عززت الشركات المدرجة في البورصة المصرية من عمليات شراء أسهم الخزينة، كردة فعل على الاضطرابات المالية العالمية التي سببها انتشار فيروس "كوفيد-19".
ومع هبوط المؤشر الرئيس للبورصة المصرية في مارس (آذار) الماضي إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات ونصف السنة، وتسجيله خسائر يومية غير مسبوقة منذ عام 2012، سارعت الشركات المدرجة بالبورصة إلى شراء أسهم الخزينة، في ما يعد بالنسبة للسوق المصرية إجراءً تصحيحياً جديداً نسبياً لمواجهة الأزمات المالية.
وخلال الأسبوع الماضي، ارتفع المؤشر الرئيس للبورصة المصرية "إيجي إكس 30" 1.79 في المئة ليغلق عند مستوى 10957.02 نقطة. كما ارتفع مؤشر الأسهم الصغيرة والمتوسطة "إيجي إكس 70" متساوي الأوزان بنسبة 1.8 في المئة ليغلق عند مستوى 1477.36 نقطة.
وسجل مؤشر "إيجي إكس 100" متساوي الأوزان ارتفاعاً 1.97 في المئة مغلقاً عند مستوى 2289.8 نقطة. وسجل مؤشر "إيجي إكس 30" محدد الأوزان ارتفاعاً 1.32 في المئة مغلقاً عند مستوى 12737.09 نقطة. في ما هبط مؤشر بورصة النيل 4.22 في المئة ليغلق عند مستوى 717.52 نقطة.
وارتفع رأس المال السوقي لأسهم الشركات المدرجة في البورصة المصرية بنحو 6.9 مليار جنيه (0.431 مليار دولار) خلال جلسات الأسبوع الماضي، ليغلق عند مستوى 596.8 مليار جنيه (37.3 مليار دولار)، بارتفاع 1.2 في المئة عن إغلاق تعاملات الأسبوع قبل الماضي. وصعد رأس المال السوقي للمؤشر الرئيس بنسبة 1.7 في المئة ليسجل مستوى 313 مليار جنيه (19.562 مليار دولار)، وزاد رأس المال لمؤشر الأسهم الصغيرة والمتوسطة 1.1 في المئة إلى مستوى 182.4 مليار جنيه (11.4 مليار دولار).
ما هي أسهم الخزينة؟
شراء أسهم الخزينة هو أن تقوم شركة ما بإعادة شراء عدد من أسهمها المطروحة في البورصة بسعر السوق، لترفع نسبة ملكيتها من الأسهم المطروحة. ويعد هذا إجراءً منتشراً عالمياً منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين، تصاعد هذا الاتجاه إلى مستويات أثارت قلق بعض المتخصصين.
وعلى عكس ما يجري عالمياً، كان شراء أسهم الخزينة أمراً نادراً في السوق المصرية وليس أمراً معتاداً، حتى أصدرت الهيئة العامة للرقابة المالية في بداية مارس (آذار) الماضي إجراءات استثنائية بصفة مؤقتة تسمح للشركات المقيدة بالبورصة المصرية بإخطار إدارة البورصة في اليوم ذاته المقترح لتنفيذ شراء أسهم خزينة بدلاً من إخطارها قبلها بثلاثة أيام، وسط تقلبات أسعار الأسهم في خضم الذعر المتنامي بالأسواق المالية العالمية آنذاك بسبب جائحة "كوفيد-19".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأدى قرار الهيئة إلى موجة شراء غير مسبوقة، حيث إن أكثر من 20 شركة مدرجة بالبورصة المصرية سارعت بإعادة شراء أسهمها من السوق، بنسب تراوحت من 0.5 إلى 2.5 في المئة من الأسهم المطروحة منذ قرار "الرقابة المالية". وشمل ذلك العديد من الشركات الكبرى بالبورصة مثل أوراسكوم للتنمية مصر، والسويدي إليكتريك، وجي بي أوتو، وبالم هيلز، ومدينة نصر للإسكان. لكن ما المنطق وراء الطفرة في عمليات إعادة شراء الأسهم؟
تساعد عمليات إعادة شراء الأسهم في دعم سعر سهم الشركة، ولو مؤقتاً فقط، من خلال تقليل عدد الأسهم حرة التداول المتاحة للتداول بين عموم المستثمرين في السوق، وليست مغلقة على الجهة الرئيسة المالكة والمديرة للشركة، مما يزيد من مكرر ربحية السهم ويرفع الطلب عليه.
إخراج الباعة المذعورين من السوق
وفق تحليل لنشرة "إنتربرايز"، فإن إخراج الباعة المذعورين من السوق يأتي على رأس قائمة المكاسب، ويرى هاني برزي، الرئيس التنفيذي لشركة "إيديتا" للصناعات الغذائية، التي اشترت منذ مارس الماضي نحو 2.3 مليون سهم، تمثل 0.32 في المئة من إجمالي أسهم الشركة، أن هناك أناساً يصابون بحالة من الذعر ويبيعون السهم بأي سعر. وهذا بالطبع يجعل المستثمرين الآخرين متوترين، لذلك تتدخل الشركات وتشتري حصة من أسهمها من السوق المفتوحة فتتخلص من عمليات البيع المذعور. وبعد ذلك يتجدد النشاط حول السهم ويعود المستثمرون الآخرون لشرائه مرة أخرى.
في الوقت نفسه فهي طريقة لبث الثقة في المستثمرين، فبالنسبة لشركة الاستثمار المباشر "بي إنفستمنتس"، فإن انهيار السوق في مارس جعل من الضروري "إرسال إشارة واضحة" إليهم بأن الشركة تؤمن بأن أسهمها تتداول بسعر أقل من قيمتها الحقيقية.
وعبّرت عمليات إعادة الشراء عن الثقة في السهم، وقد انعكس ذلك في ارتفاع الطلب من جانب المستثمرين، الذي تضاعف بأكثر من 8 مرات، وقبل بدء عمليات إعادة الشراء في 29 مارس كان التداول اليومي يبلغ نحو 6.5 ألف سهم يومياً، وارتفع التداول اليومي من 50 إلى 60 ألف سهم يومياً بعد عمليات إعادة الشراء". ومنذ أواخر مارس، اشترت الشركة نحو 800 ألف سهم تمثل 0.51 في المئة من إجمالي أسهم رأسمال الشركة.
أيضاً، فإن تراجع السعر جعل إعادة الشراء أمراً مغرياً في حد ذاته، حيث يمكن للشركات استخدام عمليات إعادة الشراء للاستثمار في نفسها عندما تعتقد أن الأسهم مقومة بأقل من قيمتها. وعلى سبيل المثال، أعادت شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير شراء 7 ملايين سهم، تمثل 0.5 في المئة من إجمالي رأسمال الشركة منذ انهيار السوق في مارس.
أسعار الأسهم رخيصة للغاية
ويرى سايمون كيتشن، محلل الاستراتيجية والبحوث لدى المجموعة المالية "هيرمس"، أن "أسعار الأسهم في مارس بدت رخيصة للغاية، ومع قيام البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة بنسبة كبيرة خلال الشهر نفسه، انخفضت تكلفة الفرصة البديلة لإعادة شراء الأسهم".
وأضاف، "كانت التوقعات الخاصة بالطلب غير واضحة أيضاً في ذلك الوقت، لذا ربما رأت الشركات أن عمليات إعادة شراء أسهمها ستكون بمثابة استخدام جيد لما لديها من سيولة".
وقال ألن سانديب، رئيس قسم البحوث لدى شركة "نعيم" للوساطة، إن الشركات كانت تتوقع تحقيق قيمة أكبر من خلال عمليات إعادة الشراء أكثر من الاستثمار الرأسمالي. وتابع، "الأسهم المصرية تعرضت لتراجعات حادة. وأدت المخاوف التي تسبب فيها الوباء إلى سوء تسعير حاد للأسهم. لذا نحن الآن في وضع ترى فيه الشركات قيمة أكبر في الاستثمار بأسهمها من خلال إعادة الشراء من القيام باستثمارات جديدة".
وفي ظل استقرار البورصة المصرية وأحجام التداول المرتفعة في الوقت الحالي، لم تصرح أي من شركة إيديتا أو مدينة نصر للإسكان والتعمير باعتزامهما شراء المزيد من أسهم الخزينة في المستقبل القريب. لكن شركة مدينة نصر للإسكان استغلت الفرصة التي سنحت لها واشترت بالفعل، لكن لا يوجد لديها حالياً خطط لشراء المزيد من أسهمها في المستقبل. أما شركة "بي إنفستمنتس" فتواصل مخططها وتجري جولة أخرى من عمليات إعادة شراء الأسهم بمجرد حصولها على موافقة مجلس إدارتها.
إلا أن نشاط شراء أسهم الخزينة يتوقف في جانب كبير منه على القرارات التي تتخذها هيئة الرقابة المالية، التي تُبقي جميع الخيارات مطروحة على الطاولة. وسيظل قرار الهيئة بالاستثناء من مدة الإخطار المسبق للقيام بشراء أسهم خزينة، التي كانت مقررة بثلاثة أيام عمل على الأقل قبل الموعد المقترح للتنفيذ، سارياً إلى أن يتم الإعلان عن إنهاء تلك السياسة.