Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحديات سياسية واقتصادية وأمنية تنتظر حكومة الكاظمي

إحالة وزارتي الداخلية والدفاع إلى عسكريين أعطت إيحاءاً بأن الطريق معبدة لحصر السلاح بيد الدولة

بعد تعسّر دام أربعة أشهر منذ استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، نالت التشكيلة الوزارية لمصطفى الكاظمي ثقة البرلمان العراقي، كأول حكومة تأتي بعد احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتي دفعت حكومة عبد المهدي للاستقالة بعد مجابهتها موجة الاحتجاجات بعنف دموي، أدى إلى سقوط نحو 700 قتيل و25 ألف جريح.

وضمت التشكيلة 22 وزيراً، طرأت عليها تغييرات عدة في الساعات الأخيرة، قبيل التصويت عليها في البرلمان ليل الأربعاء- الخميس.

حسم 15 وزارة وتأجيل وزارتي النفط والخارجية

صوّت البرلمان خلال جلسته الطارئة على 15 وزيراً، فيما رُفض خمسة مرشحين، وأُجّل حسم ملف وزارتي النفط والخارجية.

وضمت قائمة الوزراء الذين نالوا الثقة كلاً من نبيل عبد الصاحب وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي، جمعة عناد وزيراً للدفاع، الفريق عثمان الغانمي وزيراً للداخلية، خالد بتال وزيراً للتخطيط، علي عبد الأمير علاوي وزيراً للمالية، حسن محمد عباس وزيراً للصحة، نازلين محمد وزيراً للإسكان والإعمار، ماجد مهدي علي وزيراً للكهرباء، ناصر حسين بندر حمد وزيراً للنقل، عادل حاشوش وزيراً للعمل، منهل عزيز وزيراً للصناعة، عدنان درجال وزيراً للشباب، أركان شهاب وزيراً للاتصالات، مهدي رشيد مهدي وزيراً للموارد المائية، وعلي حميد مخلف وزيراً للتربية.

فيما لم يمنح البرلمان الثقة لكل من نوار نصيف جاسم لوزارة التجارة وهشام صالح داود لوزارة الثقافة، وثناء حكمت ناصر لوزارة الهجرة والمهجرين، وإسماعيل عبد الرضا اللامي لوزارة الزراعة وعبدالرحمن مصطفى لوزارة للعدل.

تحديات كبرى

أمام حكومة الكاظمي جملة تحديات أبرزها، محاكمة المتسببين بقتل المحتجين وإجراء انتخابات مبكرة عادلة ونزيهة بقانون جديد، وحصر السلاح بيد الدولة، فضلاً عن تحديات اقتصادية كبرى نتيجة الأزمة المالية التي خلفها تفشي وباء كورونا.

وعلى الرغم من تعهدات الكاظمي بأن حكومته ستكون "حكومة حل لا حكومة أزمة"، إلا أن مراقبين قللوا من احتمالية أن تُحدث الحكومة الجديدة تغييرات كبيرة.

فعلى صعيد الاقتصاد ستواجه تحديات كبرى في تأمين رواتب الموظفين وتحريك الاقتصاد، نظراً إلى الانخفاض الحاد في أسعار النفط عالمياً، أما على الصعيد الأمني، فتتباين الآراء حول إمكانية النجاح في إدارة ملف حصر السلاح بيد الدولة، وفتح تحقيق عادل وشفاف بشأن أحداث انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

وزارة الخارجية مقابل المالية

وعلى الرغم من نيل حكومة الكاظمي ثقة البرلمان، إلا أن الاعتراضات السياسية من قبل بعض الكتل السياسية استمرت حتى اللحظات الأخيرة، ولعل أشد المعترضين على التشكيلة الحكومية، ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، الذي تمسك برفضه التصويت على حكومة الكاظمي، فيما وصف تشكيلته بأنها "لا تمتلك المقومات لإنتاج حكومة متماسكة وممثلة حقيقة لمصالح العراق وقادرة على التصدي للأزمات بفريق مهنيّ كفوء".

أما الحزب الديمقراطي الكردستاني فعلى الرغم من إعلانه تمسكه بوزارة المالية، واصفاً هذا الأمر بأنه "استحقاق كردي"، إلا أن إعطاء الكتلة الكردية وزارة الخارجية بدلاً من المالية حسم الخلاف بشأن التصويت على الحكومة.

وقال القيادي في الحزب إدريس شعبان في تصريحات صحافية، إن "بعض الكتل وتحديداً الشيعية حاولت تقليل استحقاق الكرد وفرض الإرادة عليهم، على الرغم من عدم إصرارنا على وزارة معينة بما فيها حقيبة المالية".

وتابع أن "الكرد طرحوا ثلاثة أسماء لحقيبة الخارجية بعد استبدالها المفاجئ بالمالية".

ونفى شعبان "حصول الكرد على امتيازات ومناصب أخرى مقابل التخلي عن المالية"، مبيناً أنهم "منحوا أقل من استحقاقهم في الحكومة الجديدة".

نواب البصرة ووزارة النفط

وقبيل جلسة التصويت على الحكومة، عقد نواب البصرة مؤتمراً صحافياً حذروا فيه من مقاطعة الجلسة فيما لو لم تعط وزارة النفط إلى مرشح من أبناء المحافظة، وقال النائب عن المحافظة عدي عواد إن "نواب المحافظة لن يصوتوا للتشكيلة إذا لم تعط محافظة البصرة وزارة النفط، أسوة بإقليم كردستان وبقية المحافظات".

لكن الكاظمي تعهد بعد التصويت على حكومته بأنه سيوكل حقيبة وزارة النفط لأهالي البصرة.

من جانب آخر، عقد نواب عن الأقليات مؤتمراً صحافياً عبروا فيه عن احتجاجهم على ما سموه "تهميش حصصهم في التشكيلة الوزارية".

ولعل ما جرى من تعطيل للجلسة التي كان يفترض أن تعقد في الساعة التاسعة مساءً بتوقيت بغداد، هدف إلى إجراء بعض التغييرات في التشكيلة التي حصلت على ثقة البرلمان.

استبعاد الشخصيات القريبة للاحتجاجات

وعلى الرغم من وضع أسماء عدة لمرشحين يوصفون بأنهم قريبون إلى الاحتجاجات الشعبية في القوائم المسرّبة السابقة، إلا أنهم استبعدوا من التشكيلة الأخيرة التي عرضت للتصويت على أثر اعتراضات سياسية عليهم، وأبرزهم حارث حسن الذي كان مرشحاً لوزارة الخارجية، وحسن ناظم لوزارة التعليم، وكاظم السهلاني لوزارة العمل.   

فيما قال نواب في البرلمان إن سبب تأجيل التصويت هو اعتراضات سياسية على بعض المرشحين للحقائب الوزارية.

في المقابل، يرى الباحث في الشأن السياسي هشام الموزاني، أن "محاولات الكتل السياسية إعادة تنظيم المحاصصة بشكل جديد، هو الذي أدى إلى التأخر في حسم التصويت على الحكومة"، مبيناً أنه "على الرغم من التغييرات البسيطة على آلية تشكيل الحكومة، إلا أن المحاصصة لا تزال حاضرة بشكل أقل وضوحاً عن السابق".

وأضاف لـ "اندبندنت عربية"، "لن تحدث تغييرات جذرية خصوصاً كون الجهات التي خرج المحتجون عليها هي ذاتها من ساهمت في إمرار حكومة الكاظمي".

ولفت أن "استبعاد الشخصيات القريبة من المحتجين عن التشكيلة الحكومية زاد الأمر سوءاً، وأعطى انطباعاً بعدم القدرة على إحداث تغييرات كبيرة من قبل حكومة الكاظمي".

نهاية التوافق الأميركي - الإيراني

وعبّر الموزاني عن اعتقاده بأن "القوى السياسية قد تستخدم ورقة الظروف الاقتصادية للعبور على مطالب المحتجين تحديداً التي لا ترضي الكتل السياسية الرئيسية".

وأشار إلى أن "عدم التجاوب السريع والإيجابي من قبل الكاظمي مع مطالب المحتجين، سيفتح المجال لبعض القوى للدخول على خط التأثير في ساحات الاحتجاج".

وعن التوافق الأميركي الإيراني، بيّن الموزاني أنه "هذا التوافق انتهى زمنه، وما حصل هو قبول إيراني بالشروط الأميركية على مراحل طويلة المدى، نظراً للظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها طهران، فضلاً عن أن العوامل الداخلية والإقليمية تسير بالضد منها".

وتابع أن "إحالة وزارتي الداخلية والدفاع إلى عسكريين، أعطت إيحاءاً بأن الطريق معبدة أمام الكاظمي في قضية حصر السلاح بيد الدولة"، مردفاً "يبدو أن الفصائل المسلحة ابتلعت هذا الأمر على مضض".

حكومة انتخابات مبكرة

في سياق متصل، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إن "نجاح حكومة الكاظمي مرتبط باستمرار دعم القوى السياسية له"، مبيناً أنه "لا بد من أن تكون هناك ثنائية تكاملية بين الحكومة والبرلمان خصوصاً في ظل الانهيار المالي وتفشي فيروس كورونا وعودة نشاط تنظيم داعش".

وأضاف لـ "اندبندنت عربية"، "حكومة الكاظمي هي حكومة انتخابات مبكرة وقد تكون بعض القوى السياسية غير راغبة في هذا الأمر".

ورجح الشمري أن يعاد فتح ملف التحقيق في ملف قتلة المحتجين من خلال تشكيل لجان بتعاون قضائي، مبيناً أن "التحقيقات التي قامت بها حكومة عبد المهدي غير موثوق فيها، لأنها متهمة بهذا الأمر".

ولفت أن "الحركة الاحتجاجية قد تضع موضوع محاسبة القتلة كأولوية قبل الانتخابات المبكرة"، مردفاً "لكن بعض القوى  السياسية ستعمل على وضع مصدات أمام فتح هذا الملف".

تحذيرات من ناشطي الاحتجاجات

من جهة ثانية، تصاعدت مطالبات الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي بتنفيذ شروطهم وعلى رأسها محاسبة المتهمين بأحداث القتل خلال الاحتجاجات، فضلاً عن إجراء الانتخابات المبكرة والضغط باتجاه إكمال قانونها.

في المقابل، قال الناشط علاء ستار إن "هناك يقيناً تاماً بأن حكومة الكاظمي ستفشل في ملفات عدة كأي مرشح توافقي آخر"، لافتاً إلى أن "المحتجين حذروا منذ البداية من استمرار مبدأ التوافق والمحاصصة لأنه لن يقدم حلولاً جذرية لمشاكل البلاد".

وأضاف لـ "اندبندنت عربية"، "المُلاحظ في هذه الحكومة أن معظم الوزراء هم من كوادر الوزارات المتقدمة، وكلنا نعرف أن غالبية مسؤولي الوزارات الكبار تابعون للأحزاب، وهم جزء من منظومة الفساد الممتدة داخل الدولة العراقية"، مبيناً أن "هؤلاء سيعملون جاهدين على إبقاء هذه المنظومة وعدم الإخلال بتوازنات الفساد داخل الوزارات التي سيشغلونها".

وأشار إلى أن "أمام الكاظمي مسؤوليات كبرى، أهمها فتح تحقيقات واسعة وشفافة لمحاسبة قتلة المتظاهرين، والتعويض لجرحى انتفاضة أكتوبر وذوي الضحايا، والضغط لإكمال قانون الانتخابات فضلاً عن تهيئة الجو اللازم للشروع بالانتخابات المبكرة ونشوء أحزاب جديدة".

وحذر ستار من مغبة عدم الاستجابة لتلك المطالب، مشيراً إلى أن "المحجتين على أهبة الاستعداد للنزول إلى الشوارع مجدداً في حال انتهاء أزمة كورونا، للضغط على هذه الحكومة، وإن لم تستجب فستكون الاحتجاجات بمستوى أعلى وأقوى، وعلى السلطة التعامل بجدية مع الغضب الشعبي المتصاعد".

المزيد من العالم العربي