Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العنصرية في العالمين الجديد والقديم من ندوب الماضي الكولونيالي 

يبدو أن صفحة جديدة في الانظمة الديمقراطية تبدأ، وتعد بمشروع سياسي يُنصف الأفريقيين الأميركيين

مع تردّد أصداء الاحتجاجات في الولايات المتحدة على مقتل جورج فلويد، وانتقال عدواها إلى دول أوروبية، برزت مسألة الإرث الكولونيالي وما ترتب عليه من تمييز عنصريّ ضد المتحدّرين من المستعمرات السابقة في أفريقيا وغيرها. ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، وفيات البريطانيين السود جراء كورونا هي ضعفا عددها في أوساط البيض. أما نسبة فتك فيروس كورونا بالأفارقة الأميركيين في الولايات المتحدة، فتبلغ 3 أضعاف نظيرها في أوساط البيض، وفاقت النسبة هذه في أوساط السود بولاية كنساس 7 أضعاف نظيرها في أوساط البيض، وفي العاصمة واشنطن 6 أضعاف وفي ميتشيغان وميسوري 5 أضعاف، استناداً إلى تقرير عنوانه "لون فيروس كورونا" صدر عن مركز "آي بي أم" في مايو (أيار) المنصرم.

وتناول الاقتصادي توماس بيكيتي صاحب "رأس المال في القرن الحادي والعشرين (2013)" في "لوموند" الفرنسية موجة الاحتجاج على العنصرية والتمييز الاجتماعي والعنصري، ودعا إلى التعويض عن الماضي الكولونيالي وإرث الرق والعبودية من طريق تغيير النظام الاقتصادي وتقليص هوة التفاوت الاجتماعي. ففي نهاية الحرب الأهلية الأميركية في 1865، وعد لينكولن العبيد المعتقين بمنح كل منهم "بغلاً وقطعة أرض مساحتها40 فداناً" لتعويض المحررين عن عقود من سوء المعاملة والعمل بالسخرة وتعبيد الطريق أمام مباشرة حياتهم المقبلة كعمال أحرار. ولكنه أخلّ بهذا الوعد ولم يبصر النور توزيع جديد للأرض الزراعية على نطاق واسع.

فما إن انتهت الحرب الأهلية، طوى النسيان وعد لينكولن وصار في عين المحررين رمز خداع أبناء الشمال الأميركي. فأنصار الرقّ في الحزب الديمقراطي، أطبقوا اليد على الجنوب وأرسوا الفصل العنصري طوال قرن إلى حين بروز حركة الحقوق المدنية في الستينيات.

وفي مراحل تاريخية أخرى، لم يكن الأميركيون سواسية أمام العنصرية كذلك. ففي 1988، تبنّى الكونغرس قانوناً قضى بمنح 20 ألف دولار للأميركيين – اليابانيين الذين اعتقلوا في الحرب العالمية الثانية بين 1942 و1946. ويرى بيكيتي أن منح الأفارقة – الأميركيين مثل هذا التعويض له قيمة رمزية وازنة.

وفي المملكة المتحدة وفرنسا، ترافق إلغاء الرقّ مع تعويض الخزانة العامة الماليكن، وهم "الأسياد" السابقون. وتعاطف مثقفون ليبراليون فرنسيون بارزون من أمثال أليكسيس دو توكفيل وداعية إلغاء العبودية، فيكتور شولشير، مع هؤلاء ورأوا أن تعويضهم عن فقدان "ملكيتهم" عادل. وتُرك العبيد السابقون لمصيرهم في الكد وشظف العيش، وأُلزموا بإبرام عقد عمل طويل الأمد مع رب عمل وحمل نسخة منه وإلا اعتقلوا بتهمة الترحال والتيه. وفي بعض المستعمرات الفرنسية كانت الأعمال الشاقة جزاء تجوال الرقيق السابقين إلى عام 1950. وسلّط بيكيتي الضوء على ما تلى إلغاء العبودية في 1833 في المملكة المتحدة. وحينها سُدّد نحو 5 في المئة من العائد الوطني البريطاني (نحو 120 مليار يورو اليوم) إلى 4 آلاف مالك من ملاّك العبيد، مع تعويضات معدلها يساوي اليوم 30 مليون يورو. وهذه التعويضات لا تزال مظاهر الثراء الناجمة عنها ماثلة إلى اليوم.

ومنحت كذلك تعويضات لمالكي الرقيق السابقين منذ 1848 في جزر لا ريونيون وغوادالوب، والمارتينيك وغويانا. وكانت الدومينيكان جوهرة الجزر الفرنسية المستعمرة في القرن الثامن عشر، قبل اندلاع ثورة 1791 وإعلانها الاستقلال في 1804 وتغيير اسمها إلى هايتي. ولكن الحكومة الفرنسية، فرضت على هذا البلد ديناً ضخماً قيمته يومها 300 في المئة من الناتج المحلي من أجل تعويض الأسياد الفرنسيين عن خسارة ملكية الرقيق. ولم يكن أمام الجزيرة غير الصدوع مخافة اجتياح أراضيها، وواصلت سداد الدين وفوائده للمصرفيين الفرنسيين والأميركيين، إلى 1950.

واليوم تطالب هايتي فرنسا بهذا الدين- ويساوي اليوم نحو 30 مليار يورو من دون احتساب الفوائد. وكان الدين هذا في مثابة خوّة مقابل عتق سكانها من العبودية.

ولا تزال مسألة ملكية الأرض في جنوب أفريقيا شائكة. ويسري الغضب في أوساط الأغلبية، وهم من السود، من مصادرة ملكياتهم بناء على معايير عنصرية بعد أكثر من ربع قرن على طيّ صفحة حُكم الأقلية البيض. وهذه المشكلة تعود إلى العهد الكولونيالي حين صودرت أملاك شطر راجح من السود في 1913. وفي مطلع 2020، اقترحت حكومة جنوب أفريقيا تعديل الدستور من أجل مصادرة أراض من دون مقابل. ويرمي مشروع التعديل هذا إلى معالجة الإجحاف القانوني الناجم عن منح البيض 87 في المئة من أراضي جنوب أفريقيا، ومنح المواطنين فرصة الزراعة ووسيلة لتحصيل العيش، في وقت يفوق عدد الحضريين أكثر من ثلثي سكان البلاد. حمل المشروع هذا وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، على التدخل والتحذير من أثره السلبي في الاقتصاد، وسدّ أبواب السوق الأميركية في وجه السلع الجنوب أفريقية. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 ويدعو بيكيتي أولاً، إلى الاحتكام إلى التصويت الديمقراطي في تذليل إرث الماضي الثقيل، بدءاً من تغيير أسماء الشوارع المسماة تيمناً بأصحاب تجار الرقيق وصولاً إلى تعويض المتحدّرين من الرقيق. وثانياً، إلى المضيّ قدماً نحو المستقبل وتذليل مشكلات العنصرية والكولونيالية من طريق تغيير النظام الاقتصادي وتقليص هوّة التفاوت الاجتماعي وإرساء تكافؤ الفرص في التحصيل العلمي والوظيفة والملكية أياً كانت أصول المواطنين، سواء من السود أو البيض.

خلاصة القول أن الماضي البعيد يبدو قريباً ولم يمضِ بعد ولم تطوَ ذيوله. وكأن مفاعيل الرق عابرة للأجيال وتنتقل من الأجداد إلى أحفاد الأحفاد. ويبدو كذلك أن صفحة جديدة في الانظمة الديمقراطية تبدأ، وتعد بمشروع سياسي يُنصف الافريقيين الاميركيين وغيرهم من أبناء الأقليات في الولايات المتحدة وغيرها، في وقت يتعاظم غلو مشاعر التفوق الأبيض في صفوف الحزب الجمهوري والشعبوية في أوروبا.

المزيد من تحلیل