وقف وزير المالية الكويتي براك الشيتان أمام نواب مجلس الأمة، الذين يلعبون عادة دور المعارضة أمام وزراء الدولة، لينهي النقاش الحادّ قبل أن يبدأ، قائلاً "السيولة المتوفرة لدى الدولة تكفي لتغطية الرواتب لغاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) فقط"، الأمر الذي أسكت المجلس، في حين ضجت به مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية ووكالات الأنباء الدولية.
وجلس الشيتان تحت قبّة المجلس أمام النواب الذين لا يكنّون له مشاعر إيجابية، وهم الذين كانوا قد ناقشوا طرح الثقة في الوزير في 12 أغسطس (آب)، أي قبل أسبوع من الآن، لينجو من الإبعاد لعدم اكتمال النصاب القانوني لعزله، فيحضر إليهم بعدها لإقناعهم بإنقاذ الموازنة العامة عبر تمرير "قانون الدين العام".
قانون الدين العام
واستعرض الوزير الكويتي الصعوبات التي تواجهها بلاده لتوفير النفقات العامة، على رأسها رواتب موظفي الدولة، بسبب شحّ السيولة التي تعاني منها المالية العامة، نتيجة انخفاض أسعار النفط وتأخر تعافيها، محمّلةً بأعباء الإغلاق والنفقات الإضافية التي تسبّب بها فيروس كورونا منذ بداية العام الحالي.
وقال الوزير، خلال مداخلة له في جلسة مجلس الأمة الكويتي، "قانون الدين العام ضروري لتوفير السيولة في ظلّ مواجهة الدولة عجزاً في الميزانية متوقّع أن يصل إلى 14 مليار دينار (حوالى 45.78 مليار دولار)"، مضيفاً أن السيولة المتوفرة تكفي لتغطية الرواتب لغاية شهر نوفمبر المقبل، في ظلّ استمرار الأسعار المنخفضة للنفط.
وزير المالية براك الشيتان : قانون الدين العام ضروري لتوفير السيولة في ظل مواجهة الدولة عجزا في الميزانية متوقع أن يصل إلى ١٤ مليار دينار .. والسيولة المتوفرة تكفي لتغطية الرواتب لغاية شهر نوفمبر المقبل ولا تزال أسعار النفط منخفضة. #جلسة pic.twitter.com/wXvp6xp03j
— مجلس الأمة (@MajlesAlOmmah) August 19, 2020
ودعا الوزير الشيتان، البرلمان الكويتي إلى إقرار قانون بجعل الاستقطاع السنوي لصالح صندوق الأجيال القادمة مشروطاً بتحقيق فائض في الميزانية، ما سيوفّر "12 مليار دولار للميزانية العامة ستكون مفيدة لتجاوز أزمة الأشهر المقبلة" بحسب "رويترز"، الأمر الذي تجاوب معه النواب وأقرّوا التعديل.
يُذكر أن صندوق الأجيال القادمة يستقطع 10 في المئة سنوياً من إيرادات الدولة، لصالح صندوق منخفض المخاطرة تديره الهيئة العامة للاستثمار.
حقيقة العجز الموعود
وبالنظر إلى العلاقة التي لا تستند إلى ثقة عالية بين الوزير والنواب الكويتيين، الذين طالبوه أثناء الجلسة بالاستقالة بعدما فشلوا في نزع الثقة منه، يرى بعض المراقبين أن التهديد الوزاري بكارثة اقتصادية تصل إلى حدّ فشل الحكومة في الوفاء بمتطلّبات دفع الرواتب هو حديث تشوبه المبالغات، يأتي مدفوعاً بحاجة الوزير للاستناد إلى قاعدة شعبية تساعده في الضغط على النواب لتمرير القانون، إذ إنّ الأزمة في الكويت لا تختلف كثيراً عن دول المنطقة المكافئة لها والمتخلّفة عنها اقتصادياً، التي نجحت في تجاوز واحتواء الأزمة، وهو ما ناقشته "اندبندنت عربية" مع الكاتب والمحلّل الاقتصادي الكويتي عبد الله السلوم، الذي ردّ قائلاً "لم يكن الوزير مضطراً للضغط على النواب، فقانون الدين العام معنيّ بالأساس بتمويل العجز أو تحقيق توسّع اقتصادي، وما نمرّ به اليوم هو إحدى الحالتين التي يحقّ للوزارة طلب إنفاذ القانون فيها".
وأضاف "المشكلة الحقيقية في الاقتصاد الكويتي تكمن في أنّ السيطرة على النفقات العامة قائمة على معطيات خارج نطاق سيطرة الدولة"، فالمعطى الأول بحسب السلوم هو أن "بند الرواتب العامة والدعم بازدياد مستمر، في حين أن الحكومة لا تستطيع أن تتخلّص من واجب التوظيف في مؤسسات الدولة كما يحدث في الاقتصادات الرأسمالية بسبب التزامها دستورياً بتوظيف المواطنين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما في ما يخصّ المعطى الثاني، "الإيرادات النفطية تشكّل جزءاً كبيراً جداً من الدخل العام، وهو أمر لا يمكن التحكّم به أيضاً بسبب اعتماد هذه الإيرادات على سعر النفط الذي يحدّده الطلب العالمي والأحداث السياسية ومعدّل الاستهلاك"، الأمر الذي يصعّب على وزارة المالية السيطرة على العجز بسبب وقوع أهم بنود الإيرادات والمصروفات خارج نطاق صلاحيات المؤسسة الاقتصادية المحلية.
كورونا سبب أو مسرّع؟
ولا يخفى على أحد أن يد كورونا عبثت باقتصاديات العالم بالسرعة التي عبثت فيها بقطاعه الصحي، إذ فرضت إغلاقاً عاماً تسبّب في ركود كبير وإفلاس كثير من القطاعات، فضلاً عن الدعم الذي اضطرت الدول لصرفه لحماية الوظائف والأنشطة التجارية من تبعات الحظر، إذ يرى البعض أن الأزمة المالية التي أعلنها الوزير الكويتي، والمتمثّلة بعجز متوقّع يصل إلى 14 مليار دينار كويتي (حوالى 45 مليار دولار)، هي نتيجة لكورونا، وأن الاقتصاد الكويتي الذي يُتّهم بالتشوّهات الجوهرية هو ضحية للأزمة لا سبباً فيها، الأمر الذي يردّ عليها السلوم بالنفي "ما صرّح به الوزير لم يكن مفاجئاً، فقد تنبّأنا بحدوثه منذ أكثر من سنة ما لم تقدم الكويت على إجراء إصلاحات عميقة".
أضاف "فـكوفيد-19 لم يكن سبباً بل مسرّع لحدوث ما كان متوقّعاً لا أكثر، فآثار الوباء وحدها لم تكن كافية لتحقيق العجز المالي". ويذهب السلوم إلى أبعد من ذلك بامتداح إدارة أزمة كورونا اقتصادياً "وإذا أردنا الحديث عن كورونا، فاللجنة العليا للتحفيز الاقتصادي، المعنيّة بمواجهة الوباء اقتصادياً، لم ترضخ للضغوط الشعبية غير الصحية اقتصادياً، واستمرت في الحفاظ على مواقفها المبنيّة على أسس صحيحة متلائمة مع نموذج الاقتصاد الكويتي الريعي"، وهو ما يخلي ساحة الفيروس المستجدّ من مسؤولية التسبّب بالأزمة الاقتصادية، بناءً على رأي السلوم.
"صندوق الأجيال القادمة" المقدّس
ظلّ الصندوق الذي تأسس عام 1976 كياناً اقتصادياً مقدّساً، يصعب المساس بمقدراته التي تهدف إلى استثمار الدخول الريعية العالية للدولة النفطية الخليجية في صندوق يحفظ حقّ الأجيال القادمة من هذه الثروة، من خلال إيداع ما نسبته 10 في المئة من الميزانية السنوية في الصندوق ليُستثمر ثم يُعاد استثمار عوائده في الصندوق ذاته، وهو ما تم المساس به اليوم أمام أزمة اقتصادية خانقة تمرّ بالإمارة العربية.
وتوجّهنا للسلوم بالسؤال حول ما إذا كانت الأجيال القادمة التي تأسّس لأجلها الصندوق قد حلّت، وحان الموعد لأن تستفيد مِمّا اكتنز لها خلال العقود الماضية، فأجاب "الصندوق معنيّ باحتواء أزمات أكبر كانتهاء عصر النفط. أما الأزمة الحالية، فهي أزمة سوء إدارة الميزانية العامة، اجتمعت مع عثرات سياسية واقتصادية تبحث عن الطرق السهلة لخلق الحلول"، الأمر الذي لا يُعدُّ مبرّراً كافياً بالنسبة إلى السلوم للبدء بالانتفاع من الصندوق.
ويطرح رأي السلوم تساؤلاً حول مدى تأثير ما أقدمت عليه الكويت في مستقبل الصندوق، فيقول "الاقتصاد الكويتي اقتصاد ريعي استهلاكي وغير منتج، وعليه فإنّ الزجّ بالصندوق في إيجاد حلول للميزانية هو بداية الطريق لنفاد ما تبقّى فيه، مثلما حصل مع صندوق الاحتياطي العام".
وتتعالى الأصوات والمطالبات في الكويت لإجراء إصلاحات جذرية في الاقتصاد الوطني، المطالبات التي لم تبدأ بمحاولة إسقاط الوزير في جلسة نزع الثقة، ولن تنتهي باللجوء إلى صندوق الأجيال القادمة.