Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نهاية الكساد الاقتصادي الطويل في كردستان العراق؟

لا يملك إقليم كُردستان اقتصاداً منوعاً، ولا حتى موقعاً جُغرافياً رحباً، لذلك فإن عودة أزماته الاقتصادية أكثر قابلية للاندلاع بين فترة وأخرى

تؤثر الظروف السياسية والعلاقات الإقليمية لكردستان في أداء اقتصاد الإقليم بشكل مصيري (اندبندنت عربية)

جرت ثلاثة أحداث اقتصادية سياسية في إقليم كُردستان العراق خلال الأسبوع الماضي، اعتُبرت مُجتمعةً مؤشراً إلى احتمال نهاية "الكساد الاقتصادي" الذي يعيشه الإقليم مُنذ صيف العام 2014، بعدما كان يشهد فورة تنموية واقتصادية وعُمرانية واجتماعية مُنذ العام 2005، عقب تلقيه دفعات مُنتظمة من الموازنة العراقية، بمعدل 17% سنوياً، ومبالغ مماثلة من المساعدات الدولية التي قُدمت للعراق طوال تلك السنوات. إذ أرسلت وزارة المالية العراقية قُرابة 725 مليار دينار عراقي (ما يزيد على 600 مليون دولار)، هي قيمة رواتب موظفي إقليم كُردستان العراق لشهر مارس (آذار)، وفروق رواتب الموظفين لشهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط)، إذ تدفع حكومة الإقليم نسبة معينة من تلك الرواتب فحسب.
كذلك أصدر رئيس وزراء الإقليم، نيجرفان البارزاني، قراراً بإلغاء نظام الادخار الإجباري، الذي بدأ الإقليم تطبيقه مُنذ شهر فبراير (شباط) 2016، وصارت مذاك تُدخر نسبة 40- 70% من رواتب موظفي الإقليم. فعقب الأزمة الاقتصادية الخانقة لم تكن حكومة الإقليم قادرة على دفع رواتب الكتلة الضخمة من موظفيها العموميين، الذين يزيد عددهم على 1.4 مليون، كانت تخصص لهم حكومة الإقليم أكثر من 700 مليون دولار شهرياً قبل الأزمة، ثم خفضته إلى 375 مليوناً، في شهر فبراير (شباط) 2016، إلى أن أعلن رئيس وزراء الإقليم نهاية العمل بهذا النِظام في أوائل الشهر الحالي.
فوق ذلك، أعلن اتحاد المستثمرين في الإقليم أن حجم الاستثمارات في الإقليم قد تجاوز الـ50 مليار دولار، ويشكل الاستثمار الخارجي منها قُرابة الثُلث، موزعاً على القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية. وهو ما قد يزيد من نسبة النمو في الإقليم.
أربعة ظروف 
هذه المؤشرات، وغيرها مما هو أقل بروزاً مثل نمو سوق العقارات وزيادة الحركة السياحية، تأتي في ظلال أربعة أحداث اقتصادية سياسية تُحيط بالإقليم وعلاقته بالحكومة والسُلطة المركزية في بغداد.
فقد حُلت مسألة الموازنة العامة المركزية في العراق بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كُردستان العراق، عبر حلول وسطى تُرضي الطرفين. فالإقليم ظل يُطالب بأن يُمنح نسبة 17% التي كان يحصل عليها طوال الأعوام بين 2005- 2014، وبقيت الحكومة المركزية تقول إنها لا تراعي حسابات التوازن السُكاني الذي يجب أن توزع حسبها الموازنة، وأن إقليم كُردستان العراق له أن يحصل على 12.67% فقط من الموازنة العامة.
علماً أن تعيين رئيس ديوان رئاسة إقليم كُردستان العراق السابق فؤاد حسين في منصب وزير المالية في الحكومة المركزية أسهم في حلحلة القضية. فمقابل بقاء حصة الإقليم نحو ا12% من مجموع الموازنة العامة التي قُدرت بنحو 110 مليارات دولار، فإن المادة العاشرة من قانون الموازنة ذهبت لإقرار نسبة من موازنة القوات الاتحادية مخصصاتٍ ورواتبَ لقوات البشمركة الكُردية، وكذلك ألزمت الحكومة المركزية بدفع رواتب موظفي إقليم كُردستان العراق، بغض النظر عن الخلافات السياسية بين الطرفين، على أن تتعهد حكومة إقليم كُردستان تسليم 250 ألف برميل نفط يومياً من انتاجها العام إلى شركة سومو الوطنية العراقية لتصدير النفط، إذ يُقدّر ذلك الانتاج راهناً بنحو 420 ألف برميل يومياً، ويُتوقع أن يصل إلى أكثر من نصف مليون برميل مع نهاية هذا العام.
وزير النفط العراقي الأسبق ثامر الغضبان عبّر عن تفاؤله بهذا الاتفاق وبالتزام حكومة إقليم كُردستان العراق ما ورد من شروط غير صعبة في صيغة قانون الموازنة، خصوصاً أن هذا التوافق يستند إلى اتفاق سياسي اقتصادي بين رئيس وزراء الحكومة المركزية ونظيره الكردستاني الإقليمي.
كذلك، فإن الأحوال الداخلية في الإقليم قد شهدت تحولاً سياسياً نوعياً بعدما خط الحزبان الرئيسان اتفاقية، استطاعا عبرها تجاوز تراكم سوء الفهم والتنسيق بينهما، منذ أزمة أحداث كركوك في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2017، حينما أتهم الحزب الديمقراطي الكُردستاني نظيره الاتحاد الوطني بتسليم كركوك والمناطق المتنازع عليها للسُلطة المركزية عبر اتفاق خاص برعاية إيرانية. تراكم ذلك في ما بعد، عندما لم يتوافق الحزبان على مُرشح كُردي واحد لرئاسة العراق.  
ثمة أيضاً عاملان آخران أسهما في تفكك أزمة إقليم كُردستان العراق الاقتصادية. فقد انتهت حرب داعش، الذي كان يحتل منطقة غرب إقليم كُردستان العراق وجنوبه، وحيث كان يقاسم هذا التنظيم الإرهابي إقليم كُردستان بحدود مُشتركة تزيد على ألف كيلومتر، ويستنزف نسبة كبيرة من موازنة الإقليم.  
وقد ارتفعت الأسعار العالمية للنفط الذي يوفر أكثر من 90% من موارد الإقليم.
مالية أو اقتصاد؟ 
لا يملك إقليم كُردستان العراق بنية متماسكة من النشاطات والقطاعات التي يُمكن تسميتها بمجموعها بـ"الاقتصاد العام". بل إن دورة الحياة العامة الاقتصادية داخله أقرب ما تكون إلى "مالية ضخمة"، تحصل فيها الحكومة الإقليمية على موارد بيع النفط أو نسبة الإقليم من الموازنة العامة العراقية، ثم توزعها على كُتلة الموظفين العموميين الضخمة، وبعض القطاعات الخدمية.
صحيح أن الإقليم تجاوز الأزمة الضخمة التي كادت تُطيح الحياة العامة بداخله وتُحدث أزمات اجتماعية وسياسية ضخمة في الإقليم، لكنها لا تعني أن الإقليم تعافى تماماً من تلك الأزمات، التي يُمكنها أن تتكرر بين فترة وأخرى.
المُعضلة كامنة في ارتباط اقتصاد الإقليم بظرفه وعلاقاته السياسية، سواء مع الحكومة والقوى السياسية الداخلية في العراق، أو مع الجار التركي الذي يتحكم بأنبوب تصدير النفط الكُردي عبر ميناء جيهان على البحر المتوسط.
لا يملك إقليم كردستان اقتصاداً منوعاً، ولا حتى موقعاً جغرافياً رحباً، لذلك فإن عودة أزماته الاقتصادية أكثر قابلية للاندلاع بين الحين والحين.

المزيد من اقتصاد