Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آن لأسطورة بريطانيا العظمى أن تنتهي بعد كورونا

من مستشفيات منهكة إلى رعاية اجتماعية باتت ضئيلة، تفاقمت مشكلات الوباء بسبب واقع دولة الرفاهية التي أفرغت من مضمونها

نتخبّط في غياب مذهل للرقابة في خضم حالة الطوارئ الوطنية. ومع تجاوز العدد المرعب لوفيات كوفيد-19 في المملكة المتحدة حاجز العشرة آلاف وفاة، يقول سياسيون وحتى بعض الصحافيين حالياً أن مساءلة الحكومة حول طريقة إدارتها للأزمة باتت ضرورية، لكن فقط بعد أن ينتهي الوباء.

وفيما يتضح أن نصيبنا من الوفيات قد يكون الأكبر في أوروبا، يعكف مقدمو الأخبار على إعداد قائمة القضايا التي سيجري التدقيق فيها، ليس اليوم، ولكن في تحقيق مستقبلي. وبينما نستيقظ كل يوم على أنباء أكثر إزعاجاً، يقول زعيم المعارضة كير ستارمر إن الوزراء سيواجهون "أسئلة صعبة"، لكن ليس من المناسب طرحها في الوقت الحالي.

إنه تشنج جماعي مذهل، كتابةٌ استباقية للتاريخ وتجريد الحاضر من أي أداة للتأثير.

ومع وفاة حوالى 1000 شخص يومياً في المستشفيات يومياً بسبب كوفيد-19 يثير رحيل كل منهم دوامة من الألم والصدمة بين أفراد عائلته وأصدقائه وزملائه ومجتمعه، ها هي الصحف البريطانية الصفراء تتودد إلى بوريس جونسون الذي يتعافى الآن من الفيروس في تشيكرز، مقر رئيس الوزراء الريفي الرسمي، بعد خروجه من مستشفى سانت توماس.

في الوقت الذي تستميت المستشفيات لإنقاذ أرواح تعاني من أكثر أعراض هذا المرض هولاً، يُقال لنا المزيد عن الأفلام التي شاهدها رئيس الوزراء من فراش المرض، وذلك في سيل من التعليقات التي من شأنها أن تجعل حملة الأقلام لدى صدام يخجلون. وبينما يموت الأطباء والممرضون خلال رعايتهم للمرضى بسبب تعرضهم للعدوى في غياب معدات الوقاية الشخصية الحيوية، تجتر القنوات الإذاعية جهود وزير الصحة مات هانكوك "الجبارة" في البحث عن الإمدادات.

من جانبهم، يثني الوزراء على "خدمة الصحة الوطنية"، لكنهم يشيرون إلى أن نقص معدات الوقاية الشخصية قد يعود إلى سوء استخدامها من قبل موظفي "الخدمة"، وليس إلى فشل الحكومة في توفيرها. هكذا يمدحون العاملين في قطاع الصحة ويطعنونهم في آن واحد.  

لم تكدْ تنقضي أسابيع فقط على متابعتنا بفزع ارتفاع عدد وفيات كوفيد-19 في إيطاليا ثم في إسبانيا، وكيف حظيت تلك المآسي بتغطية إخبارية أكبر من تلك التي كانت من نصيب المأساة التي تعيشها بريطانيا حالياً. ناشدنا وقتها الأطباء في تلك الدول بالتحرك لاتخاذ ما يلزم لتجنب السقوط في الكابوس نفسه من دون وعي. وفيما يرتفع عدد الضحايا عندنا  إلى مستوى لا يمكن تصوره، بات من الواضح أكثر من ذي قبل أننا قد أهدرنا فرصة ثمينة لاستباق العدوى وتوفير أسابيع إضافية كانت ربما ستمكننا من تقليص رقعة انتشار الفيروس.

وإذا كان هناك أدنى شك في إمكان أن تكون الأمور مختلفة اليوم، فما علينا سوى النظر إلى ألمانيا المجاورة التي استجابت بسرعة أكبر واتخذت إجراءات الفحص والتتبع على نطاق واسع، فسجّلت ربع الوفيات التي شهدتها بريطانيا؛ أو إلى أيرلندا، حيث حصد الفيروس حتى الآن عدداً من الوفيات أقل بكثير بالمقارنة مع المملكة المتحدة. كانت الدول الأوروبية التي فرضت عمليات إغلاق تام منذ البداية تراقب بهلع قرار بريطانيا إبقاء الشركات والحانات مفتوحة واحتشاد 250 ألف شخص في مهرجان شلتنهام.

لا يمكن أن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء كي نمنع هذه الأخطاء الجسيمة وغيرها من الوقوع، والحاجة إلى الوحدة في مواجهة الأزمة الوطنية تحدُّ، كما ينبغي، من بعض الانتقاد. ولكن يجب طرح الأسئلة حالياً حين تكون إجراءات تصحيح المسار لا تزال ممكنة، بدلاً من تأجيل الرقابة إلى تاريخ لاحق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لإصلاح الأمور يجب أن نعرف ما هي الأخطاء التي وقعت، ولكن هناك ثغرات وأوجه تقصير مستمرة في إجراءات الحكومة المتعلقة بتوفير معدات الحماية، وأجهزة التنفس الاصطناعي والفحوص أو حتى في تعداد وفيات فيروس كورونا.

يتساءل أخصائيو الفيروسات وعلم الأوبئة الذين أتحدث إليهم لماذا لا تستأنف الحكومة تتبع المخالطين، وهو الإجراء الذي تخلّت عنه في منتصف مارس (آذار) الفائت وما زالت "منظمة الصحة العالمية" تعتبره ضرورياً. في غضون ذلك، ما زال المسافرون من وإلى دول العالم يطيرون إلى مطار هيثرو من دون رادع؛ فيما يرفض مديرو مستودعات التوزيع الحيوية تطبيق تدابير التباعد الاجتماعي؛ ويتزاحم العمال غير الأساسيين في وسائل النقل العام في ظل الارتباك حول من يجب أن يبقى في المنزل، أو لافتقارهم الإمكانيات المالية لالتزام البيت.

لكن لا ينبغي لأي من هذا أن يحجب ضرورة إعادة النظر بشكل أعمق في القرارات السياسية التي تعود إلى عقود خلت، وهي القرارات التي تركت نظام الرعاية الصحية لدينا مفرغاً ومُجزءاً وغير ممول تمويلاً كافياً ويُستعان بأجانب لتأدية مهماته. ويمكن ردّ كل نقص أو عرقلة، أو كل ثغرة في القدرة أو الإمداد، إلى هذا الواقع الكئيب كعامل أساسي في التسبّب بها. فمن مستشفيات منهكة ورعاية اجتماعية باتت ضئيلة، وصولاً إلى البحث عن المعدات والنقص الوشيك في أدوية علاج مرضى كوفيد-19، كلها مشكلات تفاقمت بسبب واقع دولة الرفاهية التي أفرِغت من مضمونها.

كان إنجازاً رائعاً في العلاقات العامة أنْ بريطانيا حظيت على الدوام باحترام دولي، ولو على مضض. لقد حجبت صورة بريطانيا، اللامعة المصقولة بروح الدعابة والإبداع، بريطانيا الحقيقية، حيث البنية التحتية المتداعية وبؤس الإهمال وعدم المساواة.

والآن تظهر مهارات تمويه مماثلة في بعض وسائل إعلامنا، حيث تلتقي صورة رئيس الوزراء كرجل شجاع يتمتع بـ "روح قتالية" مع رسائل تطمينية من الملكة، لإخفاء فشل الحكومة. كما تجري التغطية على أعداد الوفيات المفزعة، التي تتجاوز ما تشهده بعض الدول المجاورة، بوهم بريطانيا العظمى، وبشكل استثنائي حتى الآن، وهذه العظمة عبارة عن أسطورة بشعة مبنية على كبرياء مبالغ فيه وتطلعات ضئيلة.

إن التخطيط السيئ والاستراتيجيات الخاطئة والرسائل الفاشلة والمعاملة المخزية لموظفي الرعاية الصحية والعاملين الأساسيين الآخرين، كلها تبدو نتيجةً لقبول الأشياء كما هي والتصور بأنها لا يمكن أن تتحسن، وفكرة أنهم هم فقط من بإمكانهم أن يتحسن. وحتى الآن هناك مجال للتغيير، ويجب ألا نكفّ عن المطالبة بالمزيد للجميع.

© The Independent

المزيد من آراء