Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخالب كورونا والشيوعية لم تقتل فضول الصينيين نحو العالم

السكان المحليون منفتحون للحديث لكن السلطات تلاحق الصحافيين

الازهار الإقتصادي يدفع الصينيين إلى السفر واستكشاف العالم (غيتي)

فيما تتعالى اتهامات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في كل مناسبة محمّلاً بكين مسؤولية تفشي فيروس كورونا، تبدو ملامح التنين الصيني أمام العالم باهتة أكثر من أي وقت آخر، بينما يتداول الشعوب على نطاق واسع، الحكايات الغامضة التي تحوم حول كل من مختبر مدينة ووهان، ووفاق منظمة الصحة العالمية مع الحكومة الصينية، والتحذيرات الاستباقية التي ساقها الطبيب الراحل، ورسائل تايوان، وحتى التهام الخفافيش، لكن وبمنأى عن ذلك كله، يوجد نحو مليار ونصف المليار صيني يحاولون العيش بسلام، كما تتطلع شرائح كبيرة منهم لاستكشاف العالم من خلال السفر والدراسة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ما يعرفه الكثير عن الصين أنه بلد مترامي الأطراف تسيطر الشيوعية على ثرواته، وتعيش داخله أعداد هائلة من البشر، الذين يتشاركون العادات والتقاليد نفسها من دون وجود كثيف للأجانب في محيطهم، بالإضافة إلى سور الصين العظيم، باعتباره نقطة جذب سياحية، جنباً إلى جنب مع القيود المفروضة على الحريات، وعزلة الشعب الرازح تحت حظر التطبيقات والخدمات العالمية المتعارف عليها، التي استبدلتها الحكومة ببرامج أخرى تخضع تحت مراقبتها.

لكن في الوقت نفسه، ربما لا يعرف الكثير أن هناك ما يقارب الـ60 مليون صيني يستقرون في مختلف أنحاء العالم، منهم نحو 4 ملايين في الولايات المتحدة، يشكّلون شريحة واسعة تملك فضولاً لاكتشاف بلدان العالم، فإلى جانب عشقهم للسفر، وهوس الإنفاق الناتج عن الازدهار الاقتصادي، الذي انعكس على ثراء العائلات الصغيرة، التي يجد أبناؤها قدراً كافياً من المال للارتحال سواء للدراسة أو السياحة، فإن كثيراً منهم لم يمنعهم العيش في بلد مغلق، من التفاعل مع الثقافات الأخرى.

 

"لا تخلطوا بين الحكومة والشعب"

وتبعث تشيرلي شيان، إحدى المغتربات الصينيات بالولايات المتحدة، في حديثها لـ"اندبندنت عربية"، رجاءها للعالم، بألا يخلطوا بين توجهات الحكومة الصينية ومواطنيها، لأن الحكومة على حد تعبيرها لا تمثل جميع الصينيين، إذ إنه لا يمكن تلخيص وجهات نظر الشعب الصيني حول العالم في رؤية واحدة، لأن الأفكار ليست متطابقة، لاعتبارات منها مستوى التعليم والبيئة. تتابع، "ساعد ارتفاع معدلات السفر إلى الخارج إثر تحسن الحالة المادية، الكثير على اكتشاف ثقافات جديدة، لكن الفهم العميق للظواهر الثقافية بالمجتمعات الأخرى يتطلب وقتاً وجهداً مضاعفاً".

وتصف الفتاة الصينية نفسها بأنها تحب التواصل، ويسيطر عليها الفضول لمعرفة المزيد عن ثقافات الآخرين، إذ تعرفت على الثقافة الأميركية قبل القدوم إلى أميركا، ولم تواجه صعوبة في التأقلم مع المكان الجديد، كونها كانت تقيم في العاصمة بكين، كإحدى المدن الدولية المكتظة، غير أنها لا تغفل الاختلافات بين البلدين، حيث تشكل الاستقلالية والفردانية جزءاً لا يتجزأ من جوهر الأميركيين، بينما يميل الصينيون إلى الجماعية في التفكير والعمل، مشيرةً إلى أنه لكلا التوجهين إيجابياته وسلبياته على حد سواء، وعلى الرغم من ارتفاع منسوب التوتر بين الولايات المتحدة والصين، فإنها تؤكد عدم تعرضها شخصياً لأي شكل من أشكال الكراهية تجاه الآسيويين، لكنها لا تخفي معرفتها لآخرين هوجموا من بعض العنصريين.

وتستنكر تشيرلي تصريحات الرئيس الأميركي، التي تحمّل الصين مسؤولية تفشي كورونا في أنحاء العالم المكلوم، إذ تقول إن "تفشي المرض في أميركا ليس بسبب الصين، حيث فرض ترمب في فبراير (شباط) الماضي، حظر السفر على القادمين منها"، وترجح بأن مصدر الفيروس هو الأشخاص الذين ذهبوا إلى أوروبا ثم عادوا إلى الولايات المتحدة، واصفةً ما يقوله ترمب بـ"نشر الكراهية تجاه بلادها".

 تضيف، "الوضع العام في الصين يعود الآن إلى طبيعته، بعد سيطرة الحكومة على الفيروس بشكل جيد"، لافتة النظر إلى إجراءات السلطات، التي سارعت بعزل مدينة ووهان، التي تضم أكثر من 10 ملايين نسمة في 23 يناير (كانون الثاني) الماضي، قبل أن تغلق مقاطعة هوبي بأكملها، التي يقبع فيها 30 مليون شخص، وتقول، كان من بين هؤلاء عائلتي. أعلم مدى الصعوبة التي واجهها الصينيون للتغلب على الفيروس".

لكن امتداحها لاستجابة بلادها للجائحة، لم يمنعها من الاعتراف بوجود قيود، وأمل الصينيين في كفالة الحكومة لحرية تعبير تسمح لهم بالإفصاح عن آرائهم وإيصالها للمسؤولين بأمان، وعن الصورة المشوهة التي يحملها البعض عن الصين بعد فيروس كورونا، تقول إن استراتيجيتها هي فصل شخصيتها عن الحكومة، إذ يجب على كل مواطن أن يقول للآخرين، "أنا صيني، لكني لا أتحمل المسؤولية عن حكومة بلادي"، وتضيف أنه كما لا يمثل ترمب كل الأميركيين، فإن الحكومة الصينية لا تمثل توجهاتها، بل ولو أقدمت الحكومة على فعل سيء، فإنها سوف تسائلها، وتلومها، وتلقي العار عليها، على حد تعبيرها.

دردشات الصينيين ليست ككتابتهم

وعلى غرار عدم تصديق الكثير للبيانات اليومية القادمة من الصين، التي تفيد بتسجيل إصابات قليلة جداً مقارنة بدول أخرى، ما حدا ببعض المغردين العرب، السخرية من أن الإصابات في محافظة صغيرة تفوق ما تعلنه الصين، يقول "وينتاو"، أحد أبناء مدينة هونان، في اتصالنا معه هاتفياً، إن كثيراً من الأفراد لم يصدقوا سيطرة الحكومة على انتشار الفيروس والأرقام التي تعلنها، غير أنهم لاحقاً اطمأنوا، وعادوا لممارسة الحياة الطبيعية إثر تخفيف الإجراءات.

أثناء الاتصال مع وينتاو، أخبرته بإرسال بعض الأسئلة عن طريق البريد الإلكتروني، فذكّرني قائلاً، "لا أستطيع استقبالها عبر (Gmail)"، فسألته عن انطباعه حول حظر التطبيقات العالمية الشهيرة، التي منها غوغل وملحقاته، فأبدى استياءه من المنع، غير أنه أشار إلى تواصلهم الاجتماعي من خلال منصة "WeChat" التي تجمع ميزات تطبيقات عدة، مثل واتساب، وفيسبوك، وتويتر، لافتاً النظر إلى أن السلطات تراقب المحتوى، وتحذف المنشورات التي تهاجم الحزب الحاكم والرموز السياسية.

وعندما أرسلت للشاب الصيني المحاور التي تضمنت الآراء التي يتناقلها العالم حول حكومة بلاده، اتجهت إلى تطبيق "وي تشات"، الذي اضطررت، رغم مخاوف الخصوصية، إلى تحميله بغرض التواصل، والتأكد من تسلم الرسالة على بريده الإلكتروني المحلي، وبعد المكالمة الهاتفية التي اتسمت بانفتاح نسبي للتحدث بشكل شفاف عن سياسات الحكومة، توقعت بأن تكون الإجابات "المكتوبة"، على النسق واللغة نفسهما، غير أنها كانت أكثر حذراً.

 

"الحرية التي جاءت أخيراً"

يؤمن وينتاو بأن الصين وأميركا دولتان مختلفتان من الرأس إلى إخمص القدمين، غير أنه يشعر بالظلم بسبب الآراء المتحيزة ضد بكين. يقول، "الشيء الحاسم الذي يتعين على البلدين القيام به، هو السماح للناس لمعرفة حقائق الحكومتين، حتى تتناقل وسائل الإعلام الحقيقة، بدلاً من النقد السياسي"، لكنه ومع ذلك، لا يدعي انفتاح بلاده، بل يصفها بـ"البلد المغلق نسبيًا"، بسبب خلفيتها الثقافية. يضيف، إن ضخامة الصين، والكثافة السكانية، ساعدتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الموارد البشرية والمادية. يتابع، "لذلك من يزور الصين بالكاد يرى الأجانب، رغم الفضول الذي يملكه الكثير بشأن البلدان الأخرى، وبالنسبة لي، عندما كنت في أميركا، جمعتني نقاشات عفوية مع السكان المحليين، وعملت في الحرم الجامعي، للحصول على المزيد من الفرص للتواصل، غير أن ذلك لا يلغي الحقيقة المتمثلة في قلة اهتمام الطلاب الصينيين اليافعين في التواصل مع غير مواطنيهم".

أوضح أن بلاده، "أكثر الدول نجاحاً في الاستجابة للفيروس، بسبب وقوف أبناء الشعب معاً لمواجهة الوباء، مثلما حدث في مدينة ووهان التي غارت إليها الطواقم الطبية للمساعدة وبذل الدعم، مبدياً سعادته الغامرة بعودة الحياة في مدينة هونان، إذ أصبح بإمكانه المشي والتسكع في الشوارع منذ أسبوعين، كما سافر إلى مدينة نانجينغ، حيث بدت الحياة اعتيادية، وعند العودة، أثناء استقلاله القطار، كانت ووهان من ضمن المحطات، بعدما خرجت من العزل، كما حضر، الأسبوع الماضي، حفل زفاف صديقه، واصفاً تلك اللحظات بـ"الحرية التي جاءت أخيراً".

 

رجال شرطة متخفون

لكن الحرية التي حكى لنا عنها الشاب الصيني، ربما لا تنطبق على حياة عدد من الصحافيين الدوليين في بلاده، من الذين يواجهون صعوبة في لقاء السكان المحليين بسبب ملاحقة رجال الشرطة المتخفين، كما يروي مراسل صحيفة نيويورك تايمز، باول موزر، قصته عندما حاول إجراء مقابلة مع أحد عمال البناء، ثم واقعة إخافة ضابط شرطة لعامل متجر بدا منفتحاً للحديث عن إجراءات الحكومة. يقول، "في كل مرة أحاول أنا وزميلي التحدث إلى شخص ما، كان الشرطي المتخفي يجد طريقه لتخويفه"، مضيفاً، "أنه على الرغم من كل الدعاية المعادية للأجانب، والترهيب والرقابة الحكومية، فإن الأشخاص العاديين غالباً على استعداد لتبادل تجاربهم".

ويوضح موزر، بأنه وزميله اختارا مدينة "خفي"، البالغ عدد سكانها 8 ملايين، لأنها من مدن الطبقة المتوسطة التي تختلف عن بكين وشانغهاي المليئتين بالمراسلين الأجانب، وكانا حينها مدفوعين بحماس الحصول على قصص مثيرة تعبر عن الصورة الحقيقية، والحياة التقليدية التي يعيشها معظم الصينيين، قبل أن يكشف الشرطي المتخفي قصة مختلفة، أكد خلالها عدم توقف السلطات عن التحكم بالحكايات الخارجة من الصين، والتضييق الخانق على الصحافيين الذي اضطر الكثير من مراسلي صحيفة "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال" و"واشنطن بوست" إلى المغادرة في منتصف أبريل (نيسان) الماضي.

 

مطاردات المترو تنتهي بانتصار ساخر

يقول مراسل نيويورك تايمز إن مدينة "خفي" تعطي لمحة عن الصين الحقيقية، على غرار العديد من المدن الضخمة، والمجهولة من المناطق الداخلية شرق الصين، التي تقدم صورة أكثر دقة للحياة العادية بخلاف ما يجده المرء في المدن الكبرى الغنية مثل بكين وشنغهاي. وعلى الرغم من السماح بالخروج حينذاك، فإن غالبية المتاجر ظلت فارغة، فيما بدا أحد متاجر المجوهرات يائساً بانتظار العملاء، حيث وقف معظم العاملين مع لافتاتهم عند عتبة المحل، يرقصون في حركات منسقة على موسيقى البوب، ويرتدي البعض الآخر ثياباً حمراء متقنة، في استحضار لتقليد العديد من العائلات الصينية عند شراء الذهب، وعلى الرغم من كل جهودهم التسويقية، فإنه لم يُقبِل أحد.

ودعا حينها أحد الموظفين مراسل الصحيفة الأميركية إلى قسم المبيعات الفارغ للدردشة، حيث اعترف أن الأوقات كانت صعبة منذ العودة إلى العمل مرة أخرى، وقال إن "الكثير من الناس يتجولون، ولكن لا أحد يشتري أي شيء". وقبل إكمال المقابلة، عبر رجل يرتدي ملابس سوداء، بعد خضوعه لمسح درجة الحرارة، الجزء الخلفي من المتجر، ليتحدث مع مديره، وفي غضون دقائق، صار الموظف المتحمس للحديث، مشغولاً وخائفاً من ذكر اسمه، وعلى الرغم من علامات عودة الحياة الطبيعية للمدينة، كان من الواضح أن خفي، لا يزال أمامها طريق طويل يتعين قطعه، إذ بدا الناس في ذهول وحذر.

وأوضح موزر أنهم كانوا بحاجة إلى التحدث مع أناس حقيقيين، وللقيام بذلك كان عليهم التخلص من ملاحقة الشرطة، حيث تجولوا في زقاق بالقرب من شارع تجاري، أكثر من مرة لتحديد من الذي يتبعهم، ليتبين فيما بعد أن ضابط الشرطة صار لديه الآن ستة آخرين، وفيما راحوا لأخذ استراحة للتدخين، نفر الصحفيان لاستقلال مترو الأنفاق، فيما أوقف أحد الحراس، عناصر البوليس المتخفي لعدم لبسهم الكمامات بشكل صحيح، وفي المحطة التالية، خرج المراسلان، وتنفسا الصعداء عند مشاهدتهم نصف الفريق يحاول اللحاق بهم من دون حول ولا قوة.

"ماذا تفعل في بلدي؟"

لكنَّ حذر الشرطة امتد إلى السكان العاديين أيضاً، فمع انتشار الفيروس في الصين، والعالم، سعت الدعاية الحكومية، والشائعات على الإنترنت على حد سواء للعثور على كبش فداء من الخارج، كما حذرت وسائل الإعلام من حالات مصابة قادمة من خارج البلاد، دون توضيح أن العديد منهم صينيون، ما زايد الرهاب والنفور من الأجانب، وبالتالي انتفاء أهم سبب للقدوم إلى خفي، وهي أنها كانت واحدة من المدن القليلة التي يوجد بها فندق يستقبل الأجانب، حيث إن معظم الفنادق لا ترحب بالأجانب، حتى الأميركية منها، مثل ماريوت وهيلتون.

ويختتم باول موزر مقاله، "بعد تناول وجبة سريعة في مطعم ماكدونالدز قبل التوجه إلى محطة القطار، كنت وزميلي نتحدث بهدوء عندما اقترب شاب يرتدي سترة صفراء زاهية، وأشار إليَّ قائلا، "أنت قمامة أجنبية، ماذا تفعل في بلدي؟، وشتمنا ومضى بعد أن حام بهدوء لبضع دقائق قبل المغادرة". وأضاف بسخرية، "إن الحقيقة المتمثلة في أنه لم ينبس أحد من مرتادي المطعم بكلمة واحدة بدت مناسبة بشكل قاتم، وعلى الرغم من حزني على المغادرة، فإن أشخاصاً مثله ليسوا حزينين لرؤيتي أذهب".

ربما تختلف أو تتفق مع اتهامات ترمب، وربما تكون في موقف المصدق أو المكذب لأرقام الحكومة الصينية، لكن إحدى الحقائق هي أن الشعب الصيني رغم كبت الحريات، يبدو متقبلاً إلى حد كبير لما يحدث حوله، لا سيما مع الازدهار الاقتصادي الذي انعكس على حياة شريحة كبيرة، اتجهت نحو الانفتاح، وجوب بقاع العالم لأغراض السياحة والدراسة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات