Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

علاج القلق واضطرابات ما بعد "صدمة" انفجار مرفأ بيروت

"ما يحدث من تأثيرات نفسية قد يترافق مع الإكثار من الطعام الذي يُعرف بالجوع العاطفي"

لم تُحصَ بعد الأضرار العينية لانفجار مرفأ بيروت بالكامل في ظل غرق المدينة بفوضى الدمار والدم. ولعل الأصعب هو إحصاء الأضرار النفسية التي تكبدها الأطفال، وطفت على سطح الذاكرة لدى الكبار، إذ قد يحتاج الأمر سنوات، فعلى أنقاض الروح المتعبة تجمع المدينة دمارها في قلوب الناس المليئة بالحزن والقهر والخوف وعوارض نفسية أخرى كثيرة.


المساعدات النفسية

وكما نزل الناس للمساعدة عبر العمل في الشارع، كثرت مبادرات المساعدات النفسية المجانية ومنها جمعية "إمبرايس" Embrace التي أطلقت مركزاً مجانياً للصحة النفسية ونشرت رقماً خاصاً لتلقي اتصالات المتضررين نفسياً.
قالت المعالجة النفسية بيا زينون، عضو المجلس التنفيذي في الجمعية، إن "إمبرايس" التي تأسست عام 2017 "مهمتها التوعية على الصحة النفسية وتقديم الخدمات. وأنشأت في عام 2018 الخط الوطني الساخن رقم 1564 للدعم النفسي والوقاية من الانتحار بالتعاون مع برنامج الصحة النفسية الوطني للاستماع إلى أي شخص من أي عمر للفضفضة والتحدث، بخاصة أن الإحصاءات تبيّن أنه كل 3 أيام ينتحر شخص واحد في لبنان".

وأشارت زينون إلى أن الخط الساخن بقي في الخدمة بعد تفجير 4 أغسطس (آب) الضخم، إضافة إلى نزول حوالى 70 متطوعاً من الجمعية على الأرض، لتقديم مساعدات في التنظيف والأكل إلى جانب الجمعيات الأخرى، مع تقديم الدعم النفسي للناس المتضررين وحتى للمتطوعين الذين تصيبهم أعراض نفسية بسبب فظاعة ما حدث وما يشاهدونه أثناء عملهم".

أما العلاجات التي تقدم فهي، بحسب زينون، عبارة عن تنظيم جلسات لمجموعات وشركات وجمعيات وأشخاص للحديث عما يشعرون به في هذه الأوقات وردود الفعل الطبيعية مثل الخوف والقلق الإحساس بالذنب، وتعلّق الأولاد المبالَغ به بأهلهم وخوفهم من الزجاج والتبوّل اللاإرادي، "فيفسّرون ما يمرّ به الإنسان بعد تعرّضه لصدمة صعبة، وما إذا كانت هناك عوارض تابعة تظهر بعد أشهر، فكيف نتعرف عليها ونتوقّاها ونعالجها؟".
ولفتت زينون إلى أن أيّ شخص يستطيع استشارة طبيب نفسي أو معالج نفسي مجاناً في هذا الظرف. وأوضحت أن "البعض يتصلون والبعض يزورون المكاتب في شارع الحمرا ببيروت ويطرحون المشاكل من كل الجوانب النفسية. كما يعاني المتضررون من الانفجار من قلق ما بعد الصدمة وعوارض الاكتئاب والخوف والضغط النفسي. وأكثرية مَن يطلبون العلاج هم من البالغين، مقارنة بعدد قليل من الصغار. ويُقدم العلاج إما فردياً أو في مجموعات، أما بالنسبة إلى الأطفال فيعتمد أكثر العلاج على الفنون كالرسم وغيره".

وتشير إلى أن التأثير النفسي "لم يظهر فينا بعد، وما نمرّ به رد فعل طبيعي، ولكن بعد شهر وشهرين سيظهر بشكل متمدد لمن تضرّر بشكل مباشر وغير مباشر أو حتى من سمع الصوت بخاصة الأشخاص الذين كان لديهم استعداد للتأثر النفسي أكثر. لذا فإن هذا العمل طويل المدى لخدمة المواطنين".


تخفيف عوارض ما بعد الصدمة

من جهة أخرى، رأت اختصاصية علم النفس وعلوم الطاقة جيسيكا خديده أن "ردود الفعل الأولية على الصدمة تشمل عادةً الإرهاق والارتباك والحزن والقلق والانفعالات والخدر والشعور بالتشتت والضعف، وهذا حال معظم الناجين الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، والتي تتلخص أعراضه بالإنكار والقلق والارتباك والكوابيس والحزن واليأس".
وشرحت أنه "لفهم اضطراب ما بعد الصدمة هناك مراحل أربع يمر بها الشخص: التأثر، والإنقاذ، والتعافي على المدى المتوسط، ومرحلة إعادة الإعمار الطويلة المدى. وتشمل مرحلة التأثر ردود الفعل الأولية مثل الصدمة والخوف والشعور بالذنب، في حين يبدأ الفرد بالتأقلم مع ما حدث في مرحلة الإنقاذ. وتتميز مرحلة التعافي المتوسطة بالتكيف مع الحياة الطبيعية مرة أخرى، لتخلص إلى إعادة البناء على المدى الطويل للاستمرار في التعامل مع تداعيات الصدمة".

واقترحت خديده بعض العلاجات عبر تغيير نمط الحياة حتى لو بتفاصيل بسيطة، وقضاء الوقت مع الناس والانخراط في المجتمع والتطوع، واللجوء إلى العلاج بالفنون من الرسم والموسيقى وسواهما، وممارسة تمارين تحتاج إلى يقظة وتركيز وعيش اللحظة بحذافيرها مثل التأمل والطبخ والحياكة، وتمارين التنفس.

ولفتت إلى أنه بالنسبة إلى التمارين بتركيز ووعي، من الواجب استخدام الحواس كلها، "فإذا أردت تناول حبة زبيب، تناولها بانتباه وبطء متعمّد، من النظر إليها ولمسها وشمّها وتذوّقها باستمتاع ومضغها ببطء، ودعْ شفتيك تبتسم واستمتع بطعمها، وافعلْ الشيء نفسه مع كل حبة".

وأوصت الاختصاصية النفسية بممارسة تقنيات تخفّف التوتر مثل تقنية الشعور بالأرض وتعتمد على الحواس أيضاً. وأضافت أن "أغلب تقنيات التواصل مع الأرض هي قضاء الوقت في الطبيعة والتأمل، والمشي بأقدام عارية تلامس الأرض، وحضن الأشجار والقراءة قربها. بالإضافة إلى تقنية نستخدم فيها كل الحواس كأن نجلس في مكان ونفكّر ونركّز على سبيل المثال، على 5 أشياء نستطيع نراها، 4 نستطيع الشعور بها، 3 نستطيع سماعها، و2 نستطيع شمّهما، وشيء واحد نستطيع تذوقه". وأضافت أن "التمارين المتعلقة بالتواصل مع الأرض تفيد في أمور مختلفة مثل تخفيف الالتهابات والألم المزمن وتقليص وقت الشفاء، وتساعد على نوم منتظم وتنظيم الضغط وتقوّي الطاقة إضافة إلى كونها تخفّف من الضغط النفسي".

كما شرحت خديده أن "اضطراب ما بعد الصدمة يمكن أن يحدث في الأسابيع القليلة الأولى بعد الحدث، أو حتى بعد سنوات. وغالباً ما يعيد الأشخاص المصابون باضطراب ما بعد الصدمة تجربة الصدمة التي تعرضوا لها على شكل ذكريات الماضي أو الكوابيس أو الأفكار المخيفة، بخاصة عندما يتعرضون لأحداث أو أشياء تذكرهم بالصدمة.
وللأطفال المصابين باضطراب ما بعد الصدمة الذين لا يستطيعون التعامل مباشرة مع الصدمة، نصحت بعدم تعرضهم لمحتوى عنيف أو ألعاب فيديو أو ضوضاء عالية أو أماكن مزدحمة وأصوات الألعاب النارية. ولا بد من الانفتاح في الحديث معهم ليعبّروا عندما يكونون جاهزين لقوله من دون إجبارهم. وتركهم يعبرون كما يريدون إن بالكلام أو الرسم أو الكتابة، ويجب على الأهل دائماً تذكيرهم بأن ما حدث ليس ذنبهم. والقول لهم إنهم يحبونهم كثيراً.

ولفتت جيسيكا خديده إلى أن "الحفاظ على جداول مواعيد الأطفال وروتين حياتهم بقدر الإمكان بشكل مشابه لما قبل الحادث قد يساعد على عدم التفكير بالحدث طوال الوقت". وأضافت أنه "من المفيد لبعض الأطفال والمراهقين المشاركة في مجموعة دعم للناجين من الصدمات". واقترحت البحث على الإنترنت أو التحقّق مع طبيب الأطفال أو مستشار المدرسة للعثور على مجموعات قريبة. وأوصت بالحصول على مساعدة احترافية على الفور، إذا بدأت تراود الطفل أفكار لإيذاء نفسه.
كما طلبت من الأهل عدم انتقاد السلوك التراجعيّ للولد، ففي حال أراد الأطفال النوم مع الأضواء أو اصطحاب حيوانٍ محشوٍ مفضلٍ إلى الفراش، فقد يساعدهم ذلك على تجاوز الوقت الصعب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أطعمة لاكتئاب أقل ونوم أفضل

على صعيد آخر، نبّهت اختصاصية التغذية عُلا أبو شقرا، إلى أن ما يحدث من تأثيرات نفسية بعد الصدمة قد يترافق مع الإكثار من الطعام وهو ما يُعرف بالجوع العاطفيّ، المختلف عن الجوع الجسدي الذي يأتي على مراحل ونشعر به في المعدة فجأة مع الشعور بقلة النشاط والطاقة وعندما نأكل نشعر بالاكتفاء. أما الجوع العاطفيّ، بحسب أبو شقرا، فيأتي تبعاً للحالة النفسية من قلق وخوف ومشاعر سلبية كالتي يعيشها اللبنانيون اليوم، "ونشعر بأننا نريد أن نفشّ خلقنا، فنأكل حينها بكميات كبيرة وبطريقة عشوائية، من دون مضغ الأكل، ونختار الشوكولا ورقائق البطاطس مثلاً أو أي نوع نشعر بالنهم تجاهه. ثم نشعر بالذنب وتأنيب الضمير".

"لتخطي الجوع العاطفي"، تقول علا إن "الحل حتماً ليس في المطبخ أو البراد، ويجب عدم متابعة المؤثرين بالطعام food bloggers ولا مشاهدة دعايات ومنشورات عن الأكل على وسائل التواصل. بل الحلّ هو التحدث مع شخص نحب الحديث معه، أو ممارسة هواية أو المشي والخروج من المنزل. وبحال لم ننجح بإبعاد هذا الشعور فمن الأفضل اللجوء إلى خيارات صحية، مثل الجيلو، الكاسترد، سلطة الفواكه مع العسل والمكسرات النيئة، زبدة الفستق والموز، فواكه مجففة، شوكولا داكن لأنه يعمل على رفع السيروتونين المعروف بهورمون السعادة. ومهما كان خيارنا يجب أن يكون بكميات مقبولة، مثل تناول نصف لوح الشوكولا وأخذ الوقت في مضغه على مهل وإذابته ببطء في الفم لتوريط جميع الحواس للشعور بالاكتفاء. وممكن أكل جزر وخيار مع اللبنة أو حمص بطحينة، وبوشار، وترمس".

وأكدت أبو شقرا أن "كل الأطعمة التي تحتوي على ألياف وفوليك أسيد ( (Folic Acid وسيلينيوم ومعادن وفيتامينات، ترفع هرمونَي السعادة السيروتونين والإندروفين، مثل الخضار الخضراء والسبانخ والروكا البروكولي والشمندر والغوافا والهليون والأسماك والبذور والقمحة الكاملة".
وأشارت إلى أنه "كلما كان النظام الغذائي مكوّناً من حبوب كاملة وبقوليات وخضار وفاكهة وقليلاً بالمواد الدهنية والمصنّعة والملوّنة مثل المارشميلو والشوكولا المغلف بالسكر الملون والسكاكر كلما كان الاكتئاب أقل".
وللمساعدة على النوم، اقترحت أن نتناول آخر وجبة قبل ساعة ونصف الساعة على الأقل من الاستلقاء، مع الابتعاد عن الدسم والحلويات والبهارات والكفايين والمقالي والكحول والتدخين. في حين يمكن تناول والفواكه والخضار والأعشاب مثل اليانسون والبابونج، إضافة إلى اللبن لأنه يحتوي على برابيوتكس الذي يغذي البكتيريا الجيدة ويساعد على النوم. وممكن تناول ما يحتوي على منغنيزيوم وفيتامين B6 الذي يساعد على استرخاء العضلات والنوم مثل البيض والموز والفواكه المجففة.

المزيد من صحة