Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هلع الفيروس يضع كلمة النهاية أمام "بعبع" الثانوية العامة

الطلاب يتغلبون على رهبة الامتحانات برهاب كورونا

امتحانات الثانوية العامة زمن كورونا تمر بإجراءات استثنائية  (وزارة التربية والتعليم المصرية)

اصطفت الصفوف، وحُجِبت الأنوف، وتباعدت الأجساد، وفي أقوال أخرى تلاصقت، وتسارعت دقات القلوب، واشتدت درجات الحرارة، وتواتر وقوف الأهل على الجهة المقابلة رغم التحذيرات والتتنويهات، وحين دقت العاشرة، كان ما يزيد على 650 ألف طالب وطالبة يسطرون الإجابات الأولى على ورقة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الثانوي المعروفة بـ"الثانوية العامة".

حرارة وتعقيم

الثانوية العامة "بعبع كل بيت مصري" و"السنة المصيرية" في حياة كل مواطن انتهج طريق التعليم العام، انطلقت قبل ساعات في أجواء حارة من حيث الطقس، ملتهبة من حيث التوتر، معقمة من حيث الوباء، وموضوعة تحت العدسات الشعبية المكبرة والتلسكوبات السياسية المتابعة.

متابعة الدولة بكل أجهزتها لامتحانات الثانوية العامة، التي بدأت صباح اليوم الأحد غير مسبوقة. وزارات التربية والتعليم والتعليم الفني والصحة والداخلية والتنمية المحلية والدفاع والاتصالات جميعها ضالع في موسم امتحانات الثانوية العامة الأصعب في تاريخ مصر الحديث.

صعوبة الامتحانات الدائرة رحاها حالياً لم تعد مقتصرة على التمحيص والتدقيق الكلاسيكيين في مستوى الأسئلة، وهل هي في مستوى الطالب المتوسط أو فوقه أو تحته، أو حتى في صعوبة الأجواء حيث تلويح بورقة "تشاو مينغ" ملك الغش والتسريب، أو تنويه بغش جماعي في لجنة هنا أو إهمال متعمد في لجنة هناك.

 

 

بدأت الامتحانات

الثانوية العامة في زمن كورونا تعني أن الامتحانات قد بدأت، رغم طوفان الشد والجذب بين مطالبات بتأجيل ومقترحات بتحويل الامتحانات إلى أبحاث، يسهل تكليف آخرين بإعدادها والاعتماد على غوغل في إنجازها، ومناشدات بأن تتحول إلى سنة نجاح ورسوب دون النظر إلى ماراثون مكتب التنسيق للالتحاق بالجامعات. أسابيع طويلة من الضرب تحت الحزام منذ اتضح توجه الدولة لعقد الامتحانات رغم أنف الفيروس واستمرار البلاد في مرحلة الذروة، والتراشق باتهامات تتراوح بين مافيا دروس خصوصية تدفع للتأجيل أو الإلغاء وصراخ مراكزها التي أغلقت أبوابها وفقدت أرباحها، وانسياق البعض من الآباء والأمهات وراء أدرينالين الرفض والتنديد لكل ما يصدر عن الوزارة المعنية بالتعليم، مع صوت يكاد لا يسمع من قبل أصحاب الشأن، جيش مصر الجرار وقوامه 667 ألفاً و315 مقاتلاً ومقاتلة في صفوف الثانوية العامة.

جيش جرار

هذا الجيش الجرار اصطف أغلبه صباح اليوم أمام ثلاثة آلاف و213 لجنة أساسية و56 ألفاً و591 لجنة فرعية قبل الدخول إلى قاعات الامتحان. كبائن تعقيم وقياس حرارة وتغليف للأحذية ومطهرات للأيدي وإجراءات احترازية تراوحت بشدة في درجات اتباعها بين لجنة وأخرى.

وكما هو متوقع، فإن اللجان المنعقدة في الأماكن المزدحمة والشعبية شهدت تقلصاً وتقهقراً لإجراءات التباعد الاجتماعي وتهميشاً لقواعد الحماية والوقاية، حيث تدلت كمامات أسفل الأنوف وهبطت أخرى لتستقر عند الذقون، تيسيراً لعمليات التقبيل والأحضان لزملاء وزميلات التقوا على أبواب اللجان بعد أشهر طويلة من الحظر والإغلاق.

وعلى الرغم من إغلاق أبواب اللجان بالسلاسل الحديدية وبدء الامتحانات وسط حماية وتأمين من قبل قوات الشرطة، ورغم مناشدات متواترة طيلة الأيام الماضية، فإن الملايين من الأهالي، لا سيما الأمهات، ظلوا مرابطين أمام البوابات المغلقة في أنحاء مصر. هذه العادة المصرية الأصيلة، حيث تتمركز الأمهات لساعات طويلة على الأرصفة المواجهة لمقار انعقاد امتحانات الأبناء والبنات بدءاً من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف الثالث الثانوية لم تهدأ بفعل رسائل الطمأنة الرسمية، أو تفتر تحت رهبة الفيروس. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لو تكلم الفيروس

ولو قُدِر للفيروس أن يتكلم لعبر عن دهشته العميقة من تجمهر أعداد غفيرة من الأهل، أغلبهم أمهات، على أبواب عدد من اللجان. بينما أذعن آخرون لإصرار الأمن على التقهقر إلى الخلف، لكنهم رابطوا على الرصيف المواجه، غير عابئين بفيروس أو بدرجة حرارة تعدت 42 درجة مئوية. إحدى الأمهات قالت عن إصرارها على المرابطة أمام مقر اللجنة التي تمتحن فيها ابنتها، رغم الحرارة والوباء، "نحن أمهات مصر. ندعم أبناءنا ولا نلقي بالاً لفيروس. ربنا هو الحامي".

ولحسن الحظ أن القدرية المفرطة للبعض من الأمهات قابلتها منطقية معتدلة لدى البعض الآخر. مجموعة "اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم"، وهي صفحة أسستها مجموعة من الأمهات الناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي لمناقشة أمور التعليم الخاصة بالأبناء، أصدرت بياناً صباح اليوم ناشدت فيه الأمهات والآباء التوقف فوراً عن التجمهر أمام اللجان، محذرة من أن هذا التجمهر يساعد على ارتفاع معدلات الإصابة بكورونا.

التواصل الاجتماعي لاعب رئيس

يشار إلى أن مئات الصفحات المدشنة على مواقع التواصل الاجتماعي دخلت كلاعب رئيس في حلبة الصراع والجدل الدائرة رحاها في شأن امتحانات الثانوية العامة هذا العام. البعض من هذه الصفحات لأمهات يتناقشن ويتداولن مسائل تتعلق بالتعليم. البعض الآخر يقف وراءه معلمون غاضبون لأسباب مختلفة تتراوح بين مطالبات بزيادة الرواتب وغضب للتضييق على الدروس الخصوصية وأمنيات بتأجيل الامتحانات لتعويض ما فات من أرباح الدروس الضائعة. نوعية ثالثة من الصفحات يديرها أصحاب توجهات سياسية معارضة للنظام ويدقون على أوتار التعليم لإثارة الغضب بين المواطنين. ونوعية رابعة يتم تدشينها من قبل أحزاب أو أفراد للرد على صفحات المعارضين والدفاع عن الدولة والوزارات المعنية.

رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير التربية والتعليم والتعليم الفني طارق شوقي ووزيرة الصحة والسكان هالة زايد زاروا إحدى المدارس المنعقدة فيها امتحانات الثانوية العامة، صباح اليوم، قبل بدء امتحان اللغة العربية. الزيارة الرمزية عكست اهتمام الدولة بتفاصيل امتحانات الثانوية العامة في زمن كورونا، إذ لم تتعد دقائق معدودة لكن الرسالة كانت قد وصلت، "امتحانات الثانوية العامة المنعقدة في زمن استثنائي تخضع لإجراءات استثنائية وتحظى باهتمام ومتابعة استثنائيين".

 

 

أجواء وبائية

وكون امتحانات الثانوية العامة هذا العام تنعقد في أجواء وبائية استثنائية لم يعفها من المرور بظواهر ومظاهر لم تعد استثنائية. تسريب امتحان اللغة العربية على صفحة عنكبوتية تدّعي أنها "تشاو مينغ" الأصلي، تبعها خبر إلقاء القبض على طالبين جامعيين وراء التسريب. ووقوع عدد من حالات الإغماء لطلاب وطالبات، وهي سمة كل عام نتيجة الإجهاد والتوتر، لكن حالات الإغماء اليوم أضيف إليها عنصر الهلع من أن يكون الإغماء ناجماً عن الإصابة بالفيروس.

فيروس الهاشتاغ والتدوينات وخلق أجواء رأي عام عبر الإيحاء من على أثير مواقع التواصل الاجتماعي دخل في منافسة شرسة أمام فيروس كورونا. الأسابيع القليلة الماضية شهدت ولادات متفجرة لهاشتاغات تدور في فلك المطالبة بإلغاء امتحانات الثانوية العامة. ووصل الأمر بالبعض إلى تدشين التماسات موجهة إلى المجتمع الدولي للتدخل لدى الحكومة المصرية لإلغاء امتحانات الثانوية العامة معتبرين عقد الامتحانات "شروعاً في قتل".

الغريب أن الإجراءات التي اتبعتها وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني تسمح لمن يرغب بتأجيل امتحاناته للعام المقبل. كما تنص بحق الطلاب المصابين هم أو أي من أفراد أسرهم بفيروس كورونا أو الذين يعيشون في منطقة عزل صحي في دخول امتحانات الدور الثاني بالدرجة الفعلية. الأغرب أن أعداد من تقدموا بطلبات التأجيل للعام المقبل، أو دخول الدور الثاني منخفضة جداً. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تقدم ستة طلاب من مجموع 20 ألف طالب ثانوية عامة في محافظة بني سويف، بصعيد مصر، بطلبات لتأجيل امتحاناتهم.

الأثر الجانبي الإيجابي الواضح للامتحانات المصيرية المنعقدة في كنف الفيروس هو أن وساوس صعوبة الامتحان وسهولته وخضوع الأسئلة لعمليات تقييم مجهرية لتحديد صعوبتها والإغراق في مطالبات تيسير التصحيح والرفق بالطلاب تقهقر أمام سطوة مرور اليوم الأول بهدوء نسبي رغم الصخب الرهيب في الأيام السابقة. وبدلاً من سطوة عناوين "الامتحان في مستوى الطالب المتوسط" أصبحت الغلبة لـ"الامتحان في مستوى الطالب المتغلب على رهاب الفيروس".

رعب الامتحانات وهلع الفيروس

ومع انتهاء اليوم الأول من سباق الثانوية العامة المثير للرعب طيلة عقود مضت والمسبب للهلع في زمن كورونا، تنفس القائمون على أمر وزارات التربية والتعليم والصحة والداخلية الصعداء، وتركت الأمهات المتمرسات في مواجهة المدارس مواقعهن، وعادت جيوش المقاتلين والمقاتلات من الطلاب والطالبات إلى بيوتهم استعداداً لمعاودة تلاحق الأنفاس وتمترس الأمهات وعودة المقاتلين يوم الخميس المقبل وامتحان اللغة الأجنبية الأولى.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات