Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مغاربة يقعون ضحايا شبكات نصب بسبب الطمع في استخراج الكنوز

مواجهة تلك الآفة تكون عبر التوعية والتحدث عنها علناً في وسائل الإعلام

ضريح منبوش في مدينة تارودانت جنوب المغرب بحثاً عن كنز مزعوم (مواقع التواصل)

"لقد أفلسنا بعدما باع والدي كل شيء"، هكذا تبدأ قصص كثيرة لمغاربة وقعوا ضحايا شبكات النصب والاحتيال، التي تُوهمهم بأنها ستُساعدهم على إيجاد الكنز، مقابل دفع مبالغ مالية كبيرة.


"عشر سنوات بحثاً عن الكنوز"

"قدموا إلى قريتنا، وأخبروا والدي أنهم من منطقة سوس جنوب المغرب، ولديهم القدرة على استخراج الكنوز، وكان والدي يعتقد أيضاً بأن هناك كنوزاً مدفونة منذ القدم في القرية"، تقول لطيفة بوزيري التي تعيش في ضواحي مدينة بن جرير جنوب المغرب.

وتُضيف في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "والدي يثق بشكل كبير في القادمين من السوس جنوب المغرب"، إذ يعتقد أنهم على دراية بكيفية استخراج الكنوز.

وتُتابع في هذا الصدد "قبل سنوات اكتشفنا أن قبر ضريح في قريتنا، استُخرج منه كنز، هذا ما جعل والدي وأغلب أهالي القرية يُنفقون وقتهم ومالهم في البحث عن الكنوز. أمضى والدي أكثر من 10 سنوات في رحلة البحث عن الكنوز، ورغبته في إيجاد كنز جعلته ضحية للنصابين والمحتالين".


"لا يُفكر في شيء آخر"

وتُشير لطيفة (51 سنة) "إلى أن المحتالين كانوا يطلبون من والدها دفع حوالي 4000 يورو لشراء بخور باهض الثمن في كل عملية بحث عن كنز، لأجل طقوس الحفر، وكان يُسافر معهم ولا يفكر في شيء آخر سوى الكنز حتى أيام الأعياد كان يُمضيها معهم، وفي كل مرة لا يجدون شيئاً".

في السياق، تُضيف المتحدثة ذاتها، "باع والدي الماشية التي كنا نملكها بعدما عجز عن تلبية مصاريف المحتالين، الذين وعدوه بأنه سيحصل على كنز، ويُصبح حاله أفضل مادياً".
 

"باع كل شيء"

وعن تداعيات هوس والدها بالكنز، على العائلة، تجيب لطيفة، "لقد أفلسنا، باع والدي كل شيء في القرية، وشعر بالصدمة عندما اكتشف أنه لم يجد الكنز، وأنه كان مجرد ضحية لشبكة نصابين". وتُضيف في هذا الصدد، "البحث عن الكنوز غيّر حياتنا، لقد عانى والدي من اضطراب نفسي حاد، عندما اكتشف أنه فقد ثروته وأنفق المال ولم يتحقق أي شيء".
 

"مات بسبب الصدمة"

وفي قرية سيدي علي البراحلة بالرحامنة نواحي مدينة بن جرير، يعيش عبد الصمد الذي عانى بعد وفاة شقيقه ضحيةً لشبكة نصب واحتيال. ويقول عبد الصمد كانوا يطالبونه بالمال لأجل شراء مستلزمات والتحضير لطقوس إخراج الكنز، كان يدفع ما يطلبونه، لأنه كان يعتقد أنه بعد استخراج الكنز سيُعوض المال الذي أُنفق، وعندما لم يجد الكنز، مات بسبب الصدمة".

ويشار إلى أن السلطات المغربية فككت عصابةً للنصب والاحتيال، عقب شكوى من شخص يعيش في قرية رأس العين الرحامنة نواحي مدينة بن جرير، دفع حوالي 10 آلاف يورو، للعصابة بهدف المشاركة في استخراج كنز هناك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


"بين الحقيقة والوهم"
يرى الباحث في علم الاجتماع المغربي عبد الرحيم عنبي أن "ظاهرة الكنوز في المغرب توجد بين الحقيقة والوهم، لأنها تتضمن جزءاً من الحقيقة، وهذا يرجع إلى أن المغاربة في القديم، لم تكن لديهم مخازن، كما هو الحال في المناطق التي كانت مستقرة، وكانوا يُخزنون ثرواتهم في الأرض، وكان يُوثّقون أين وضعوا ما خزنوا حتى لا ينسوا المكان".

ويوضح الباحث في علم الاجتماع أن "هذه المخطوطات تُعد مثل دليل وكانت تنتقل بين الأجيال من عائلة إلى عائلة، ولكن جزءاً منها ضاع وسقط بين يدي بعض الفقهاء الذين كانت مهمتهم البحث عن الوثائق والمخطوطات". ويضيف "هؤلاء الفقهاء روّجوا إلى أن هذه الكنوز مملوكة من الجن والعالم الغيبي، حتى يصعب على الآخر فهمها والبحث عنها".


طقوس خاصة بمثابة الطعم والمصيدة

ويتابع الباحث في علم الاجتماع قائلاً إن "بعض المغاربة يؤمنون بأن الكنوز موجودة، وبعضهم الآخر يؤمن بأن الأجداد والأقوام السابقة تركوها مدفونة في الأرض، ولكن لديها طقوساً خاصة، التي تُعد بمثابة الطعم والمصيدة".

ويوضح عبد الرحيم عنبي أن "ثقافة الرغبة في الإثراء السريع المترسخة لدى بعض المغاربة تجعلهم ضحايا لشبكات الكنوز، التي توهم الضحايا بوجود كنوز، وهم مستعدون نفسياً ومصدقون بذلك، ويطلبون منهم أشياء مكلفة مثل بخور غالي الثمن، ليٌظهروا لهم أنه يصعب على أي شخص أن يبحث عن الكنوز وأن الشبكات وحدها مؤهَلة لإيجاد هذا الكنز. كما أنّ هناك جرائم تُرتكب باسم هذه الكنوز، وتصبح الضحية شريكاً في الجريمة، لأنه يبحث عن الثروة".
 

"يجب كسر الصمت الإعلامي حول الظاهرة"

ويقول عنبي "كان المغاربة في القديم عندما يُخزنون الثروة، يضعون علامات تكون كبيرة الحجم، وكثيرون كانوا يقدسونها ويعتبرونها ضريحاً، وفي بعض المناطق يقول الأهالي إنهم استيقظوا ووجدوا مكان الضريح محفوراً بعدما سُرق صندوق منه، ولأن المجتمع المغربي شفهي، فهو يُروج لمثل هذه القصص والأساطير".

كيف نُحصّن المجتمع المغربي من هذه العصابات وشبكات الاحتيال؟ يُجيب عبد الرحيم عنبي "يجب أن نكسر الصمت الإعلامي حول الظاهرة، وأن نتحدث عنها ونكشف للرأي العام جانبها التاريخي".


حماية الوثائق التاريخية

ويرى الباحث في علم الاجتماع أنه "يُفترض أيضاً على العائلات العريقة في المغرب التي تملك وثائق تاريخية أن لا يخفوها، بل ينبغي وضعها في متاحف كي لا تتعرض لسرقة وتكون محمية من الدولة وأيضاً لكي نحمي المغاربة من الوقوع ضحايا شبكات وعصابات النصب والاحتيال".

ويتابع أن "وزارة الثقافة يجب أن تجمع مخزون الوثائق من الأسر العريقة في المغرب وتُشيّد متاحف، ما سيُسهم في إنعاش السياحة التاريخية والثقافية ويجب نقل ظاهرة البحث عن كنوز من الظلام إلى العالم المرئي بعلم السلطات، لكي نستفيد أيضاً من هذه الوثاق التاريخية التي تشير إلى مكان تخزين المغاربة القدماء ممتلكاتهم".

ويشير عنبي إلى أن "هذه الوثائق كانت عبارة عن ألواح أو جلود للغزلان، وهناك وثائق من القرن 15 كُتبت بطريقة خاصة لكي لا تُتلف".

ووفقاً للقانون المغربي، "كل شخص تعمّد الحفر لاستخراج آثار أو كنوز من دون ترخيص من الدولة، فسيُعاقب بحسب الفصل 52 من القانون رقم 1.80.341 بغرامة مالية".

المزيد من تقارير