Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زادت كورونا معدلات العنف الأسري وعلينا التصدي لهذا الوباء الخفي

تحمّلت النساء الوزر الأكبر لحال الإحباط والغضب والأطفال في دائرة الخطر

العنف الأسري من الأمراض الخفية والمستشرية في المجتمع التي فاقمها كورونا (رويترز)

أن تستيقظ على صوت صراخ، وضرب وصياح غاضب وأصوات مخيفة يصدرها ارتطام شخص بالحائط أو الطاولة أو الأرض، هذا هو الواقع المرعب الذي يعيشه الكثير من الأطفال والفتية والفتيات في دول الكومنولث، وبينما ترزح الاقتصادات والمؤسسات وقطاعات الرعاية الاجتماعية تحت ضغوطات جائحة كوفيد-19 غير المسبوقة، يتفاقم الخطر الذي يعيشه ملايين الأشخاص العالقين في شِباك العنف الأُسري والعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي.

فالدلائل التي بدأت بالظهور حول وقع إجراءات الحجر الأساسية والتبعات الاقتصادية للجائحة ترسم صورة مرعبة، إذ أدّت الأزمة إلى ارتفاع مخيف في معدلات العنف الأسري، فتحمّلت النساء الوزر الأكبر لحال الإحباط والغضب، كما وردت تقارير من بعض المناطق عن منع النساء من الذهاب إلى الطبيب وعن البصق على الطبيبات أثناء إجرائهن فحص كوفيد-19 لنساء أخريات.

ونرى كذلك ارتفاعاً في عدد مكالمات الطوارئ التي تتلقّاها خطوط المساعدة الهاتفية، يتراوح بين 25 و300 في المئة، وزيادة هائلة في البحث عن المساعدة على الإنترنت لمن يعانون من العنف الأُسري، وارتفاعاً في معدلات جرائم القتل المنزلية، هذه التوجهات مقلقة للغاية ويجب عدم تجاهلها.

نعلم من خلال التجربة أنّ النساء غالباً ما يلحق بهن ضررٌ أكبر من الآخرين خلال الأزمات والأوبئة وحالياً هذه الجائحة، وأنّ العنف الأُسري غالباً ما يتفاقم، ففي غرب أفريقيا، شكّلت النساء 60 في المئة من إجمالي الوفيات التي أوقعها وباء إيبولا عام 2014، بينما ارتفعت معدّلات العنف الأُسري في أعقاب زلزال كانتربري في نيوزيلندا، بنسبة 53 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعود ذلك بشكل أساسي إلى الحدّ من قدرة النساء على الوصول إلى الخدمات الطبية بسبب اختلاف الأدوار المُسندة إلى الجنسين وبسبب الممارسات الخاطئة، بما فيها تقاليد مثل الزواج القسري أو المُبكر، وتؤدي النساء ثلاثة أضعاف أعمال الرعاية غير المدفوعة في المنزل مقارنة بالرجال، ويشكّلن 70 في المئة من العاملين في قطاعي الصحة والرعاية الاجتماعية، وهنّ بالتالي في مرمى العدوى تماماً.

وخلال جائحة كوفيد-19 الراهنة، يسهم إغلاق المدارس في ترسيخ الفجوات التعليمية بين الفتيان والفتيات، كما يعرّض المزيد من الفتيات لخطر الاستغلال الجنسي، والحمل المُبكر والزواج المُبكر أو القسري، وهو يعني كذلك أنّ الأطفال باتوا عاجزين عن إبلاغ معلّمٍ يثقون به عن تعرّضهم للاعتداء، وبسبب تقييد زيارات الشرطة أو العاملين في المجال الصحي إلى المنازل، وتحويل ملاجئ العنف إلى منشآت صحيّة، وإغلاق المحاكم القسري، يجد الكثير من الضحايا أنفسهم عالقين في مأزق ويشعرون بتخلّي الآخرين عنهم.

ويقتضي التخفيف من الآثار الكارثية لجائحة العنف الأسري الخفية مساع قوية ومتضافرة، ولهذا تعمل أمانة الكومنولث مع المنظمات الشريكة على وضع إجراءات من شأنها أن تساعد دولنا الأعضاء الـ 54 على وقف الموجة المتزايدة للعنف الجنساني.

وخلال اجتماعاتنا بمنظمات نظيرة مثل المنظمة الدولية للفرنكوفونية ومنتدى جزر المحيط الهادئ ومجلس أوروبا ومجموعة البلدان الناطقة بالإسبانية، بحثنا سبل وآليات التعاون لكي نضمن إيلاء النساء موقعاً أساسياً في الخطط التي سوف تُرسم حول مرحلة التعافي اللاحقة من الوباء، وسوف يعمل كل طرف منّا مع دوله الأعضاء بُغية إرساء معالجات وتدخلات في مجال السياسات تصبّ في مجال حماية الضحايا والمعرّضين للخطر.

وأتاحت لنا هذه المناقشات فرصة تشارك المخاوف والأفكار التي نقلتها لنا حكومات الدول الأعضاء، وتحديد نقاط البحث الأساسية خلال الاجتماعات الوزارية المقبلة التي ينظّمها الكومنولث.

من الواضح مثلاً، أنّ إحدى الأولويات المهمة هي توفير الرعاية الصحية الأساسية مجاناً في مراكز تقديمها لكل المواطنين والمجتمعات، فكل الدلائل تشير إلى وجود صلة واضحة بين الأنظمة الصحية الضعيفة والتعرّض للعنف الأسري، لذلك يجب التحرّك فوراً حرصاً على تمكّن ضحايا الاعتداء من الحصول على الرعاية الصحية التي يحتاجونها، بما في ذلك خدمات الدعم النفسي، خلال جائحة كوفيد-19.

ومن المهم جداً كذلك أن تشمل استراتيجيات ما بعد الوباء تخصيص التمويل والدعم للمؤسسات التجارية المتوسطة والصغيرة والبالغة الصغر التي تترأسها النساء إجمالاً، ويحتاج الكثير منهنّ إلى ضمان الاستقلالية المادية من أجل النجاة من أوضاعهنّ الأسرية الخطيرة.

وأشدد الآن بشكل خاص على أهمية إعطاء الفرصة لدول الكومنولث، من خلال عقد الاجتماعات والمنتديات الافتراضية، كي تتبادل المعرفة والموارد والتجارب حول أفضل الطرق من أجل المضي قدماً في ظلّ التغيّر السريع للعمليات والظروف التي تحكم عملنا حالياً، ومن المشجّع في هذا السياق، أننا نرى بالفعل عبر دول الكومنولث دلائل على تجدّد الالتزام والعمل من أجل القضاء على العنف ضد النساء والفتيات.

وتبذل دولنا الأعضاء الكثير من أجل إبقاء ملاجئ العنف الأسري مفتوحة الأبواب خلال فترة انتشار الوباء، كما تبرز أمثلة على إقامة شراكات خلّاقة بين المؤسسات التجارية والمنظمات بهدف توفير أماكن بديلة يمكن للضحايا استخدامها كملاجئ.

واستطاعت بعض الحكومات الأخرى أن توفّر موارد وتمويلاً إضافياً للمنظمات التي تدعم الضحايا كي تتمكّن من الارتقاء بمستوى عملياتها وتستمر بتوفير خدماتها بطريقة آمنة، كما تسمح الابتكارات المفيدة الأخرى مثل تنظيم جلسات الاستماع عن بُعد وإسداء النصائح القانونية في العالم الافتراضي للناجيات بالوصول المستمرّ إلى العدالة.

ولمستُ بوضوح في لقاءاتي مع المسؤولين وقادة قطاعات التنمية الإحساس الطارئ بضرورة التحرّك من أجل حماية النساء والفتيات اللواتي يتعرّضن للاعتداء والعزل واللكم والركل وحتّى القتل في منازلهنّ، وللأسف أنّ الأطفال الذين يعيشون داخل منازل فيها عنف قد لا يشهدون على العنف فحسب بل ربّما يتعرضون للاعتداء، فالعنف داخل المنزل من أكثر التحديات انتشاراً في مجال حقوق الإنسان في عصرنا الحالي، ولذلك، جميع دول الكومنولث على أهبة الاستعداد لوضع كامل قدرتها على المناصرة والدعم في خدمة إعلان الأمم المتحدة المُرتقب حول النساء وكوفيد-19.

ونحن نوسّع نطاق أعمال المناصرة من خلال سلسلة من المبادرات، تتضمن إقامة حجج اقتصادية صلبة تؤيّد التصدي للعنف القائم على أساس الجنس من خلال تحديد الكلفة الاقتصادية الباهظة في حال لم نتحرّك في هذا الاتّجاه، وتظهر الدراسة التي أجراها مشروع الكومنولث "الكلفة الاقتصادية للعنف ضد النساء والفتيات في جزر السيشيل" في العام 2019 قبل الجائحة، أنّ العنف القائم على أساس جنساني تقدّر تكلفته بـ 4.625 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

كما سنعقد جلسة متابعة افتراضية للاجتماع الوزاري حول شؤون المرأة الذي نُظّم في سبتمبر (أيلول) الماضي، من أجل وضع خطة عمل تهدف إلى دعم النساء والفتيات خلال أزمة كوفيد-19، لأنه لا يمكننا بكل بساطة أن نسمح لضحايا العنف الأسري والجنساني أن يشعرن بأنهن عالقات وعاجزات في ظلّ هذه الجائحة الخفيّة الموازية.

(تشغل باتريسيا سكوتلاند الموقّرة منصب الأمينة العامة لدول الكومنولث)

© The Independent

المزيد من آراء