Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كورونا يلاحق ضحاياه حتى القبور في مصر

الأهالي رفضوا دفن جثمان طبيبة توفيت بالوباء والشرطة تتدخل... والمؤسسات الدينية تستنكر

ظل جثمان الطبيبة عالقاً بين قريتين حتى تدخل الأمن وأجبر الأهالي على دفن الجثة (مواقع التواصل الاجتماعي)

لم يكن يتخيل أحدٌ من المصريين أن يتحوّل تشييع جثمان أحد المتوفين إلى اشتباكات بين الأمن والأهالي في إحدى القرى، بعد أن ظلّ جثمان المتوفاة جراء فيروس كورونا عالقاً بين قريتين هما "ميت العامل" حيث مسقط رأسها، و"شبرا البهو" قرية زوجها (شمال القاهرة)، بعد أن رفض أهالي القريتين دفن جثمانها في مقابرهم، وفشل المفاوضات معهم التي امتدت ساعات، قبل أن تتدخل الشرطة وتجبر الجميع على إتمام الجنازة، في مشهد عكس حالة التغيّر التي أصابت المجتمع المصري، وفق مراقبين.

ولم تقتصر "أزمة دفن جثمان الطبيبة" عند حدود الاشتباك بين الأمن والمتظاهرين، بل تصدّرت اهتمام وسائل الإعلام المحلية، وغالبية مؤسسات الدولة الدينية والمدنية، وأصدرت منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة المصرية بيانَين لإجلاء تخوّفات الأهالي من احتماليات انتقال الوباء من جثمان المُتوفِّي، بينما كانت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة أخرى للمعركة.

تفاصيل ما حدث

توفيت الطبيبة (غير الممارسة) سونيا عبد العظيم، 64 سنة، يوم السبت، بمستشفى عزل خاص بحالات كورونا بمحافظة الإسماعيلية (منطقة قناة السويس)، وظلّ جثمانها حائراً بين "ميت العامل" و "شبرا البهو" بعد أن رفض أهالي الأخيرة دفن ضحية كورونا في المقابر، بداعي احتمالية انتقال العدوى إليهم، فضلاً عن تذرّع البعض بحجة أخرى، وهي أنّ المتوفاة "ليست من أبناء قريتهم، ولن يسمحوا بدفنها".

وبعد ساعات من الشدّ والجذب بين أسرة الضحية والأهالي، تجمهر أهالي قرية "شبرا البهو" أمام المقابر، ومنعوا دخول سيارة الإسعاف، وذلك قبل أن تتدخل الأجهزة الأمنية والإدارة الصحية في مفاوضات استمرت ساعات مع الأهالي، لإقناعهم بدفن الجثمان، إلا أنهم أصروا على موقفهم الرافض.

وبحسب روايات شهود العيان، وأسرة الضحية التي نقلتها وسائل إعلام محلية، في محاولة لحل الأزمة انتقلت الإسعاف إلى قرية "ميت العامل" مسقط رأس الطبيبة، لدفن الجثمان في مقابر أسرتها، إلا أنّ أهالي القرية رفضوا أيضاً، فعادت الإسعاف مرة ثانية إلى قرية "شبرا البهو"، بصحبة قوات الأمن للتفاوض مع أهالي القرية، لدفنها في المقبرة المخصصة لها.

وذكرت مصادر أمنية، أنه بعد فشل المفاوضات مع أهالي القرية، وتزايد تجمهر الأهالي وبعض السيدات، قررت القوة الأمنية التوجّه إلى قرية "ميت العامل" بالإسعاف لدفن الطبيبة هناك، إلا أنهم فوجئوا بوجود تجمهر آخر بعد انتشار خبر رفض أهالي "شبرا البهو"، وطالبوا بدفنها في مقابر زوجها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما احتدت الأزمة، لجأت الشرطة إلى إطلاق الغاز المسيّل للدموع على الأهالي المتجمهرين لتفريقهم، وتمكين أسرة المتوفاة من دفن جثمانها. وقالت وزارة الداخلية، في بيان لها عقب الحادث، "الأمن ألقى القبض على 23 شخصاً حاولوا منع مراسم دفن امرأة توفيت نتيجة إصابتها بفيروس كورونا المستجد في قرية بمحافظة الدقهلية بدلتا النيل".

وبحسب بيان الداخلية، فإن الأهالي أقدموا على ذلك "استجابة إلى الإشاعات ودعوات التحريض، بدعوى منع انتشار المرض"، وتوعّدت الوزارة، في بيانها، بأنها ستتصدى "بكل حزم وحسم لأي محاولات لإثارة الشغب أو الخروج على القانون أو عرقلة إجراءات دفن المتوفين من ضحايا الإصابة بالفيروس".

وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات من أهالي قرية "شبرا البهو" بالدقهلية، وهم يعترضون سبيل سيارة الإسعاف، ويحاولون منعها من الوصول إلى المقابر قبل أن تتدخل قوات الشرطة، وتفرّق المتجمهرين بالغاز المسيل للدموع، وتلقي القبض على عددٍ منهم. ودُفِنت المرأة بعد ذلك تحت إشراف فريق طبي.

وأثارت الواقعة موجة استياء كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسلّطت وسائل الإعلام الضوء عليها، واستضافت متخصصين أكدوا "عدم انتقال المرض من الجثث بعد دفنها"، خصوصاً أنها تخضع قبل الدفن لإجراءات صحية تحت إشراف طواقم الطب الوقائي.

وقال خالد مجاهد، متحدّث باسم وزارة الصحة المصرية، "جثامين المتوفين بفيروس كورونا لا تنقل العدوى في حال تطبيق كل الإجراءات الوقائية"، موضحاً "تطبق الإجراءات الاحترازية والوقائية على الوفيات"، مشيراً إلى أنه عند "نقل الحالة المتوفاة إلى ثلاجة المستشفى تُرفع بالملاءة المحيطة بها، وتُنقل على (ترولي) يُطهّر ويُنظّف جيداً".

وتابع، "الفريق المتخصّص بنقل وتغسيل الحالة يرتدي عباءة سميكة تغطي الذراعين والصدر، وتمتد إلى أسفل الركبة، إضافة إلى ماسك وقفاز يغطي العباءة حتى الرسغ، وغطاء رأس، وحذاء بلاستيكي طويل الرقبة".

وقال المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بالقاهرة، في بيان، "حتى الآن، لا يوجد دليلٌ على إصابة الأشخاص بالعدوى جراء التعرض لجثث الأشخاص الذين ماتوا بسبب فيروس كورونا".

احتفاء بالطبيبة

إلى ذلك، وبينما عمّت موجة من الاستياء والنقد مواقع التواصل الاجتماعي طوال الـ24 ساعة الأخيرة، إذ طالب البعض بإطلاق اسم الطبيبة على إحدى مؤسسات القرية أو تغيير اسم القرية باسمها، أعلن أيمن مختار، محافظ الدقهلية، إطلاق اسم "سونيا عبد العظيم"، على مدرسة القرية تخليداً لها، وحتى يعلم الطلاب أنّ "العلم هو الأساس لكل شيء لا الإشاعات"، على حد وصفه.

وقال مختار، في تصريحات محلية، "ما يحدث من تنمّر ضد مرضى فيروس كورونا غير آدمي بالمرة وغير مقبول"، مشيراً إلى أن "تعليق اللافتة باسم الطبيبة سونيا على المدرسة أقلّ تكريم لها".

حرمة التنمر

إلى ذلك، استنكرت الهيئات الدينية في مصر الواقعة، وغيرها من حوادث التنمر بمرضى كورونا والطواقم الطبية المتعاملة معهم. وذكر الأزهر، في بيان، أن "الإصابة بفيروس كورونا ليست ذنباً أو خطيئة ينبغي إخفاؤها عن الناس"، مشدداً على "حرمة إيذاء المُصاب بالفيروس، أو الإساءة إليه ولو بنظرة، أو امتهان من تُوفِّي جراءه، وبوجوب إكرام بني الإنسان في حياتهم وبعد موتهم".

وقال شيخ الأزهر، أحمد الطيب، في تعليق على صفحته على "فيسبوك"، "مشهدٌ بعيدٌ كل البعد عن الأخلاق والإنسانية والدين. إن إنسانيتنا توجّب على الجميع التزام التضامن الإنساني، برفع الوصمة عن المرض وكفالة المتضررين وإكرام من ماتوا بسرعة دفنهم والدعاء لهم".

كما أصدر شوقي علام مفتي مصر، بياناً عاجلاً بشأن الواقعة ندد فيه بما وصفه بـ"الأساليب الغوغائية من الاعتراض على دفن ضحايا فيروس كورونا، التي لا تمتّ إلى ديننا، ولا قيمنا، ولا أخلاقنا بأدنى صلة".

وأضاف، "لا يجوز بحال من الأحوال ارتكاب الأفعال المُشينة من التنمّر الذي يعانيه مرضى كورونا، أو التجمهر الذي يعانيه أهل الميت عند دفنه".

وفي أحدث حصيلة لها، أعلنت وزارة الصحة المصرية، اليوم الأحد، تسجيل 126 حالة إيجابية جديدة لفيروس كورونا، و13 حالة وفاة، ليرتفع بذلك إجمالي العدد الذي سُجِّل في مصر إلى 2065 حالة، من ضمنهم 447 حالة تعافت، و159 وفاة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير