Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد بريكست وتبعات الجائحة بات مصير وحدة المملكة البريطانية مهددا

قد يساعد إنفاق الحكومة المركزية المزيد من المال في توسعة النفوذ مع استمرار الاتحاد بالوقت الحالي

لم تسر نيكولا ستورجين على خطى بوريس جونسون في عدد من المسائل المرتبطة بجائحة كورونا (أ ف ب)

ربما أغراكم التخفيض الكبير على أسعار وجبات المطاعم في أغسطس (آب) وإلغاء رسوم الدمغة على العقارات حتى الربيع، وفاتتكم بالتالي نقطة ذكرها ريشي سوناك وزير المالية في أحدث الخطابات التي ألقاها في مجلس العموم حول الإنفاق الكبير. لكن يمكنكم أن تراهنوا على أنها بلغت آذان الأشخاص الذين أُريد لهم أن يسمعوها، وأولهم نيكولا ستورجين الوزيرة الأولى في اسكتلندا.

وقال سوناك، بين مقدمته العامة وقائمة إجراءاته التفصيلية، "سلطت هذه الأزمة الضوء على الأواصر الخاصة التي تشد بلادنا إلى بعضها بعضاً. وتلقى ملايين الأشخاص في اسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية الحماية بفضل التدخلات الاقتصادية لحكومة المملكة المتحدة، وسيحصلون على الدعم من خلال مخطط الوظائف المعلن عنه اليوم. لا يستطيع أي وطني أن ينكر الحقيقة الدامغة: هذه المساعدة ممكنة فقط لأننا مملكة متحدة".

هاكِ يا ستورجين. ماذا كان ليحل باسكتلندا في هذه الأزمة لولا الهبات السخية المتدفقة شمالاً من لندن؟ فكري بالأمر قبل أن تحشدي الدعم لاستفتاء جديد على الاستقلال. فالحكومة في ويستمنستر، أو أقله هذه الحكومة في ويستمنستر، لن تتهاون معك. وهي ليست ضعيفة مثل ديفيد كاميرون.

ربما يدفع هذا التحذير بالحزب القومي الاسكتلندي إلى التأني والتفكير بروية، وكذلك من يدعون بهدوء إلى استقلال ويلز، أو من يطمحون في أيرلندا الشمالية إلى إعادة توحيد جمهورية أيرلندا. لكنه قد لا يؤدي إلى هذه النتيجة، لأسباب كثيرة.

أولاً، ليست الحسابات الاقتصادية كل شيء. ربما ساعدت الحجج المتعلقة بالجنيه وصلابة المصارف وتراجع احتياطي النفط في بحر الشمال على حسم قرار المترددين خلال حملة الاستفتاء على استقلال اسكتلندا في عام 2014. إلا أن الهوية والثقافة والسلطة اللازمة لتسيير شؤونكم الخاصة، هي أمورٌ على القدر نفسه من الأهمية، ولو على أقل تقدير، وغالباً ما تكون أكثر أهمية. وهناك مسألة التوزيع السكاني أيضاً. ففي استفتاء اسكتلندا، كان الناخبون الأكبر سناً هم ألد أعداء الاستقلال، مع أن الأصغر سناً لم يُظهروا بدورهم الحماسة الذي ربما أمِل السياسيون في أن يروها بعدما عملوا على السماح لمن بلغوا سن 16 عاماً بالتصويت. وعلى نحو مشابه، سيلتقي في الشمال الناخبون الكبار والصغار بخصوص موضوع دعم توحيد أيرلندا، فالتوجه هو نحو الانفصال عن المملكة المتحدة.  

وثانياً، مسألة بريكست. فقد افترض كثيرون، بمن فيهم كاميرون كما بدا، أن رفض اسكتلندا للاستقلال سيتكرر بعد ذلك بسنتين من خلال تصويت يؤيد ترك الأوضاع على حالها وبقاء المملكة المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي. غير أن الاستفتاء لم يأت بالنتيجة المعاكسة فحسب، بل أفرز كذلك الانقسام الذي خشيه الجميع: بين إنجلترا التي صوتت لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي من جهة، واسكتلندا وأيرلندا الشمالية اللتين صوتتا لصالح البقاء فيه، من جهة أخرى. وفيما اختارت ويلز الانسحاب، كان الهامش بين نتيجتي التصويت فيها أضيق من ذلك الذي ظهر في استفتاء إنجلترا.

