Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما قدر ضرر حجر مطول بذوي الدخل المنخفض؟

هل يوجد ما يدعو إلى الخوف من استفحال معاناة الفئات الأفقر بيننا في حال طال أمد الغلق؟

ستخفّض القيود المشددة بسبب كورونا الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (أ.ف.ب)

نعلمُ أنّ تمديد حظر التجوّل في المملكة المتحدة بعد فترة الثلاثة أسابيع المخطط لها في البداية ستكون له عواقب اقتصادية وخيمة.

يشير بعض التقديرات إلى أنّ كل شهر من القيود المشددة على تحركاتنا سيخفّض ناتجنا المحلي الإجمالي السنوي بمقدار نقطتين مئويتين.

هذه نسبة كبيرة، وسيؤدي انخفاض الناتج المحلي الإجمالي إلى انخفاض الدخل وفقدان الوظائف والإضرار بسُبل العيش.

غير أنّ المال ليس المقياس الوحيد، إذ سيتعطّل التعليم وتتفكك العائلات وتضيع فرص الحياة، ويُحتمل أن يتصاعد العنف المنزلي. ثم هناك الصحة.

وقال كبير الأطباء البريطانيين كريس ويتي، في المؤتمر الصحافي اليومي للحكومة عن (كوفيد 19) في وقت سابق من هذا الأسبوع، إن "أي شيء له تأثير في الوضع الاجتماعي والاقتصادي، لا سيما الأشخاص الأكثر حرماناً، سيكون له تأثير صحي طويل الأمد (و) علينا، في استراتيجيتنا للخروج، أن نوازن بين جميع هذه العناصر المختلفة التي قد تتعارض إلى حدّ ما".

فهل يوجد ما يدعو إلى الخوف من استفحال معاناة الفئات الأشد فقراً بيننا إذا استمر الغلق؟ وهل يكون الحظر المطوّل أفتك بالبعض؟ تقوم "اندبندنت" هنا باستقصاء الأدلة.

متوسط ​​العمر المتوقع
قد يفترض المرءُ أن حالات التدهور الاقتصادي سيصاحبها قِصرٌ في أمد الحياة، لكن الكثير من الأدلة يشير إلى عكس ذلك، وهو أنّ حالات الركود ترتبط، خلافاً للمتوقع، بفترات من الزيادة السريعة لمتوسط العمر المتوقع.

ففي السنوات الأربع للكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، وجد الباحثون أن معدل الوفيات انخفض، وارتفع متوسط ​​العمر المتوقع لدى جميع الفئات الديموغرافية تقريباً في الولايات المتحدة. وفي تلك الفترة، انخفض الاقتصاد الأميركي 20 في المئة، وبلغت البطالة بالولايات المتحدة 26 في المئة.

وقد وجدت دراسة أميركية أخرى نتائج مماثلة لما تُخلّفه حالات الركود الناجمة عن الحروب.

كما أنها ليست مجرد ظاهرة أميركية، حيث تشير الدلائل المستقاة من الأزمة المالية العالمية بين عامي 2008 و2009 إلى أنّ معدل الوفيات انخفض بشكل أسرع في البلدان الأوروبية التي شهدت ركوداً أكبر، بما فيها المملكة المتحدة، بالمقارنة بالدول الأقل تضرراً من الناحية الاقتصادية.

كيف يمكن بالتالي تفسير ذلك؟ يَفترض الباحثون أنّ فترة الركود وانخفاض الدخل قد يحدان من السلوكيات الخطيرة والمضرة بالصحة، مثل الإفراط في الشرب. كما أن قلّة قيادة السيارات، لأسباب اقتصادية، تؤدي إلى انخفاض حوادث المرور على الطرقات.

ومع ذلك، تشير الدلائل المستقاة من أميركا اللاتينية إلى زيادة عامة في معدل الوفيات خلال فترات الركود.

يقول الباحثون، في معهد العدالة الصحية بجامعة لندن كوليدج، إنه "لا يبدو أن هناك تطابقاً (نمطياً) بين الوفيات والركود"، وأضافوا أنه "بينما ستزداد بعض أسباب الوفاة، ستنخفض أخرى، وستختلف آثارها في إجمالي الوفيات بين الشعوب".

الانتحار
ربما أظهرت تلك الدراسات الأميركية عن الكساد الكبير تأثيراً إيجابياً في معدل الوفيات، لكنها أظهرت أيضاً ارتفاعاً في حالات الانتحار. علاوة على ذلك، وجدت دراسة أجريت على دول أوروبية والولايات المتحدة وقوع 10 آلاف حالة "انتحار اقتصادي إضافية" بين عامي 2008 و2010، نتيجة للأزمة المالية العالمية، على الرغم من أن دراسات أخرى تشير إلى أن حجم الزيادة يتأثر أيضاً بنطاق شبكة الأمان القائمة للرعاية الاجتماعية.

على سبيل المثال، كان هناك ارتفاع كبير في حالات الانتحار في اليونان خلال الأزمة الاقتصادية والمالية الشديدة التي شهدتها البلاد حديثاً. ويعزو الباحثون ذلك إلى فقدان الوظائف والمديونية وفقدان الناس منازلهم بسبب التخلف عن سداد الرهون العقارية.

الصحة
تعتبر الأبحاث المُنجزة عن الآثار الصحية للركود أكثر دقةً بكثير من الأبحاث التي أجريت على أمد الحياة، فهي سالبة وتتسم بالأهمية.

وتشهد التفاوتات الصحية ارتفاعاً هي الأخرى، حيث يتأثر بشدة ذوو الدخل الضعيف، لأنهم ربما أكثر عرضة لفقدان وظائفهم، فهناك صلة وطيدة بين البطالة وسوء الصحة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تشير الدلائل المستقاة من ركود 1981 في المملكة المتحدة إلى أنّ معدل الوفيات بين العاطلين من العمل خلال تلك الأزمة، كان أعلى من معدل الوفيات بين الذين كانوا يعملون.

وبالنسبة إلى أولئك الذين ينتمون إلى الفئات الاجتماعية والاقتصادية الأشد حرماناً، كانت الفجوة كبيرة جداً في الحقيقة.

يقول الباحثون، في معهد الدراسات المالية، إنّ الأدلة بدأت تُظهر بالفعل أن الأُسر ذات الدخل الضعيف تتأثر بشكل غير متناسب بحظر التجوّل، لأنها أقل قدرة على العمل من المنزل على غرار الموظفين الإداريين.

يُقدِّر معهد الدراسات المالية، أنه في حال انخفاض التوظيف في المملكة المتحدة، كما حدث خلال فترة الركود لعام 2008، يُتوقع أن يعاني 900 ألف شخص إضافي في سن العمل حالة صحية مزمنة.

ويحذّر الباحثون أيضاً من أن الصحة العقلية للأشخاص تتدهور خلال فترة الركود، فقد أظهرت دراسة أميركية أنّ العاطلين عن العمل هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة الضعف من نظرائهم الذين يعملون.

فقد أبلغت جمعية "مايند" الخيرية البريطانية للصحة العقلية عن تضاعف الاتصالات بخطوط المساعدة الخاصة بها خلال الركود الأخير، وهناك أيضاً أدلة على أن هذه المشكلات تتركز بشكل خاص في المناطق الأكثر حرماناً.

التوازن
من المهم الإشارة إلى أننا لم نشهد غلقاً كهذا من قبل، لذا يستحيل النظر مباشرة إلى السجل التاريخي للحكم على ماهية آثاره الصحية في المستقبل القريب والبعيد.

تعتبر ظروف فقدان الوظائف على نطاق واسع، مقرونةً بالعزل الذاتي وإغلاق قطاع الترفيه بأكمله، جديدة كلياً. ومع ذلك، لدينا ما يثبت وجود أثر صحي لحالات الركود السابقة، وقد يكون بمثابة دليل. وهذا الدليل يشير بقوة إلى أنّ الفئات الأشد فقراً هي من ستعاني أكثر كلما طال أمد هذا الإغلاق للنشاط الاقتصادي.

لكن، ينبغي أن نوازن بين هذا وحقيقة أن صحة الفئات المعوزة ستسوء أيضاً في حال الخروج من الانغلاق قبل احتواء الوباء.

وتظهر البيانات الصادرة عن نيويورك أنّ الأشخاص الأشد فقراً يُنقلون إلى المستشفيات بسبب (كوفيد 19) أكثر من غيرهم.

من جهة أخرى فإن الادعاءات بأن هذه القيود الاقتصادية والاجتماعية، وما يصاحبها من ركود، ستقتل على الأرجح أكثر مما سيقتل (كوفيد 19)، لا تستند إلى أسس وجيهة. وسيتوقف الكثير أيضاً على السياسات التي تم تبنّيها بعد الركود.

ومع ذلك، هناك ما يبرر تصريح كبير الأطباء في المملكة المتحدة عندما قال إن توفير هذا التوازن هو أحد الأحكام الأساسية التي سيواجهها الوزراء في اتخاذ قرار إنهاء الغلق.

© The Independent

المزيد من آراء