Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا توافق سودانيا على نظام الحكم المطلوب

يفضلون 3 أنظمة حكم: فيدرالي برلماني ولامركزي

السودان بلد متعدد ومتنوع الثقافات والأعراق ويشهد تبايناً في التنمية في مختلف أقاليمه (رويترز)

تباينت آراء سياسيين ومتخصّصين سودانيين حول شكل الحكم الملائم للبلاد خلال الفترة الديمقراطية المقبلة التي ستعقب المرحلة الانتقالية، ما بين الحكم الفيدرالي، والنظام البرلماني، والحكم اللامركزي. ويستبعد هؤلاء الحكم المركزي الذي يعتبرون أنه كان أحد الأسباب الرئيسة لاندلاع الحرب الأهلية في جنوب البلاد وغربها وشرقها، فضلاً عن كونه لا يتلاءم مع تركيبة السودان السكانية القائمة على التنوع العرقي والاثني والثقافي. لكنهم يؤكدون في حديثهم إلى "اندبندنت عربية"، أن حسم هذه القضية، يجب أن يتم في المؤتمر الدستوري المزمع عقده في نهاية الحكم الانتقالي.

ويلفت هؤلاء السياسيون والمتخصّصون، إلى أهمية إيجاد صيغة تضمن المشاركة الفاعلة لجميع أهل السودان وأقاليمه المختلفة، مع مراعاة التغييرات التي أحدثتها الثورة، وذلك بإعطاء الأقاليم الأكثر تخلفاً تمييزاً إيجابياً، لإحداث توازن تنموي، ما يقود إلى استقرار البلاد، مؤكدين أن الاتفاق على كل هذه النقاط لن يأتي إلا من خلال الحوار.

الحكم الفيدرالي

في المقابل، يقول رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة القومي السوداني محمد المهدي: "لقد استقر رأي الأغلبية الآن على أنه لا يمكن أن يُحكم السودان مركزياً، في ظل التنوع العرقي والثقافي والجهوي، الذي يتميز به المجتمع، حيث الجميع يتطلع إلى المشاركة، لذلك في تقديري أن الحكم الفيدرالي القائم على النظام الاتحادي والإقليمي والمحلي هو الأنسب، فهو يتيح تشكيل جهاز إداري غير مترهل يمكّن من الاستفادة من كامل الموارد في التنمية". بينما كان النظام المركزي وبالاً على السودان، حيث أدى إلى تشرذم البلاد، وقد أدخلها في اللااستقرار والحروب الأهلية التي نشبت في الجنوب وانتهت بانفصاله عام 2011، إضافة إلى حروب دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. وذلك كله بسبب الشعور بالظلم لدى مركزية الحكم". ويؤكد أن مسألة الوعي بقضايا السلطة لم تعد كالسابق بعد تجارب الحكم المركزي، وهو ما رفع أصواتاً تنادي بالحكم الذاتي.

ويضيف "اعتقد بأن هذا الموضوع مطروح حالياً للنقاش، ويحتاج إلى مؤتمر منفصل، بل إنه جزء من أجندة المؤتمر الدستوري المزمع عقده لاحقاً لبحث العديد من القضايا ومنها شكل الحكم المناسب للبلاد، فهي خطوة مطروحة للنقاش ومن السابق لأوانه تحديد هذه المسألة المتعلقة بكيف يحكم السودان مادام هناك مناقشات جارية، قبل البت فيها بشكل توافقي بين أهل السودان كافة بمختلف أحزابهم وطوائفهم وأعراقهم ومنظمات مجتمع مدني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

تجربة مشوّهة

ويتابع المهدي "طرحت تجربة الحكم الإقليمي في السابق للنقاش، وأخذت دورتها في المؤسسات الحكومية والبرلمان، وطبّقت في فترة حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري بعد الاتفاقية التي عقدها في أديس أبابا عام 1972 مع زعيم المتمردين الجنوبيين (الأنانيا) جوزيف لاقو، لكنها لم تنجح لأنها طبّقت بطريقة مشوّهة، حيث احتفظ المركز بالقرار، وباتت الأقاليم من دون سلطات، فكان هناك خرق واضح من الرئيس نميري بتدخله في شؤون إدارة الجنوب، ما أدى إلى اندلاع حرب الجنوب مرة ثانية عام 1983 بزعامة جون قرنق، وبالتالي أصبح الحكم الإقليمي لا معنى له".

ويرى رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة، أنه عقب سقوط نميري في 1985، جاء عهد الديمقراطية الثالثة وتم خلالها تطبيق نظام الحكم الإقليمي نفسه، بينما كانت تجربة نظام الرئيس السابق عمر البشير (1989-2019) مختلفة تماماً، كونها كانت قائمة على الترضيات وتمكين النظام القبلي لضمان الولاء، فأخذت كل قبيلة محلية وولاية بعينها، ما أحدث صراعاً لا نزال نعاني منه الآن.

ويوضح المهدي "على أية حال لا بد من إيجاد صيغة تضمن المشاركة الفاعلة، وهذا لن يأتي إلا من خلال الحوار، لكنني أعتقد بأن هناك شبه إجماع على أن النظام الفيدرالي هو الأنسب. أما في ما يختصّ بتقاسم الثروة بين ولايات السودان المختلفة، فمن وجهة نظري يجب أن تقسّم الموارد مع ضرورة إيجاد تمييز إيجابي لبعض الولايات التي فيها تخلّف لإحداث توازن تنموي واستقرار بين الولايات".

الدائرة الشريرة

في سياق متصل، قال الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي السوداني فتحي فضل أن حزبه يؤيد نظام الحكم البرلماني، مع ضرورة إعادة النظر في التجارب السابقة على أساس ما يسمى الدائرة الشريرة، وهي كلما تم التوافق على نظام ديمقراطي، ينقضّ عليه انقلاب عسكري، وهكذا أصبحنا ندور في هذه الحلقة الشريرة، وهي ليس معنياً بها الجانب العسكري وحده، فلا بد من مناقشة إيجابياتها وسلبياتها ومراحل تطورها، لافتاً إلى أن النظام البرلماني يقوم على سلطة تنفيذية توكَل إلى رئيس مجلس الوزراء، وسلطة تشريعية إلى البرلمان.

وأشار فضل إلى أهمية مراجعة قوانين الانتخابات السابقة، منذ ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1964، والتي كانت تقوم على دوائر الخريجين والعمال والمزارعين، ومن ثم بعد ثورة أبريل (نيسان) 1985 التي اعتمدت دوائر للخريجين وأخرى عامة، "لكننا الآن بصدد تجربة جديدة تختلف في إنجازاتها ورؤيتها عن كل التجارب السابقة، فللمرة الأولى تلعب الأقاليم دوراً كبيراً في ما حدث من تغيير في ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، ما يتطلب وضع قانون يراعي تلك التغييرات".

حقوق الأقليات

من جهة ثانية يقول فضل "نحن لا نفرض وجهة نظرنا، ونعتقد بأن المؤتمر الدستوري المقرّر له نهاية الفترة الانتقالية يجب أن يناقش هذه القضايا للوصول إلى نظام حكم جديد يراعي حقوق الأقليات في السلطة والثروة، لأن كل الأنظمة السابقة اتبعت ظلماً واضحاً وممنهجاً ضد أقاليم السودان المختلفة سواء الشرق أو الغرب أو الشمال والوسط، حيث استولت الأحزاب العروبية الإسلاموية على الحكم عسكرياً وديمقراطياً، وجمعت ثروة طائلة بطرق غير مشروعة، بينما أصاب بقية أفراد المجتمع خارج المركز الفقر والجوع".

وبحسب تجاربهم يوضح، أن هناك حقيقة واحدة وهي أن الأحزاب الطائفية والأحزاب البرجوازية الإسلامية سيطرت على ثروة البلاد، ومارست تمييزاً واضحاً حرم جماهيرنا من المشاركة في السلطة، لذلك لا بد من وضع اعتبار لهذه التجارب حتى تكون هناك مساواة ومشاركة حقيقية لكل ولايات السودان وجماهيرها على حد سواء.

ويعتبر الناطق الرسمي للحزب الشيوعي السوداني أن "مناقشة نظام الحكم الآن في مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة بجوبا، خرق للوثيقة الدستورية، وعمل غير دستوري، لأن الوثيقة تنص على أن مفوضية السلام التي كوّنها مجلس الوزراء هي المعنية بقضية السلام، وبالتالي إن أيّ اتفاقيات تتم في هذا الخصوص تعتبر غير ملزمة، لأن الحركات المسلحة لا تمثل الأغلبية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، فهناك الآلاف من النازحين في المعسكرات لا يعتبرون الحركات المسلحة هي صاحبة القرار، لذلك لابد من وضع هذه الأشياء في الاعتبار".

النظام اللامركزي

في المقابل، يقول المتخصّص في الحكم المحلي الدكتور صلاح بابكر "باعتبار أن السودان بلد متعدد ومتنوع الثقافات والأعراق، ويشهد تبايناً في التنمية في مختلف أقاليمه، فإن النظام اللامركزي يعد الأنسب والأفضل للحكم، وهو يضم ثلاثة أشكال سياسية وإدارية ومالية، إذ لابد أن تكون هذه الأشكال متكاملة مع بعضها بعضاً، وعدم وجود أي واحدة منها يحدث خللاً واضحاً، يؤدي إلى إفشال هذه التجربة، وهو ما حدث بالفعل في فترات الحكم العسكري السابقة، لأنها أنظمة قابضة". ويشير إلى أن هذا النظام يتيح في جانبه السياسي وضع الخطط والقوانين والبرامج التنموية اللازمة، وهو ما يتطلب موارد مالية لتنفيذ المهام المطلوبة، فضلاً عن الأعمال الإدارية في المجالات كافة كالصحة والتعليم وغيرهما.

ويوضح بابكر "كما يُعتبر الحكم المحلي من أنسب مجالات الحكم اللامركزي، لأنه يساهم في مشاركة المجتمع المحلي، خلافاً للحكمين الإقليمي والفيدرالي، إذ ليست هناك حاجة لوزارات في الأقاليم وصرف بازخ، ففيه يكون شكل الحكم منخفض التكلفة، وعلى درجة عالية من الرشاقة والترشيد في هياكل الحكم، فضلاً عن أنه يعطي فرصة للمكونات المحلية ممثلة في منظمات المجتمع المدني، والإدارات الأهلية، والقطاع الخاص، والأفراد، المشاركة في صنع القرارات، والقوانين، والبرامج المختلفة، وغيرها من القضايا، بينما يهتم المركز بالقضايا ذات الطابع القومي كالدفاع، والسياسة الخارجية، والتجارة الدولية".

ويلفت إلى أنه في ما يختص باقتسام السلطة والثروة، فإن الحكم اللامركزي يتكون من السلطة والثروة والمهام، وهي لامركزية حقيقية، حيث تعطى السلطة إلى الإقليم وليس إلى أشخاص، ومن خلالها يتم تنفيذ المهام المحددة من قبل الدولة كتطوير الزراعة، والثروة الحيوانية، وصحة البيئة، والأسواق.

ويردف بابكر في تناوله أفضل تجارب الحكم اللامركزي في السودان "تعد فترة الاستعمار البريطاني للسودان أي فترة ما قبل الاستقلال 1956 أفضل نظام حكم محلي، لكنه كان نظاماً مركزيا قابضاً حتى يستطيع تحقيق أهدافه، واستمر الحكم اللامركزي كتجربة سودانية ناجحة إلى ما بعد الاستقلال وحتى فترة حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري 1969، حيث شهدت تلك الفترة استقراراً متميزاً للبلاد، من ناحية الحكم المحلي، والخدمة المدنية الممتازة، والاقتصاد المزدهر الذي كان يعتمد على الزراعة من خلال مشروع الجزيرة الرائد عالمياً، إضافة إلى الإدارة الأهلية الفاعلة".

 ويتوقع بابكر أن تشهد الفترة الديمقراطية المقبلة تحولاً كبيراً إذا ما طُبّق النظام اللامركزي، الذي دائماً ما يزدهر في الأنظمة الديمقراطية.

ويشير إلى أن تجربة الحكم المركزي لم تعد صالحة في بلد كالسودان، حيث اثبتت التجربة التاريخية استحالة حكم البلاد مركزياً، لما أحدثته من ظلم ولاعدالة في اقتسام السلطة والثروة. وكانت نتيجتها ما شهده السودان من انتشار للحركات المسلحة في مختلف مناطق البلاد.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي