Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانتخابات البلدية الفرنسية تظهر تغيير الخريطة السياسية

واجه حزب "الجمهورية إلى الأمام" الذي يتزعمه الرئيس إيمانويل ماكرون هزيمة ساحقة

ايمانويل ماكرون أكبر الخاسرين في الانتخابات (مواقع التواصل الاجتماعي)

أتت نتائج الدورة الثانية للانتخابات البلدية الفرنسية (نظمت في 29 يونيو، حزيران)، بمثابة نسخة طبق الأصل عن الواقع السياسي المبعثر والملتبس في البلاد.

ويتعذّر اليوم على ضوء هذه النتائج القول، مَن هو الطرف السياسي الفائز، وما هي القوة السياسية المسيطرة على فرنسا.

كل ما يمكن قوله إن ثمة قوة سياسية ممثلة بحزب "الجمهورية إلى الأمام" الذي يتزعمه الرئيس إيمانويل ماكرون واجهت هزيمة ساحقة وتدهوراً قياسياً يعكس غضب الناخبين حيال رئيسهم ورغبتهم في توجيه رسالة بالغة القسوة له.

وهناك قوى منها تحديداً أنصار البيئة (الخضر) التي حقّقت تقدماً غير مسبوق وغير متوقع وعزّزت عبر الانتخابات البلدية التقدم الذي كانت أحرزته في الانتخابات الأوروبية ربيع العام 2019.

أما في ما يخص الأحزاب التقليدية أي الحزب الاشتراكي (يسار) وحزب الجمهوريين (يمين)، فهما تمكّنا من الصمود في بعض المعاقل والتقهقر في معاقل أخرى، ما يتيح لكل منهما تقييم النتائج التي أحرزها على هواة من زاوية الربح والخسارة.

امتناع عن التصويت

ويكاد يكون الفائز الأكبر في هذه الانتخابات، الممتنعون عن التصويت وهم الغالبية الساحقة للناخبين، إذ بلغ عدد المقترعين في فرنسا حوالى 14 مليون ناخب من أصل 45.5 مليون مسجلين على اللوائح الانتخابية.

وتُعدُّ هذه النسبة تاريخية، إذ لم يسبق لأي انتخابات فرنسية أن شهدت مثلها وقد تجد تفسيرها في الأجواء الاستثنائية التي عُقدت خلالها هذه الدورة الانتخابية.

وفصل هذه الدورة عن الدورة الأولى التي جرت في 17 مارس (آذار) الماضي، أكثر من ثلاثة أشهر بسبب الحجر الذي طُبّق في فرنسا لمواجهة انتشار وباء كوفيد -19، ولم يتسنَّ للمرشحين فيها خوض حملاتهم الانتخابية بشكل عادي أيضاً بسبب الإجراءات المعتمدة بسبب استمرار وجود الوباء.

ولا تلغي هذه الخصوصية وانخفاض نسبة المقبلين على التصويت، دقة النتائج التي أسفرت عنها هذه الدورة الثانية ولا من كونها تعبيراً صادقاً عن مزاج الفرنسيين.

فهزيمة "الجمهورية إلى الأمام" كانت متوقعة ومعروفة من الجميع وهو ما أكدته النتائج الانتخابية، إذ لم يتمكن مرشحو هذا الحزب من السيطرة على أي من المدن الفرنسية الكبرى ولا من الفوز حتى في الدوائر التي تحالفوا فيها مع الجمهوريين.

"الجمهورية إلى الامام"

وفي باريس مثلاً، حلّت قائدة الحملة الانتخابية لـ"الجمهورية إلى الامام" آنييس بوزان، وزيرة الصحة السابقة في المرتبة الثالثة، ولم تحرز أكثر من نسبة 13 في المئة من الأصوات في المنافسة التي دارت بينها وبين رئيسة البلدية الاشتراكية آن هيدالغو التي تمكّنت من الفوز بولاية ثالثة.

وجاءت في المرتبة الثالثة، إذ تقدمت عليها مرشحة الجمهوريين رشيدا داتي التي حصلت على أكثر من 33 في  المئة من الأصوات.

هذا الأداء الهزيل مردّه أسباب عدّة، منها عدم الرضا عن سياسات ماكرون الذي برز عبر أزمة السترات الصفراء، ومن ثم عبر إضرابات الخريف الماضي احتجاجاً على مشروع تعديل نظم التقاعد.

وهناك أيضاً الخلافات الداخلية والتنافس بين أعضاء الحزب الواحد التي عكسها انشقاق النائب سيدريك فيلاني عن "الجمهورية إلى الأمام" وإصراره على خوض الانتخابات البلدية على لوائح منفصلة.

وقد يكون الأهم من كل هذا، افتقار حزب ماكرون الذي تأسّس عشية خوضه انتخابات الرئاسة قبل ثلاث سنوات، إلى الحضور والجذور في المناطق الفرنسية، وكذلك افتقاره إلى التجانس بين مكوناته التي تتوزّع بين أصحاب الميول اليمينية واليسارية.

أما بالنسبة إلى الخضر، فإن سيطرتهم على حوالى 6 من المدن الفرنسية الكبرى مثل ليون وغرونوبل وبشكل خاص بوردو التي تُعدُّ منذ أكثر من سبعة عقود معقلاً تاريخياً لليمين الفرنسي، تضعهم في موقع القوة المعارضة الأكثر متانة وهو موقع كانت تتنافس عليه الجبهة الوطنية الفرنسية (اليمين المتطرف) وحزب فرنسا غير المنصاعة (اليسار المتطرف).

 لكن الجبهة لم تحقّق أي اختراق ملحوظ في هذه الانتخابات باستثناء سيطرتها على مدينة بربينيان، حيث فاز لوي أليو وهو شريك حياة زعيمة الجبهة مارين لوبن، في حين أن مواقع الجبهة تراجعت في مجمل المناطق مثلها مثل مواقع فرنسا غير المنصاعة.

الحزب الاشتراكي

من ناحيته، استفاد الحزب الاشتراكي من تحالفه في عدد من المناطق مع أنصار البيئة، ما أتاح له إنقاذ ما أمكن من مواقعه ومنها رئاسة بلدية ليل التي استطاعت مارتين أوبري الاحتفاظ بها بفارق ضئيل بالأصوات، خصوصاً رئاسة بلدية باريس التي بقيت في أيدي هيدالغو.

واللافت أن دوائر العاصمة بقيت مقسّمة بين الاشتراكيين والجمهوريين وهو توزّع لم يتمكّن حزب "الجمهورية إلى الأمام" من إضفاء أي تعديل عليه لصالحه.

وأتت النتائج التي أحرزها الجمهوريون مقبولة إلى حدّ ما وخلت من تراجع ملحوظ لشعبيتهم لدى الناخبين على الرغم من أن حزبهم بدا في طور الزوال، خصوصاً عقب هزيمته النكراء في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وما نجم عنها من تشرذم داخلي.

وتمكّن الجمهوريون على الرغم من خسارتهم لمدن كبرى عدّة من الاحتفاظ بمواقعهم في الدوائر والمدن المتوسطة الحجم.

وتبدو الخريطة السياسية الفرنسية على ضوء هذه النتائج متنوعة وموزّعة بين أمزجة سياسية وتوجهات، وقد تكون سمتها الأبرز هي التقلّب وعدم الثبات في غياب القوة القادرة على التوحيد وتأطير الطاقات.

المزيد من دوليات