Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"صيف الغضب" يجدد "عامية لبنان" لكل الفصول

عام 1952 حدثت "ثورة بيضاء" قام بها رجال سياسة ناقمون على التسلط

كل ما في أحوال اللبنانيين يدعو إلى التغيير. وأقل ما يفعله المتلاعبون بلبنان من اللاعبين فيه هو سد الطريق إلى التغيير.

والمقصود ليس تغيير بعض التوازنات داخل السلطة والنظام بين أمراء الطوائف، فهذا حدث غير مرة بعد أحداث عاصفة، بل التغيير الذي يفتح النظام المغلق أمام الطاقات الشعبية الجديدة. تغيير اللعبة في النظام السياسي والسياسات المالية والاقتصادية وإعادة تكوين السلطة في دولة مواطنين.

وأخطر ما يصيب أي بلد، ليس فقط الوقوع في هاوية أزمات متعددة على سطح أزمة بنيوية، بل أيضاً العجز عن حل الأزمات. لا بالقوة، ولا بالوسائل الديمقراطية. وهذه هي مأساة لبنان الدائمة التي أضيفت إليها أخيراً  كارثة الانفجار في مرفأ بيروت وتدمير المرفأ والعاصمة.

في الماضي، كانت التحركات الشعبية تسمى "عاميات". "عامية لحفد" عام 1821 ضد الإقطاع والضرائب. "عامية انطلياس" في ثلاثينيات القرن التاسع عشر ضد ظلم الأمير بشير الشهابي وتحالفه مع إبراهيم باشا والعسكر المصري الذي أمر بنزع السلاح.

"عامية غزير" ضد فرض الضرائب، و"عامية الذوق" ضد الإقطاع، وهما مهدتا الطريق إلى "عامية كسروان"، أي ثورة الفلاحين على الإقطاع بقيادة المكاري والبيطار طانيوس شاهين عام 1858، حيث كانت أوروبا تشهد ثورات "ربيع الشعوب".

عام 1952 حدثت "ثورة بيضاء" قام بها رجال سياسة ناقمون على التسلط وتجديد الولاية للرئيس الاستقلالي الأول بشارة الخوري الذي سرعان ما استقال لحقن الدماء.

أما أحداث 1958، فإنها كانت بالعنف "بروفة" لحرب أهلية تدخلت فيها قوى عربية ودولية وانتهت باتفاق "لا غالب ولا مغلوب". حرب لبنان التي بدأت عام 1975 ودامت خمس عشرة سنة، لم تكن ثورة، وإن طالبت قوى فيها ببرنامج تغيري، بل لعبة صراعات جيوسياسية شاركت فيها كل القوى الإقليمية والدولية وانتهت باتفاق الطائف الذي حافظ على النظام مع تعديل في التوازنات وإدارة السلطة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في خريف العام الماضي، بدأت ثورة شعبية سلمية عابرة للطوائف والمناطق تطالب بالتخلص من التركيبة السياسية الحاكمة وإعادة تكوين السلطة.

ثورة أعادت الروح إلى لبنان، لكنها عانت نواقص في داخلها، وتعرضت إلى هجمات السلطة الحاكمة والمتحكمة بكل الوسائل، وبينها إثارة العصبيات الطائفية والمذهبية، ومن ثمَّ جاء كورونا فتوقف كل شيء. لكن الجدل استمر بين من يسميها ثورة ومن يسميها انتفاضة ومن يراها حراكاً ومن أراد تصويرها فتنة.

وإذا أخذنا بقول ماركس "الانتفاضة فن" فإن الشباب في الشارع أبدع بالفعل في فن الانتفاضات. وإذا أخذنا بقول لينين، "الانتفاضة ثورة فشلت، والثورة انتفاضة نجحت"، فإن الخلاف على التسمية يحسمه كون الثورة لم تنجح وهي بالتالي انتفاضة.

لكن كارثة الانفجار في المرفأ، أعادت الحيوية إلى الانتفاضة التي تستحق أن نسميها "عامية لبنان" أولاً لأن العامة هي التي تقوم بها وتقودها، لا السياسيون ولا النخب.

وثانياً لأن الانهيار في لبنان قاد حتى السياسيين التقليديين إلى التسليم بالتغيير، وجعل أميركا وفرنسا والدول العربية والمؤسسات الدولية تصر على تحقيق مطالب الشارع كشرط للمساعدات.

والمطلب الأول الملح هو الإصلاح السياسي والمالي والاقتصادي على الطريق إلى تغيير النظام السياسي. فالذين على خط الفقر في لبنان صاروا 55 في المئة من السكان بحسب دراسة أصدرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية (غرب آسيا -  الإسكوا).

وما يهم السلطة هو الهرب من الإصلاح الذي يحول دون قدرتها على الفساد ونهب المال العام والخاص وحشر الأزلام والأنصار في الإدارة. وما يهم صاحب السلطة القوي، أي حزب الله، هو مواجهة أميركا لحساب المشروع الإيراني الذي اسمه المستعار "محور الممانعة". ومن هنا اتهامه للثوار بأنهم "ثوار سفارات".

والتحديات أمام "عامية لبنان" هي مواجهة جدارين؛ جدار أركان السلطة المتمسكين بهياكل ما بقي من مؤسسات الدولة. وجدار أصحاب السلاح الذي له دور محلي وإقليمي في خدمة المشروع الإيراني. ويرى أصحابه أن التغيير الديمقراطي في لبنان يعني بناء دولة لبنانية تمسك بقرار الحرب والسلم و"تحتكر العنف الشرعي" بحسب تعبير ماكس فيبر.

لكن الهرب من "صيف الغضب" بعد كارثة بيروت ليس سوى شراء وقت سيؤدي إلى المزيد من الغضب وتفاقم الأوضاع الكارثية للناس. "عامية لبنان "هي لكل الفصول.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل