Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد هدم قريتهم 137 مرة... المحكمة الإسرائيلية تسمح لفلسطينيي العراقيب بإثبات حقهم في الأرض والمسكن

العراقيب قرية فلسطينية ترفض إسرائيل الاعتراف بها منذ العام 1948 وهي واحدة من 45 قرية بدوية في النقب تسعى إسرائيل إلى ترحيل سكانها

أهالي العراقيب بمواجهة قوات مكافحة الشغب الإسرائيلية. (تصوير سليمان ابو زايد)

كان يوم 27 يوليو (تموز) عام 2010 يوماً مفصلياً لفلسطينيي قرية العراقيب الواقعة في النقب جنوب الأراضي المحتلة، عندما هدمتها الجرافات الإسرائيلية عن بكرة أبيها ومحتها من الوجود بذريعة البناء غير المرخص، وأخلت سكانها منها. فكان أمام السكان، الذين لملموا ما استطاعوا من أغراضهم، خياران إما الرضوخ لسياسة الهدم الإسرائيلية وقبول البدائل المطروحة أمامهم لأراضيهم وأملاكهم وإما النهوض من جديد والتشبث بالأرض ومنع حدوث "نكبة ثانية" لهم.

وهبّ فلسطينيو الـ 48 في ذلك اليوم من كل المناطق المنتشرة داخل الأراضي المحتلة للوقوف إلى جانب هذه الشريحة من أبناء شعبهم وشحنهم بمزيد من القوة والصمود فعادوا إلى أراضيهم فور مغادرة الجرافات وباشروا ببناء بيوتهم الجديدة، التي باتت خيماً، معلنين تمسكهم بالأرض والمسكن.

منذ ذلك الوقت، تصاعدت معركتهم بوجه جرافات الهدم التي لم تتوقف عن مضايقتهم، فكلما أعادوا بناء البيوت، قامت بهدمها، بأوامر من الحكومة الإسرائيلية، لتسجل عمليات الهدم رقماً قياسياً، وصل إلى 137 مرة.

ولم تلقَ صرخاتهم ومطالبتهم بحقهم في الأرض آذاناً صاغية ولا تجاوباً حتى في المحاكم الإسرائيلية، إلى أن نظرت محكمة الأسبوع الماضي، في إحدى الدعاوى لأول مرة، وأتاحت فرصة أمامهم لإظهار ما يملكون من أدلة وإثبات ملكيتهم للأرض وحقهم التاريخي فيها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستمعت المحكمة لشهادة أحد أبرز الباحثين في تاريخ فلسطينيي النقب، الباحث الإسرائيلي المعروف بمواقفه المناهضة للصهيونية، البروفسور غادي الغازي، الذي عرض خلال أربع ساعات متواصلة في المحكمة عشرات الأدلة التي تدحض الادعاءات الإسرائيلية، التي تلغي وجود سكان العراقيب وبقية البلدات العربية في النقب ولا تعترف بها منذ إقامتها عام 1948. فحضرت بقوة، قصة تهجير هذه الشريحة الفلسطينية في المحاكم الإسرائيلية بانتظار قرارٍ يتوقع المطلعون على القضية أن يسجل سابقة تحدث تغييراً جذرياً في وضعية ومكانة السكان الذين عايشوا عمليات التهجير القسري من أراضيهم لسنوات طويلة.

 

240 ألف عربي رهينة السياسة الإسرائيلية

ويعيش في صحراء النقب، جنوب الأراضي المحتلة، حوالي 240 ألف فلسطيني، يقيم نصفهم في قرى وتجمعات سكنية بعضها مقام منذ مئات السنين. وتحظى هذه المنطقة باهتمام كبير لدى الحكومة الإسرائيلية، التي وضعت مخططات لإنعاش الجنوب عبر إنشاء مشاريع سكنية واقتصادية وتجارية، وفي كل فرصة أو مخطط يخصّ الجنوب، تكون القرى غير المعترف بها لقمةً سائغة أمام الحكومة.

حياة قاسية

ويعيش سكان هذه القرى حياة فقر قاسية، إذ ترفض إسرائيل الاعتراف بقراهم، بذريعة أن الأرض التي يسكنها البدو، ملك للدولة وبالتالي ترفض تزويد السكان بالخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء، وتحاول بكل الطرق والأساليب دفعهم إلى اليأس والإحباط من أجل الاقتلاع والتهجير.

مخطط تهجير

وأعدت الحكومة الإسرائيلية مخطط تهجير أُطلق عليه اسم "مخطط برافر"، بهدف إعادة إسكان بدو النقب، من خلال إخلاء مناطق عربية من سكانها والسيطرة عليها من قبل ما يُسمى "دائرة أراضي إسرائيل"، لتوزَّع في مرحلة لاحقة، على عائلات يهودية لإقامة مزارع خاصة فيها، إلى جانب استخدام مساحات شاسعة لإنشاء قواعد عسكرية للجيش الإسرائيلي. كما أُعدَّت بموجب المخطط، إقامة 100 مزرعة جديدة، إضافة إلى 41 مزرعة فردية أقامها يهود في شكل غير قانوني، وخُصصت مساحة 80 دونماً، تقدَّم مجاناً لكل عائلة يهودية توافق على السكن هناك، لنقل "الاستيطان" إلى هذه المنطقة. وشمل المخطط توطين حوالي 250 ألف يهودي في المنطقة.

وتقضي الخطة الإسرائيلية بتهجير أكثر من 30 ألف من البدو وتركيزهم في بلدات اختيرت لهم. والأخطر من هذا، أن معدّي المخطط استهدفوا مصادرة 500 ألف دونم على الأقل من أصل 600 ألف من أراضي عرب النقب التي ترفض الحكومة الإسرائيلية تسجيل ملكيتهم لها.

معركة شعبية

وخاض سكان النقب بدعم كبير من فلسطينيي 48 معركة شعبية واسعة أجبرت الحكومة على التراجع عن هذا المخطط، إلا أنها لم تتراجع عن تحقيق هدفها بتهجير سكان النقب والاستيلاء على أراضيهم.

وتُعدّ قرية العراقيب مثلاً صارخاً على السياسة الإسرائيلية. وبدأت معاناة هذه القرية في العام 1951 حين اقتُلع سكانها من أراضيهم. ووعدت إسرائيل معظم سكان البلدات الفلسطينية الذين تم ترحيلهم بأن المسالة موقتة، ووعدت أيضاً سكان العراقيب بذلك. وبقي أهلها مهجرين حتى بداية التسعينات، إذ عادوا إليها وأقاموا في القرية على رغم رفض الحكومة الاسرائيلية، التي اعتبرت عودتهم، سابقة خطرة قد يستخدمها ربع مليون فلسطيني مهجَّر داخل وطنه. ومنذ إقامة قرية العراقيب، تعرضت بيوتها لعمليات هدم متواصلة، إلا أنه في كل مرة تهدم يزداد تشبث أهلها بها.

وبات سكان العراقيب اليوم جزءاً مركزياً في المعركة لمواجهة، ما يعتبره الفلسطينيون "نكبة ثانية"، إذ إن المساعي الإسرائيلية ستخلص إلى حصر بدو النقب ضمن ثلاثة تجمعات رئيسة هي ديمونة وعراد وبئر السبع، وفي سبع قرى بدلاً من 70، من بينها 45 قرية وتجمعاً تعتبر إسرائيل أنها "قرى غير معترف بها".

وبعث التطور الأخير في موقف المحكمة الإسرائيلية، الأمل في تحقيق أبسط حقوق فلسطينيي النقب بالاعتراف بحقهم في المسكن والأرض، التي وجدوا عليها وعاشوا فيها حتى قبل قيام دولة إسرائيل. ويملك محامو الدفاع أدلة عدة لإثبات حق أصحاب الأرض فيها وسيمثل أمام المحكمة متخصّصون معهم أدلة على أن مصادرة أرض العراقيب تمت بتهجير الأهالي بالقوة وانتهاك القانون، وأبرزها وجود قبور جماعية وشهادات مسنين عايشوا التهجير، إضافة إلى أبحاث عميقة أجراها المتخصّصون.

المزيد من الشرق الأوسط