وكان التأثير المتوقع لنتيجة التصويت في اسكتلندا هو إطلاق دعوات من أجل تنظيم استفتاء جديد بشأن الاستقلال. وكان الاستفتاء يُعتبر، قبل ذلك بسنتين، تصويتاً يحدث مرة واحدة كل جيل، لكن الظروف تغيرت الآن. وفي الحقيقة، بدا أن الخطر الأكبر الذي يواجهه الاتحاد بشكل مباشر نابع من أيرلندا الشمالية، حيث تشير أنماط التصويت إلى أن هدف توحيدها يتمتع بجاذبية متزايدة بين الناخبين. وبدا في الحالتين، أن الثمن الذي سيترتب على بريكست قد يكون تقسيم المملكة المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن الأمر الذي لم يكن أحد ليتوقعه أو لم يكن في الحسبان أبداً، وهذه هي النقطة الثالثة، هو جائحة فيروس كورونا، أو تداعياتها تحديداً. وكما هو الحال في الاتحاد الأوروبي، فإن قطاع الصحة في المملكة المتحدة لا يُدار من المركز، بل يتولى كل من الأقاليم الثلاثة مسؤولية تسيير شؤونه الصحية، مع أن الفيروس لا يقف عند حدود. وأوضحت السلطات المنفصلة في مرحلة باكرة أنها لن تتوانى عن التصرف بشكل منفرد.   

ظهر في البداية أن بوريس جونسون يريد تطبيق قرارات ويستمنستر على أجزاء المملكة المتحدة كافة. لكن لسبب ما، ربما لأنه خشي هو ومستشاروه من الآثار المدمرة لمواجهة علنية مع اسكتلندا، أو لأنه احتاج إلى تقليل مصادر تشتيت الانتباه، أو ربما بكل بساطة لأنه هو وعدد من الوزراء وكبير مستشاريه وكبير موظفيه المدنيين أصيبوا جميعاً بالمرض، فرضت السلطات الذاتية المنفصلة نفسها بطريقة لم يشهدها أحد من قبل فعلياً.

ولم يقف الموضوع عند هذا الحد فحسب، إنما إجمالاً، لم تؤذِ السلطات المحلية نفسها سياسياً أبداً. بل أظهرت أيرلندا الشمالية نمطاً من الإصابات ومعدلات وفيات أقرب إلى تلك التي شهدتها جمهورية أيرلندا، ما قد يُضعف أحد الحواجز المُفترضة للوحدة الأيرلندية: وهو استخفاف الشمال بقطاع الصحة جنوب الحدود.

ومن جهة أخرى، برز رؤساء وزراء اسكتلندا وويلز في بقية المملكة المتحدة بسبب مؤتمراتهم الصحافية اليومية واستعدادهم لاتباع سياساتهم الخاصة. كما حظيت نيكولا ستورجين بشكل خاص، بالكثير من الثناء بسبب صرامة المقاربة التي تبنتها الحكومة الاسكتلندية، وقد قورنت بشكل واسع، وربما مُجحف، بالتناقضات والتخبط الذي أظهرته لندن. كما أن معدل الوفيات المريع في إنجلترا لم يشجع أبداً السير على خطى زعيم لندن.

وفي الواقع، عانت اسكتلندا وويلز من صعوبات كثيرة مماثلة لتلك التي كابدتها إنجلترا، مثل نقص المعدات ونسبة الوفيات في دور الرعاية. وثمة أسباب كثيرة، بينها طابع لندن الفريد، وراء نسبة الوفيات الأدنى فيهما. لكن الانطباع الذي خلفه الأمر، والانطباعات مهمة بالسياسة في النهاية، هو أن سلطات الحكم الذاتي الإقليمية أدت مهامها بشكل أفضل إجمالاً من الحكومة المركزية للمملكة المتحدة ومن "خدمة الصحة الوطنية في إنجلترا". 

وهذا أعطاها ميزة إيجابية إضافية. فقد بدت هذه الحكومات الإقليمية وهي تتصرف، للمرة الأولى تقريباً، وكأنها حكومات وطنية مؤهلة فعلاً لإدارة البلاد. وقد فرضت إغلاقاً "الحجر" بطرق مختلفة، وأعادت فتح منشآتها في أوقات مختلفة حتى أنها ضبطت الحدود في بعض الأحيان. وبرهنت أن هذا ممكن ولم تلقَ أي معارضة من حكومة المملكة المتحدة، ولا من المقاطعات الإنجليزية المجاورة بشأن السلطة التي تخوّلها فعل ما فعلته. 

قد تكون الآثار على المدى البعيد كبيرة وواسعة النطاق، لكن ربما أقلها في ويلز. أما في اسكتلندا، فيُطرح من جديد موضوع إجراء استفتاء آخر على الاستقلال، فيما تُظهر استطلاعات الرأي الحديثة في مرحلة ما بعد الجائحة أن الأغلبية تريد استفتاءً جديداً، بينما تؤيد أغلبية أصغر حجماً، مع أنها أغلبية في كل الأحوال، تتراوح بين 52 و54 في المئة، الاستقلال. ومع الاتفاق على حكومة جديدة في جمهورية أيرلندا بعد طول انتظار، وعودة المشاركة في السلطة إلى شمال أيرلندا، خفت الحدة في العلاقات بين شطري أيرلندا. وربما يبشر هذا الأمر بتعايش أسهل، أو ربما يكون بداية أمر أكبر، مع عودة التركيز على بريكست.

وهذا ما يجعل من إنجلترا السبب الرابع لاحتمال عدم استمرار الاتحاد. خلال حملة بريكست وما تبعها، ظلت القومية الإنجليزية هامدة، وهو أمرٌ فاجأ الكثيرين. حتى أن الاحتفالات الليلية ببريكست، في ساحة البرلمان اللندنية، شهدت رفع عدد من أعلام الاتحاد كانت أكثر بكثير من أعلام صليب القديس جرجس الإنجليزية التي خفقت إلى جوارها. كما أعرب بوريس جونسون عن تأييده الصاخب للاتحاد، أكثر مما فعلت تيريزا ماي في أي وقت من الأوقات.

لكن كلمات جونسون قد تكون خادعة. وهو تخلى، حتى قبل فوزه بانتخابات عام 2019، عن التحالف البرلماني بين ماي والحزب الديمقراطي الوحدوي في أيرلندا الشمالية، وقبِل بفرض حدود جمركية في البحر الأيرلندي. وسواء شاء أم أبى، فقد راقب جونسون الحكومات الذاتية وهي تشق مسارها الخاص خلال الجائحة. ويبدو أنها زُودت بالمال الكافي من دون شروط، كما يبدو، ربما أملاً في أن تتوصل أدنبره على الأقل إلى الاستنتاج المناسب. 

غير أن تبنيها فعلياً استنتاجاً كهذا هو أمر آخر. كما أن ثمة المزيد من المؤشرات إلى أن المملكة المتحدة، أي عملياً إنجلترا، لن تكترث للأمر. وكان استطلاع للرأي أجرته يوغوف العام الماضي قد كشف عن أن جاذبية الاتحاد بدا وكأنها أخذت تخفت ظاهرياً حتى بالنسبة إلى أكثر الداعمين المفترضين له، إذ قالت أغلبية من أنصار حزب المحافظين في إنجلترا إنه لو فُرض عليها الاختيار بين بريكست والاتحاد، فستختار بريكست بالتأكيد.

ويشير استطلاع آخر للرأي أجري أخيراً إلى أن هذا الشعور بات اليوم أقوى. في هذه الأثناء، بلغت نسبة تأييد استقلال إنجلترا 49 في المئة في أوساط أنصار المحافظين و35 في المئة بين الناخبين عموماً في إنجلترا. 

ربما يستمر الاتحاد، إن أنفقت الحكومة المركزية مزيداً من الأموال ووزعت المزيد من النفوذ والصلاحيات. واعتباراً من اليوم، يبدو أيضاً أن اتحاد أيرلندا هو احتمال أقرب من انفصال اسكتلندا، وقد يثير قدراً أقل من الندم في إنجلترا. بيد أن الاستجابة المختلفة للجائحة أظهرت بشكل أوضح من التصويت على بريكست، أن استمرارية الاتحاد غير مضمونة، وربما تُحدث المزيد من التحولات في ما بعد.  

لكن قد يساعد إنفاق الحكومة المركزية المزيد من المال وتوزيعها المزيد من النفوذ، في ديمومة الاتحاد في الوقت الحالي. 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء