شكل طرح وزارة الاقتصاد، بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية، رفع الدعم عن المحروقات صدمة للبنانيين الرازحين تحت انهيار سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار وتجميد مدخراتهم في المصارف وخسارتهم وظائفهم. طرح ينذر بزيادة أعداد الفقراء ويصيب الطبقات الوسطى التي أصبحت مهددة وتراجع قسم كبير منها إلى خط الفقر.
فمنذ اندلاع الحراك الشعبي (17 أكتوبر 2019) وتفلّت سعر صرف الدولار في السوق اللبنانية الموازية، عمد مصرف لبنان إلى تأمين تمويل شراء 90 في المئة من المحروقات بسعر الصرف الرسمي عند 1515 ليرة للدولار، فيما تتحمل الشركات المستوردة والمحطات النسبة المتبقية بإجراء أمّن استقرار أسعار المحروقات ومعها استمرار ضبط كلفة الإنتاج والنقل.
لكن تدني الأسعار وخصوصاً المازوت الذي لا تفرض عليه الدولة اللبنانية أي رسوم، ضاعف من عمليات التهريب إلى سوريا، كما نشطت أخيراً عمليات التخزين والمضاربة على سلعة حيوية يرتفع الطلب عليها. ما زاد من الضغوط على احتياطي مصرف لبنان المستنزف والمهدد من انعدام وجود أفق واضح لحل الأزمة النقدية والاقتصادية.
وفيما الحكومة غارقة في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي يبدو أنها ستطول ومن شروطها رفع كل أشكال الدعم الحكومي، بادرت وزارة الاقتصاد بطرح رفع الدعم بكتاب موجه إلى وزارء المالية والطاقة والصناعة والزراعة فنّد رسمياً الحالة الاجتماعية الصعبة للبنانيين.
فبحسب وزارة الاقتصاد:
325 ألف أسرة أصبحت ترزح تحت خط الفقر، أي نحو مليون و300 ألف لبناني، على اعتبار كل أسرة مؤلفة من متوسط 4 أفراد.
163 ألف أسرة منها تحت خط الفقر المدقع، أي 652 ألف لبناني.
- تراجع الناتج المحلي للفرد من 7200 دولار عام 2019 إلى 3800 دولار عام 2020. ما يعني أن حصة اللبناني من النتاج تراجعت إلى 316 دولاراً شهرياً.
وأورد الكتاب بصريح العبارة التهريب إلى سوريا واستغرب ارتفاع استهلاك المازوت من مليوني ليتر يومياً عام 2019 إلى 8 ملايين ليتر في عام 2020. ما دفع في اتجاه رفع الدعم بخطوة محفوفة بالمخاطر في بلد يرتفع فيه سعر صرف الدولار يومياً ومعه التضخم الذي قدرته الحكومة رسمياً عند مستوى 56 في المئة.
لا لدعم غير المستحقين
يعتبر وزير الاقتصاد راوول نعمة، في حديث مع "اندبندنت عربية"، أن طرحه يستهدف حماية احتياطي مصرف لبنان من الاستنزاف، وما الاحتياطي إلا ما تبقى من أموال المودعين بالعملات الأجنبية التي تهدر على غير مستحقيها.
ويؤكد أن رفع الدعم ليس كلياً وإنما سيبقى للفئات الفقيرة والقطاعات الإنتاجية الأساسية. ففي كتابه يطرح نعمة إعطاء قسائم شراء بالليرة اللبنانية لسائقي المواصلات العامة ولذوي الدخل المحدود على أساس نوع المركبة المسجلة وعدد الكيلومترات المقطوعة بفضلGPS مثبت على السيارة.
وإعطاء قسائم للمزارعين والصناعيين بحسب متوسط الاستخدام التاريخي للمصانع ومسح حجم الأراضي الزراعية عبر الأقمار الصناعية للمزارعين.
التغيير بحسب الوزير نعمة سيشمل الفئات المقتدرة كما غير اللبنانيين وأفراد البعثات الدبلوماسية التي يقدر عددهم بمليون ونصف المليون. وسيوقف ارتفاع الأسعار عمليات التهريب إلى سوريا التي تكبد مصرف لبنان ملياري دولار سنوياً.
أما عن التسعير فيوضح الوزير نعمة أنه سيتم وفقاً لسعر صرف الدولار في السوق كما يحدده البنك المركزي.
ويؤكد نعمة أن سياسة الدعم المكلفة يجب أن تتوقف فيما تسهر الدولة على تأمين حاجات الفئات الفقيرة، لا بل يدفع هذا الاقتراح إذا ما تمت دراسته واعتماده إلى بناء سجل اجتماعي وطني.
رفع الدعم يولد انفجاراً اجتماعياً
يتخوف المتحدث باسم نقابة أصحاب محطات الوقود في لبنان جورج البراكس من انفجار اجتماعي واقتصادي إذا ما رُفع الدعم عن المحروقات، وهي سلعة أساسية تدخل في تفاصيل الحياة اليومية للمواطن اللبناني.
ويوضح البراكس أن أسعار المحروقات سترتفع بأكثر من 200 في المئة إذا اعتمد سعر صرف السوق السوداء المتفلت والذي يسجل يومياً أسعاراً قياسية هي الأعلى في تاريخ لبنان.
فبحسب البراكس وبقراءة في تركيبة الأسعار:
سعر صفيحة البنزين يسجل حدود 7 دولارات أي 10500 ليرة لبنانية بسعر صرف عند 1515 ليرة للدولار تضيف إليها الدولة رسوماً بحدود 13500 ليرة.
وفيما يسجل سعر الصرف في السوق السوداء 7000 ليرة للدولار سيرتفع سعر الصفيحة إلى نحو 49 ألف ليرة تضاف إليها الرسوم لتصبح عند 62500 ليرة.
ما يعني أن كل صفيحة بنزين ستشكل 10 في المئة من الحد الأدنى للأجور بنسبة مرتفعة جداً بالمقارنة بأي دولة أخرى.
سعر صفيحة المازوت يسجل حالياً 12000 ليرة، أي نحو 8 دولارات من دون رسوم ومع سعر صرف عند 7000 ليرة للدولار سيقفز سعر صفيحة المازوت الأساسي للتدفئة والمصانع والزراعة إلى 56 ألف ليرة لبنانية.
إضافة إلى سعر الصرف، يوضح البراكس، أن أسعار المحروقات اليوم هي في أدنى مستوياتها مع تراجع أسعار النقط عالمياً، وهي مرجحة للارتفاع ومعها ستسجل أسعار المحروقات في لبنان مستويات قياسية لا يستطيع تحملها المواطن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن دعم القطاعات والأسر المستحقة، يقول البراكس إنها ستشمل 90 في المئة من المواطنين. إلى الفقراء بحسب البيانات يضاف الموظفون الذاهبون إلى أعمالهم والذين تضرّروا من انهيار سعر الصرف واقتطاع رواتبهم. وماذا عن المستشفيات والقوى العسكرية والمدارس وسيارات الإسعاف وغيرها؟
ويتابع، رفع الدعم من جهة على قلة قليلة وإبقاؤه من جهة أخرى على فئة واسعة من مستحقي الدعم لا تشكل حلاً لأزمة استنزاف العملة التي تجب معالجتها بأطر أخرى وليس عبر زيادة الضغوط على اللبنانيين الذين أصبح أكثر من نصفهم تحت خط الفقر.
تثبيت سعر الصرف ولو بمستويات مرتفعة
يحذر الاستاذ الجامعي وعضو جمعية تجار بيروت باسم بواب من الانتقال من النظام الليبرالي الحر الذي لطالما تغنى به لبنان إلى نظام اشتراكي أثبت فشله فتخلّت عنه الدول في ثمانينيات القرن الماضي بعد ما تبين أنه يسهّل الهدر والاستنسابية والزبائنية ولا يحفّز الاقتصاد والتنافسية كما في الاقتصاد الحر.
وإذ يرى في طرح وزارة الاقتصاد تكريساً للاستعطاء عبر توزيع بطاقات التموين كما في سوريا والاتحاد السوفياتي سابقاً، يدعو البواب إلى تحرير كامل لكل آليات الدعم التي تقوم بها الدولة حالياً لأي سلعة أو خدمة فيما دعم الأسر الفقيرة بحسب البيانات الرسمية يجب أن يتم بحسب سعر سلة غذائية محددة وعبر دفعات شهرية وليس عبر بطاقات وقسائم تسهّل، إلى الإذلال بالحصول عليها، قيام سوق سوداء ومضاربة وفوضى ترتدّ سلباً على الفقراء أنفسهم.
وبحسب البواب، على مصرف لبنان تثبيت سعر الصرف ولو بمستويات مرتفعة لكل عمليات الاستيراد التي انخفضت إلى نحو 10 مليارت دولار سنوياً، يؤمنها من الوفر بوقف الدعم. ما ينعكس تراجعاً في الطلب على الدولار في السوق السوداء وبالتالي تراجعاً بسعر صرفه الذي لامس مستويات جنونية مرتفعة.
لا بل أكثر من ذلك، يؤكد البواب أن استمرار طرح سلع مدعومة في الأسواق بأسعار أرخص من مستواها في الدول المجاورة سيكرس التهريب.
فسعر صفيحة المازوت المدعوم في لبنان عند 12000 ليرة، فيما سعرها في سوريا 22000 ألف ليرة. ما يفسر التهريب الكثيف لهذه المادة فيما سعر البنزين المحدد عند 24000 ليرة لا يهرب.
إضافة إلى المازوت، يُتخوف من تهريب الدواء والطحين والسكر والزيوت المستوردة إلى دول أخرى كالأردن والعراق وغيرهما، ما يتسبب بمزيد من الاستنزاف مما تبقى من احتياطي مصرف لبنان.
أما التضخم، فمع ضبط سعر الصرف والاستهلاك سيتراجع ولن يستمر بالارتفاع فيما لامس حالياً التضخم مستوى يفوق 200 في المئة.
يتخبّط لبنان بأزمة هي الأشد في تاريخه، أوضح، وفيما الانهيار مستمر، يبقى الحل بالإصلاح ووقف الهدر والفساد لإعادة إطلاق عجلة النمو واستعادة الثقة، وما دون ذلك سيبقى محاولات ناقصة قد تزيد من مآسي الشعب.
لا انفراجة متوقعة في لبنان
قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، خلال مناسبة نظمتها وكالة "رويترز" عبر الإنترنت اليوم الجمعة، إنه لا يوجد سبب حتى الآن لتوقع حدوث انفراجة للأزمة الاقتصادية في لبنان.
وأشارت جورجيفا إلى أن مسؤولي صندوق النقد الدولي لا زالوا يعملون مع لبنان، لكن لم يتضح ما إذا كان من الممكن أن تتوحد قيادات البلاد والأطراف الفاعلة والمجتمع حول الإصلاحات الضرورية لتحقيق استقرار اقتصادها والعودة إلى مسار النمو.
وأضافت أن الوضع في لبنان "يفطر قلبي" لأن البلد له ثقافة قوية في ريادة الأعمال، ويستقبل لاجئين من فلسطين وسوريا مساعدة منه في تخفيف أزمة إنسانية كبيرة.
وكانت الليرة اللبنانية هوت، الجمعة، إلى مستوى منخفض جديد مقابل الدولار في السوق الموازية، حيث فقدت نحو 80 في المئة من قيمتها منذ أكتوبر الماضي، فيما قال هاني بحصلي رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية والمنتجات الاستهلاكية والمشروبات، لـ"رويترز"، إن مستوردي الأغذية أشاروا إلى سعر 7500 ليرة لشراء الدولار اليوم الجمعة. وأشار متعامل ثان في السوق إلى أن سعر صرف تراوح بين 7300 و7600 ليرة.
يأتي ذلك مقارنة مع أسعار 3850-3900 لدى الصرافين المرخصين وسعر الربط الرسمي للعملة عند 1507.5، الذي لا يزال البنك المركزي يطبقه على واردات القمح والأدوية والوقود.
وقال البنك المركزي، في بيان الجمعة، إنه يجري تدبير سيولة عند أسعار صرف بين 3850 و3900، معلناً تفعيل منصة تداول إلكترونية جديدة لدى الصرافين المرخصين.