالفات، وإنشاء نوع غير مسبوق من سياسة حافة الهاوية.

كتب مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون قبل أيام يقول إن "عدوان تركيا في شأن موارد النفط والغاز في شرق المتوسط، نتيجة مباشرة للتراجع العالمي للولايات المتحدة. فقيادتنا لضمان السيادة اليونانية، والقبرصية من شأنها منع الأعمال العدائية التركية من زيادة التوترات". بذلك لخص بولتون أحد الأبعاد البارزة للأزمة الحالية في شرق المتوسط.

وللطموحات التركية للهيمنة في المنطقة أثر مقلق في إسرائيل من جهة، لكنه يزعزع في الوقت نفسه من الجهة الأخرى التضامن العربي حول القضية الفلسطينية ويضعه تحت ضغوط خطيرة. وتحاول تركيا استخدام الإسلام كأداة للترويج لصدام جديد بين الأديان والحضارات، كما رأينا أخيراً مع إعادة تحويل آيا صوفيا، وهي أحد المعالم في التاريخ والحضارة البشريين، إلى مسجد. 

وفي ما يتعلق بقانون البحار وخلافاً للمزاعم التركية، يدعم القانون الدولي العام تماماً حقوق الجزر وهذه الحقوق مدرجة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وتجري عمليات الترسيم مع البلدان المتجاورة ذات الصلة ووفق الاتفاقية. ويؤكد الاختصاص القانوني الدولي أن أي عوامل تخفيف لا تستطيع أن تناقض الحقوق السيادية. ومن شأنها في الحد الأقصى أن تعدّل قليلاً الخط انطلاقاً من التعريف الهندسي للخط الوسيط. ولا تساور قبرص واليونان، اللتان تحظيان بدعم المجتمع الدولي، شكوك حول سيادتهما وحقوقهما السيادية، وهما مستعدتان للقبول بترسيم تقره محكمة العدل الدولية في المناطق البحرية المعنية ووفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.  

وفي هذه المنطقة الحساسة من شرق المتوسط والشرق الأوسط، يجب عدم السماح للتحريفية التركية المقيتة أن تسود على التضامن والتكافل والتعاون واحترام الشرعية والقيم العالمية.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء