Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المصاب الصامت: "القاتل البريء" الذي يتجول بيننا

يمكن للسعال أو العطس قذف قطيرات كورونا حتى مسافة ثمانية أمتار

لقاح كورونا سيتأخر لأشهر (أ.ب)

منذ ظهوره للمرة الأولى في بر الصين، ساد اعتقاد واسع النطاق لدى مسؤولي الصحة العامة في جميع أنحاء العالم، بأن الأشخاص الذين يصابون بفيروس "كورونا المستجد" من دون أن تظهر عليهم أعراض المرض، ليس بإمكانهم نقل العدوى إلى الآخرين إلا في ما ندر، وأن من شأن ذلك أن يمنح هؤلاء "المصابين الصامتين" جزءاً صغيراً ومحدوداً من "كعكة" انتشار الفيروس العالمي. لكن يبدو أن هذا الاعتقاد قد جانبه الصواب، بل إن طرف خيط "حل لغز" التفشي السريع لجائحة كورونا، يبدأ من هنا. فوفقاً لمحاكاة علمية حديثة تم إجراؤها لمعرفة كيفية انتشار فيروس "كورونا المستجد"، في الفترة التي سبقت فرض الصين الحجر الصحي الكامل والشامل حول مقاطعة هوبي منعاً لتفشي الجائحة، فإن زهاء 9 من كل 10 إصابات بالعدوى حدثت بواسطة "مصابين يتمتعون بصحة جيدة". ووجدت المحاكاة أن الأشخاص المصابين آنذاك بأعراض خفيفة بما يكفي للتملص من إجراءات الحجر الرسمية الصينية، فاقت احتمالات نقلهم العدوى إلى أشخاص آخرين الـ50 في المئة. وخلص الباحثون الذين أجروا المحاكاة، إلى أنه في المرحلة الأولى لتفشي الفيروس (بين 10 - و23 يناير- كانوا الثاني) لعب المصابون الصامتون، الذين لم يتم حجزهم داخل المراكز الطبية، دوراً رئيساً في نشر فيروس "كورونا المستجد" مثل نار في الهشيم. ويقول جيفري شامان، الباحث في الأمراض المعدية بجامعة كولومبيا الذي قاد بحث المحاكاة الذي نشر في مجلة "ساينس" المرموقة، إن "المصاب الصامت" ليس حقيقة فحسب، بل كان "المحرك الرئيس للوباء، ولم يتم اكتشاف مساهمته الرئيسة هذه إلى حين. لقد كان يحلق تحت سقف رادارات السلطات الطبية".

وفي دراسة أخرى نشرت على موقع medRxiv العلمي المتخصص، وجد علماء الأوبئة الذين فحصوا مجموعة من 91 مصاباً في سنغافورة، أن 48 في المئة من حالات العدوى ترجع إلى أشخاص لم يكونوا مرضى للغاية أو لم تظهر عليهم أعراض البتة. وفي حالة تفشٍ أخرى لـ135 حالة في مقاطعة تيانجين الصينية، خلص الباحثون إلى أن 62 في المئة من المرضى أصيبوا بالعدوى من لدن حاملين للفيروس لم تظهر عليهم أعراض واضحة. وأوضح مؤلفو الدراسة أن النتائج التي توصلوا إليها أولية لأنها لم تخضع لمراجعة علماء آخرين على نطاق واسع. وقالوا إنهم استنتجوا، مع ذلك، أن الانتقال "الصامت" لفيروس "كورونا المستجد" يجعل من الصعوبة بمكان القضاء عليه، كما حدث مع سابقيه "سارس" و"ميرس".

الاحتواء غير ممكن تقريباً

تزايدت الشكوك حول إمكانية "الانتقال الصامت" للفيروس منذ منتصف فبراير (شباط) الماضي، عندما ذكرت الدكتورة ساندرا سيسيك، مديرة معهد الفيروسات الطبية بجامعة فرانكفورت، أنها تمكنت من إصابة خلايا بشرية مخبرية بعينات من فيروس "كورونا المستجد" أُخذت من راكبَين عادا إلى ألمانيا من ووهان الصينية. وفي حين أن كلا الراكبين كانا مصابين، إلا أنه لم يكن لدى أحدهما أي أعراض فيما أبلغ الآخر عن التهاب خفيف في الحلق ترافق مع طفح جلدي. وتقول سيسيك إنها تعتقد أن الأشخاص العديمي الأعراض ينشرون الفيروس، وأنه طالما كان الأمر كذلك، فإن "الاحتواء غير ممكن تقريباً". كما شهد الشهر الماضي في ماساتشوستس، أدلة أخرى على الانتشار الصامت لفيروس "كورونا المستجد". ففي اجتماع لـ"بيولوجيين" على مستوى الشركة، نشر ثلاثة موظفين مصابين بالفيروس لم تظهر عليهم أي علامات، المرض لدى 72 شخصاً بعيد أيام قليلة من الاجتماع.

ومع تعاظم الشكوك حول الانتشار الصامت للمرض، حذر مدير وكالة "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" الأميركية، من أن 25 في المئة من المصابين بفيروس "كورونا المستجد" لا تظهر عليهم أعراض، وهي نسبة مرتفعة بشكل مذهل، وتعقد جهود التنبؤ بمسار الجائحة وإستراتيجيات الحد من انتشارها. وقد تُجبر هذه النسبة المرتفعة من المصابين الصامتين الذين لا تظهر عليهم الأعراض، "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" إلى إعادة النظر في توسيع مبادئها التوجيهية المتعلقة بارتداء الكمامات الطبية. ويقول الدكتور روبرت ريدفيلد، مدير الوكالة، إن "هذا الاستنتاج الأولي يساعدنا على تفسير الكيفية التي انتشر بها فيروس كورونا المستجد بسرعة في جميع أنحاء البلاد". ولطالما كررت "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها"، خلال الأسابيع الأخيرة، نداءات تحث المواطنين الأميركيين العاديين على عدم التكالب على شراء الكمامات الواقية أو حتى ارتدائها ما لم يشعروا بالمرض. ولكن مع ظهور الأدلة الجديدة المتعلقة بالأفراد الذين يصابون بالعدوى من دون الشعور بالمرض أو هؤلاء الذين ينشرون الفيروس لبضعة أيام قبل ظهور العوارض عليهم، فإن هذه المبادئ الإرشادية "ستتم مراجعتها بشكل حاسم" بحسب ما يقول ريدفيلد. ولا يعرف الباحثون بدقة عدد "المصابين الصامتين" بفيروس "كورونا المستجد". لكنهم رصدوا، منذ ظهور هذه الجائحة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أدلة مثيرة للقلق تتعلق بأشخاص أصحاء على ما يبدو، نشروا المرض من غير قصد. ويضرب الباحثون المثال بـ"المريض إكس"، وهو رجل من غوانغدونغ الصينية يبلغ من العمر 26 سنة، كان على اتصال وثيق فبراير (شباط) الماضي، بمسافر من ووهان مصاب بفيروس "كورونا المستجد". لكن صاحبنا هذا لم يشعر بأي علامات مرضية؛ ليس في اليوم السابع بعد الاتصال، ولا في اليوم العاشر أو الحادي عشر. على الرغم من ذلك استمر نمو وازدهار مستعمرة فيروس "كورونا المستجد" داخل أنفه وحلقه حتى اليوم السابع، تماماً كما هو حال كل من أصيب بالفيروس من قبله. كان "المريض إكس" يشعر بأنه في أفضل حال، لكنه في الواقع، كان مصاباً مثل عشرات الآلاف من أقرانه الصينيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المريض إكس
وتوصل الباحثون أخيراً إلى استنتاج مفاده أن أشخاصاً مثل "المريض إكس"، ليسوا مجرد حالات فردية نادرة. ويدللون على ذلك، بركاب السفينة السياحية "دياموند برنسيس" التي اجتاح ركابها الفيروس لدى بداية ظهوره في آسيا. إذ أثبتت التحاليل التي أجريت على كل من كان على متن السفينة أن ما يصل إلى 18 في المئة من الأشخاص الذين جاءت نتائجهم إيجابية للفيروس لم تبدُ عليهم أي أعراض مرضية. كما توصل فريق بحثي من هونغ كونغ إلى نتائج مماثلة، إذ تبين له أن ما بين 20 إلى 40 في المئة من حالات تفشي فيروس "كورونا المستجد" في بر الصين الرئيس، حدثت قبل ظهور أي أعراض على سكان المناطق المنكوبة.

قد تساعد المستويات المرتفعة للانتشار الصامت والخفي للفيروس في حل اللغز الذي حير الباحثين: لماذا ينتشر "كورونا المستجد" مثل وباء على الرغم من أنه "لا ينتمي إلى عائلة الإنفلونزا". فالفيروس المستجد ينتشر بسهولة مثل الأنفلونزا، وفق ما يقول الدكتور مايكل أوسترهولم، خبير الأمراض المعدية في جامعة مينيسوتا، الذي يضيف أنه مع استمرار بقاء اللقاح المضاد لـ"كورونا المستجد" في مرحلة التطوير المخبري، فإن أفضل طريقة للتخفيف من حدة انتشاره هي التباعد الاجتماعي. ونظراً إلى أن الأشخاص المصابين يستطيعون نقل الفيروس إلى الآخرين فيما يشعرون أنهم بخير، ينبغي الطلب من الأشخاص الأصحاء، غير المصابين، البقاء في المنزل. ويذكر بعض الباحثين أن فيروس "كورونا المستجد" يبدو أنه ينتشر، شأنه شأن الإنفلونزا من خلال القطيرات الأصغر حجماً من خمسة ميكرومتر (تُسمى الهباء الجوي)، والتي تحتوي على الفيروس الذي قد يصيب الناس بالعدوى خصوصاً أثناء السعال وكذلك أثناء الزفير. وأوضح الباحثون أن مستوى الفيروس في كلا نوعي الجسيمات منخفض، لذا فإن هرولة شخص مصاب أو سيره في الشارع لا يعرض الآخرين للخطر. ويقول الدكتور بنجامين كولينغ، عالم الأوبئة في جامعة هونغ كونغ: "إذا تعرض المرء لاتصال عابر مع شخص مصاب، فستكون فرصة حدوث العدوى منخفضة جداً. لكن مستوى الخطر يزداد لدى الاتصال المستمر، من مثل المحادثة وجهاً لوجه، أو من خلال مشاركة المجال نفسه لفترة طويلة". ويتفق الباحثون على أن العدوى تنتقل عن طريق الأشخاص الذين لا يعلمون عن الأعراض (يسمونها العدوى من دون أعراض)، لكنهم لاحظوا أيضاً غموض هذا المصطلح. ويقول الدكتور جيفري شامان، خبير الأمراض المعدية في جامعة كولومبيا "لا يوجد تعريف موحد للعدوى من دون أعراض. فقد أظهرت الدراسات التي أجراها فريقه، أن بعض الناس لا يلاحظون أعراضهم أبداً، فيما بعضهم الآخر غير قادر على تمييز العدوى من السعال الناتج من التدخين أو الحساسية أو الحالات الأخرى".

حتى ثمانية أمتار
ثمة أيضاً العديد من التلميحات الدقيقة وغير الدقيقة، حول إمكانية أن ينتقل الفيروس عبر الهباء الجوي. فقد اجتمع 60 عضواً من جوقة موسيقية في جبل فيرنون شمال سياتل في 10 مارس (آذار) الماضي خلال جلسة تدريب لأكثر من ساعتين ونصف الساعة. لم يشعر أي من الأعضاء بالمرض ولم يتصلوا ببعضهم بعضاً. ولكن بحلول نهاية الأسبوع، أصيب عشرات منهم بالمرض وتوفي اثنان. وتشير تجربة الجوقة إلى إمكانية انتقال العدوى عبر الهباء الجوي، ووفقاً لإحدى الدراسات، يمكن للسعال أو العطس قذف قطيرات الفيروس المستجد حتى مسافة ثمانية أمتار. لكن الأبحاث على الإنفلونزا وفيروسات الجهاز التنفسي الأخرى، بما في ذلك الفيروسات التاجية الأخرى، أظهرت أن الناس يمكن أن تطلق الهباء الجوي الذي يحتوي الفيروس ببساطة عن طريق التنفس أو التحدث أو حتى عن طريق الغناء. ويقول الدكتور شويل "أعتقد أن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن الفيروس ينتشر ليس فقط من خلال القطيرات ولكن من خلال الهباء الجوي. يستحسن أن نشجع الناس على استخدام كمامات الوجه في الأماكن المغلقة بما في ذلك محلات السوبر ماركت". يقول الدكتور كارل بيرغيستروم، خبير الأمراض المعدية الناشئة بجامعة واشنطن في سياتل: "لقد حالفنا الحظ مع مرض سارس، ذلك أنه لم يكن ينتقل حقاً إلى الآخرين إلا بعد ظهور أعراضه على المصابين، ما جعل اكتشافه ومحاصرته بتدابير الصحة العامة الحازمة شيئاً سهلاً". لكن الأمر يختلف مع فيروس "كورونا المستجد"، إذ تتم العدوى من قبل أشخاص يبدون أصحاء، وغالباً ما تكون الحصيلة قاسية: أعراض شديدة ومعدل وفيات مرتفع. ويقول بيرغيستروم "هذا المزيج الفيروسي يجعل من الصعب للغاية القتال اعتماداً على تدابير الصحة العامة القياسية المتعارف عليها". قد تساعد الاختبارات السريعة للعدوى في الكشف عن المصابين الصامتين، وخصوصاً العاملين في مجال الرعاية الصحية. لكن الخبراء يشددون على ضرورة التباعد الاجتماعي كأفضل أداة لوقف سلسلة العدوى على المدى الطويل. ولا يطالب الخبراء بالإغلاق الكامل، ولكن كحد أدنى، إلغاء الأحداث الجماعية والعمل من المنزل عندما يكون ذلك ممكناً وإغلاق المدارس. ويقول الدكتور بيرغستروم "لا يمكننا الافتراض أن أياً منا ليس مصاباً صامتاً محتملًا في أي وقت".

المزيد من متابعات