Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصحة وطول العمر

هما تاج الحياة السعيدة

تراجعت أخبار الأسواق والرياضة والسياسة والسياحة والسفر لصالح كورونا (أ.ف.ب)

هي سيدة المرحلة، هي حديث القرية الكونية، هي هم الإنسان الأول خلال هذا العام، هي التي فرضت على الإنسان سؤالاً واحداً في عام 2020، كيف أتحاشى أو أتشافى من فيروس كورونا؟

كل شيء تأجل من أجل السيدة "صحة"، وزارات الصحة في العالم هي الوزارات الأهم في كل حكومات العالم، لم تكن وزارة الصحة من بين ما يُسمّى بوزارات "السيادة" في دول مثل الكويت، تخيّل أن وزارتي الصحة والتربية لا تعتبران من الوزارات "السيادية" المهمة في عالمنا، فالصدارة دوماً للداخلية والدفاع، فحفلات التخرج تعلن للعباد في كل أرجاء البلاد إن كان الخرّيج قد تخرّج من كلية عسكرية، لكن لن تجد أبداً من يحتفل بابنه متخرّجاً من معهد التمريض، ولو فعلها فحتماً سيصبح نكتة الموسم التي تتداولها الركبان، وتقهقه عليها العربان، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن يدري؟ فقد يتغير الحال بعد كورونا!

الصدارة اليوم للصحة من دون منازع، المواطنون في كل دول العالم يحبسون أنفاسهم انتظاراً لبيان وزير الصحة أو الناطق باسم وزارته، حتى إن كان وزير صحةٍ في دولة لا شفافية ولا مصداقية لبياناتها، فالناس تنتظر أهم ثلاث معلومات في القرن الـ 21، عدد الإصابات؟ عدد الوفيات؟ عدد من تعافى؟ هذه هي أهم ثلاثة أخبار ينتظرها الناس، تراجعت أخبار الأسواق والرياضة والسياسة والسياحة والسفر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هات ما عندك من أخبار صحية، ماذا اكتشف المختبر الفلاني من علاج؟ ماذا يجرّب معمل دوائي في ألمانيا؟ وهكذا.

 "الصحة" بكسر الصاد مصدرها صحّ، كلمة فرضت نفسها على هذا المقال، أهو بتأثير الحجر الصحي الذي فرضته على نفسي مثل معظم البشر على هذا الكوكب؟ أم أنها اللغويات التي تشرّق وتغرّب بي من دون وعي في معاني الكلمة حين يكثر ترديدها؟

العلّة والمرض هما عكس الصحة في الغالب، والصح مختصر الصحيح الذي عكسه الخطأ، ويقال باللهجة "مستصح" أي أنه قوي وبعافية تامة ومفتول العضلات، والعافية باللهجة المغربية هي أحد أسماء النار، وتلفظ غالباً بالألف بدلاً من الهاء المربوطة، وترتبط الصحة والعافية بالدعاء غالباً "الله يعطيك الصحة والعافية"، وتقدم الصحة أيضاً بالدعاء بطول العمر، الله يعطيك الصحة وطول العمر!

والصاحي هو عكس النائم، فيقال "فلان صحى من النوم"، والصحو عكس السُّكْر، فيقال "هذا شفيه؟ هو صاحي ولّا سكران؟" والصاحي عكس المجنون، فيقال "مو صاحي، الله يرفع منه ولا يبلانا"، والصاحي أيضاً هو النبيه الحذق، فيقال "لا تخاف على فلان، فهو رجّال صاحي"، وحين تريد شد انتباه أحد تقول له "صحصح معاي"، ومساعدي بالجامعة "يصحّح معي"، أي يساعدني بتصحيح الاختبارات، والصحاح من أشهر المراجع للأحاديث النبوية التي "صُحّحَت" ونُسِبت للرسول محمد (ص).

وفي لغة حرس الأسواق بأسواق الكويت قديماً، يصرخ الحارس المناوب حين تمرّ سيارة الدورية للتأكد من أن كل شيء على ما يرام، صاحي! ويرددها أكثر من مرة للتأكيد على أنه صاح وليس بنائم أو غافل عن عمله. كانوا مثالاً للالتزام والانضباط والإخلاص والهيبة على الرغم من أنهم لم يكونوا يحملون أسلحة نارية، يحمل أحدهم فقط عصاة يدوية وتفانياً قلباً.

والصحة تلازم قرع كؤوس الراح في معظم لغات العالم، فيقول الإسبان مثلاً عند تبادل الأنخاب "Salud" وهي "سلامتي" بالفارسية بإيران، وهي بالفرنسية "A VOTRE SANTÉ" وترجمتها "بصحتك"، ولا أدري إن كانت العربية قد أخذتها من الفرنسية أو الفارسية أو العكس!

وتصغير الصحيح بـ "الصحيّح" هي تورية لهجوية خليجية تعني العكس، أي أنه في غير صحة عقلية سليمة، فحين يقال إنه "صحيّح"، تعني أنه يعاني من تخلّف عقلي ما.

كان والدي، رحمه الله، حين يشكّك في قصة من دون أن يكذّب صاحبها إما احتراماً أو تورية، يقول "ما قلت صحيح"، إذ تحتمل "ما" هنا معنَيَيْن، الاسم الموصول و"ما" النافية، أي "الذي قلت صحيح"، أو "لا صحيح لما قلت".

والصاح لا علاقة لها بالصحة، فهي اختصار صاحب، واشتهرت بالمناداة في الشعر الفصيح والعامي، مثل قصيدة الأمير خالد الفيصل التي غناها محمد عبده ومطلعها:

يا صاح أنا قلبي من الحب مجروح

جرحٍ عليلٍ ما لقى له مداوي

أخذت الصحة هذا المقال كل مأخذ، واتجهت به همّاً وقلقاً على صحة الإنسان في كل مكان، وذكّرتنا بأن لا قيمة لكل الأشياء في هذه الدنيا من دون السيدة "صحة"، فهي تاج الحياة السعيدة، فلا سعادة لعليل، ولا هناء لثراء من دون عافية، ولا فائدة من طول العمر من دون الصحة.

 لك، عزيزي القارئ، الصحة وطول العمر والسعادة وللبشرية أجمعين.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء