Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ضغوط تل أبيب المالية على الفلسطينيين تهدّد بالارتداد عليها

قررت السلطة الفلسطينية اعتماد "ميزانية الطوارئ" التي تقتضي خفض رواتب الموظفين ووقف الترقيات والتعيينات وشراء المباني والمركبات

وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة متحدثاً خلال المؤتمر الصحافي للإعلان عن الإجراءات التقشفية (وفا)

 

بعد اقتطاع إسرائيل جزءاً من أموال المقاصة الفلسطينية وإعلان وزارة المالية قرارها صرف رواتب الموظفين الحكوميين بنسبة 50 في المئة لمن تراوح رواتبهم بين 2000 شيقل و10 آلاف، تباينت ردود الفعل بين الناس، فمنهم مَن رأى أن هذه "خطوة نضالية" من أجل الحفاظ على حقوق ذوي الأسرى والشهداء، ويجب أن تتبعها خطوات أخرى لاحقة تتمثل في مقاطعة المنتجات الإسرائيلية واللجوء إلى مصادر تمويل أخرى، والابتعاد عن تسلّم أموال المقاصة منقوصة، في حين اعتبر البعض الآخر أن هذا التقليص في الرواتب يعني مزيداً من الشيكات المرتجعة وزيادة الضغط المالي على الأسر من ناحية فواتير الماء والكهرباء ومصاريف المدارس والصحة وغيرها من المصاريف اليومية والديون المتراكمة.
 
سياسة التقشف والخصم
 
وأعلن وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة في مؤتمر صحافي أن القيادة الفلسطينية قررت اعتماد "ميزانية الطوارئ"، وفي عداد الإجراءات التي ستتخذها الحكومة خفض رواتب الموظفين، ووقف الترقيات والتعيينات وشراء المباني والمركبات، بالإضافة إلى خفض النثريات والضيافة والمحروقات ومهمات السفر، وتكثيف الجهود من أجل صرف نسبة أكبر من الراتب تراوح بين 60 و70 في المئة من إجمالي رواتب شهرَي مايو (أيار) ويونيو (حزيران) المقبلين بالتزامن مع شهر رمضان وعيد الفطر. وأشار شكري إلى تحركات سياسية بدأت من أجل التوجه إلى جامعة الدول العربية والمطالبة بتفعيل شبكة الأمان المالية التي أقرتها القمم العربية. إلا انه لفت إلى أن الإجراءات التقشفية لن تشمل رواتب عائلات الأسرى والشهداء والجرحى التي صُرفت كاملةً هذا الشهر، إضافةً إلى رواتب الموظفين الذين يتقاضون أقل من 2000 شيكل، ويشكلون نسبة 40 في المئة من موظفي السلطة.
 
متى بدأت الأزمة؟
 
أما سبب هذه الأزمة المالية التي نشأت لدى السلطة الفلسطينية فهو اقتطاع إسرائيل نحو 42 مليون شيقل من أموال الضرائب التي تجبيها تل أبيب على البضائع التي تمر عبر معابرها إلى الأراضي الفلسطينية، وتحولها شهرياً الى السلطة (المقاصة) وفق اتفاقية باريس، لأن جزءاً منها يُدفع إلى عائلات الأسرى والشهداء، وذلك بحسب قانون أقرّه المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية الإسرائيلي (الكابنيت)، وهذا ما دفع السلطة إلى رفض تسلّم أموال المقاصة منقوصة وإرجاعها.
 
تحذيرات إسرائيلية من تفجر الوضع
 
أما على المستوى الأمني، فأبدى مراقبون تخوفاً من خطوة اقتطاع أموال المقاصة، إذ من الممكن أن يؤدي ذلك إلى تصعيد التوتر في الضفة الغربية، وربما إلى انهيار السلطة الفلسطينية، وهذا ما سيكون له ثمن أمني وسياسي في إسرائيل.
يقول المختص في الشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي إن مثل هذه الإجراءات يحمل بعداً عقابياً للسلطة الفلسطينية يختلف عليه المستويان الأمني والسياسي في إسرائيل، فالأول يأخذ في الاعتبار الرأي العام الذي يشكل قاعدة ناخبيه، ويتصرف بناءً على رغبات جمهوره من أجل أن يحافظ عليه، وهذا يظهر بوضوح في الحملة الانتخابية الحالية، وتعزيز الإجراءات العقابية على أصعدة أخرى مثل تسريع هدم منازل الفلسطينيين منفّذي العمليات، ومصادرة المنازل في المناطق المصنفة "ج" وغيرها، في حين تأخذ توصيات المستوى الأمني المتمثل عادةً بجهاز الاستخبارات العامة "الشاباك" وقيادة الجيش، منحىً مهنياً لتجنّب التصعيد في الضفة الغربية وقطاع غزة والحفاظ على الاستقرار الأمني.
ويتابع البرغوثي أن السيناريو الذي ينفذه المستوى السياسي الإسرائيلي حالياً هو تجنّب الضغط على قطاع غزة خوفاً من تصعيد عسكري قد يصل إلى مواجهة، يدفع ثمنها الحزب الحاكم في إسرائيل انتخابياً، مع استخدام سياسة الرد المحدود أي "ضربة بضربة"، وممارسة ضغوط عدة على الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية.
 
أثر الاقتطاع على الاقتصاد الفلسطيني 
 
من جهة أخرى، اختلف الخبراء الاقتصاديون في تقويم آثار الخطوة الإسرائيلية وسبل مواجهتها، فأموال المقاصة تشكل 50 في المئة من الإيرادات العامة للخزينة الفلسطينية، واقتطاعها سيكون له أثر كبير على الحياة الاقتصادية للفلسطينيين، وسينعكس على السيولة النقدية والشيكات والقروض والمصاريف اليومية، بخاصة أنها تتزامن مع قطع المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية.
ورأى الخبير الاقتصادي جعفر صدقة أن كل الحلول التي اتخذتها الحكومة وستتخذها في الفترة المقبلة، تأتي استناداً إلى أن الأزمة ستطول على اعتبار أن قرار الخصم يستند إلى قانون أقرته الحكومة الإسرائيلية المصغرة (الكابينت)، لذلك ترى السلطة الفلسطينية أن هذه فرصة لإعادة ترتيب المواجهة مع إسرائيل وفتح اتفاقية باريس الاقتصادية.
أما عن الحلول التي من الممكن اللجوء إليها فيقسمها صدقة شقين: الأول سياسي يتجه إلى المحاكم الدولية المختصة لرفع دعاوى على إسرائيل وممارسة ضغوط سياسية عليها من أجل تحويل أموال المقاصة كاملة، والثاني مالي يتمثل في تفعيل شبكة الأمان العربية وسياسة التقشف وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق، وتوسيع القاعدة الضريبية من دون زيادة الضرائب، بسبب وجود نسبة تهرب ضريبي كبيرة بخاصة من أصحاب الأعمال الحرة، وتوقيف التسهيلات الضريبية المقدمة للشركات موقّتاً، إضافة إلى إمكان التوجه إلى الاقتراض من المصارف، لكن الخطوة الأخيرة يختلف عليها المحللون الاقتصاديون لأنها ستؤثر سلباً في الجهاز المصرفي والحكومة وفي سلطة النقد أيضاً.
في ما يتعلق بالقروض، أصدرت سلطة النقد الفلسطينية تعميماً بخصم قيمة القسط المستحق على المقترضين من موظفي القطاع العام كنسبةٍ وتناسب، من أجل ضمان ألا تزيد نسبة الخصم على 50 في المئة من قيمة الدفعة المحوَّلة من رواتب الموظفين.
 

 

إلى متى؟
 
لا يستطيع أحد التنبؤ بمدة هذه الأزمة، وغالبية التوقعات اتجهت إلى أنها ستستمر إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 9 أبريل (نيسان) المقبل وتشكيل حكومة جديدة، لكن بعض المحللين يقول إن الأمر كله يعتمد على طبيعة الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي ستتشكل، فإذا كانت يمينية يُرجّح استمرار الأزمة فترة طويلة، لكن إذا كانت حكومة تأخذ الجانب الأمني في الاعتبار وتكترث له أكثر من البعد السياسي والقاعدة الجماهيرية، فإن الأزمة ستُحَل ولن تطول.

المزيد من الشرق الأوسط