Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تركيا تستخدم كورونا لمعركة جديدة مع السعودية

سياسات أنقرة تجاوزت الأمن القومي والمصالح التجارية لتبحث عن اعتراف دولي لها بالزعامة الإقليمية

كورونا  ساحة جديدة  لإعلان حروب سياسية (رويترز)

امتدت أزمة فيروس كورونا وتداعيات انتشاره لتلقي بظلالها على العلاقات الدولية، فلم يعد هذا الفيروس مهدداً للبشرية فحسب بعدما تفاقم عدد المصابين وتجاوز المليون شخص، بل أصبح أيضاً سلاحاً مؤثراً في المعارك السياسية بين دول العالم.

وفي الوقت الحالي وبعد مُضي ما يقارب الأربعة أشهر منذ ظهور المرض للمرة الأولى في ووهان الصينية، نجد أن أزمة كورونا أصبحت أداة لسياسة دول تسيء بها لدول أخرى بإلقاء الاتهامات عليها، بمبرر أو بدون. ويمكن القول إن كورونا أصبح ساحة إعلان حروب سياسية من الجيل الرابع، التي تتخذ من الإعلام وسيلة، ومن الإشاعات والمعلومات المغلوطة أداة لتحريك الرأي العام. وهي الحروب التي أصبحت الأكثر شيوعاً بين الدول، خصوصاً مع التطورات التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يعرف بـ"الحرب النفسية" التي تهدف إلى  زعزعة الاستقرار والتشكيك في قيادات الدول التي تشن الحروب عليها.

 وبالنظر إلى منطقة الشرق الأوسط، لم تكن دول المنطقة في مأمن من هذا النوع من المعارك، خصوصاً أن المنطقة تشهد توترات سياسية وعسكرية عدة منذ ما يقارب العشر سنوات، وفيروس كورونا اليوم استُخدم كساحة جديدة من قبل تركيا ضد السعودية. ويمكن القول إن المزاعم التي وردت في تصريحات وزير الداخلية التركي التي ادعى فيها أن السعودية أخفت معلومات انتشار الفيروس بين المعتمرين الأتراك نموذجٌ جديد للتوتر في العلاقات السعودية التركية التي تميزت بالتعقيد الشديد، وشهدت خلال العقد الأخير سلسلة من المد والجزر بعد صعود حزب العدالة والتنمية لسدة الحكم في أنقرة 2011، بل اتسمت بالتوتر الشديد بعد أن فشلت الأخيرة في تدويل قضية مقتل جمال خاشقجي.

الحرب بالوكالة

يرى المحلل السياسي الصحافي عبدالوهاب بدرخان، أن هناك تفاوتاً في طرق التعامل مع الوباء، ولذلك اختلفت تداعياته بين الدول، وستنعكس لاحقاً على الأوضاع الاقتصادية، واستراتيجيات الدول وسياساتها.

 يضيف لـ"اندبندنت عربية"، "ربما تَغيُّر أولويات الدول كلياً أو جزئياً. قد يؤدي بضائقة ما بعد كورونا إلى توترات أكبر إذا استمر نمط سياسات ترمب بما فيها من ضغوط وعقوبات شملت الأصدقاء والأعداء، أو إلى حروب قد يكون بعضها للهروب من المشكلات الداخلية للدول الكبرى، لكن لا يتوقع أن تخرج عن النمط السائد للحروب بالوكالة".

وتابع، "في ما يخص تركيا تحديداً وسياستها العدوانية تجاه السعودية، يمكن القول عموماً إن هناك تشابهاً بين دول إقليمية ثلاث، هي إيران وإسرائيل وتركيا، في كونها خشيت أن تجبرها أزمة الوباء، ولو لأسباب إنسانية، على التخلي عن أساليب سياساتها المتبعة.

وفي حال تركيا فإنها لم تتعامل مع أزمة كورونا كفرصة لتهدئة الشحن السياسي ضد السعودية، بل راحت إلى التصعيد؛ للإبقاء على عصب زبانيتها مشدوداً، سواء في ما يتعلق بالتوجه الإخواني لأنقرة، أو في ما يتعلق بالتوجهات المتعارضة في معالجة أزمات المنطقة العربية".

الإسلام السياسي

يشير بدرخان إلى أن السعودية وتركيا دولتان إقليميتان كبريان، ويقول، "من الطبيعي أن تكون بينهما منافسة. الفارق أن السعودية لم تتدخل بأي شكل في شؤون تركيا الداخلية، في حين أن تركيا اتخذت من تيار الإسلام السياسي وسيلة للتدخل والاختراق في عموم الدول العربية، وفي إطار التيار نفسه دخلت على خط الأزمة الخليجية، وقبل ذلك كانت تأهبت للتدخل في مصر، بل حوّلت التعاطف مع الإخوان إلى عداء مستحكم بين دولة ودولة، وحتى في تدخلها في سوريا غلبّت مبكراً دور تيارات الإسلام السياسي على الوطنيين الذين يريدون وطناً يتعايش فيه الجميع كمواطنين متساويين. قد يكون للموروث التاريخي دور في تصنيع العداء، لكن الحاضر المعاش يبدو أعمق أثراً، فتركيا باحثة عن زعامة في العالمين العربي والإسلامي، ولا تستطيع ذلك في وجود السعودية ومكانتها ودورها وتحالفها مع مصر".

أوضح، "إن مجمل سياسات أردوغان، كما ظهرت خلال الأعوام الخمس الماضية، تجاوزت خارجياً مسائل الأمن القومي والمصالح التجارية لتبحث عن اعتراف دولي لها بالزعامة الإقليمية، ولن تحصل عليه. لا شك أن تركيا دولة مهمة وقوية ولديها أدوار نفوذ يمكن أن تمارسها، أما أحلام إحياء الإمبراطورية العثمانية فهذا لم يعد واقعياً. هناك مسؤوليات ملقاة على عاتق السعودية إسلامياً وعربياً ودولياً يصعب على تركيا أن تضطلع بها".

 ويرى بدرخان، أن السياسات الداخلية لأردوغان، معطوفة على مغامراته الخارجية. وزاد "من الواضح أنها بدأت تُشرذم بيئته الشعبية وتيارات حزبه. فالناخبون يُقبلون على من يضمن اقتصاداً مزدهراً وعملة مستقرة، ثم إن غالبية ناخبي حزب العدالة والتنمية لم تختره لمزيد من الأسلمة بل لمزيد من الاستقرار. وثمة تفاعلات داخلية؛ منها انشقاقات داخل الحزب الحاكم من شأنها أن تعيد تركيا إلى واقعية لا بد منها، فلا روسيا ولا أميركا ولا الاتحاد الأوروبي ستمنحها الدور الذي يحلم به أردوغان، وسيصحو يوماً ليجد أن عداءه للمحيط العربي كان مسلسلاً طويلاً من الأخطاء".

حرب الإشاعات

على الرغم من أن تركيا سجلت أول إصابة بفيروس كورونا في 11 مارس (آذار) الماضي بحسب تصريحات وزير صحتها فخر الدين فوجا، الذي أكد أن الحالة المصابة قادمة من دولة أوروبية، وفي 13 من الشهر ذاته أعلن الوزير إصابة شخص آخر بالمرض مخالط للشخص الأول، وقال بحسب وكالة "الأناضول" التركية، "إن الفحوصات أظهرت إصابة شخص آخر بكورونا من محيط المصاب الأول"، لافتاً إلى أن المصاب الجديد "كان قيد المراقبة الطبية"، إلا أن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو زعم في خبر نشرته وكالة الأنباء التركية، في 26 مارس "أن السعودية لم تبلّغ بلاده والعالم بأي إصابة بفيروس كورونا بين المعتمرين". متناسياً أن الحالات الأولى للفيروس في بلاده لم يكن المعتمرون مصدراً لها.

وأضاف صويلو، أنه عندما ظهرت أول حالة إصابة بفيروس كورونا بين العائدين من العمرة، اتخذ وزير الصحة التركي التدابير اللازمة على الفور، في حين أن السعودية أعلنت في 27 فبراير (شباط) الماضي، عن تعليق مؤقت لدخول الأفراد الراغبين في أداء مناسك العمرة في مكة أو زيارة المسجد النبوي بالمدينة المنورة، وكذلك السياح. كما تم توسيع الأمر ليشمل الزوار المسافرين من الدول التي يمثل فيها كورونا خطراً.

ويعقب الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي صباح الخزاعي بقوله، "ادعاء الوزير التركي بأن السعودية أخفت وجود لفيروس كورونا في مكة غير مبرر، لا سيما أن السلطات السعودية أوقفت تأشيرات العمرة منذ ما يزيد على شهر، إضافة إلى أن السعودية أعلنت تعليق العمرة نهائياً حتى على مواطنيها والمقيمين على أراضيها منذ 4 مارس الماضي".

كورونا ساحة جديدة

واعتبر الخزاعي ما يصدر عن الساسة الأتراك ما هو إلا تمادٍ في الخصومة مع السعودية، إذ رأى هؤلاء في كورونا ساحة أخرى للنيل من سمعة الرياض بعد فشلهم في تدويل قضية مقتل جمال خاشقجي، واستخدامها كسلاح ضدها. وتساءل، "لماذا يتعمد النظام التركي الحالي الخصومة مع السعودية، التي ترأس قمة العشرين وتسهم بسخاء في إيقاف هذا الوباء القاتل، وتتبع نظاماً صحياً صارماً لحماية مواطنيها والمقيمين فيها؟. يجيب، "يمكن القول إنها عقدة الإخوان الذين خسروا كل شيء بشخص أردوغان نفسه الذي كان يتوهم أن يتزعم العالم كسلطان عثماني جديد".

ويتفق معه الأكاديمي والباحث الكويتي عايد مناع، الذي يرى أن الاتهامات غير منطقية. وأخبرنا، "عند الحديث عن تفشي مرض كورونا في مكة، فهذا يعني أننا نتحدث في الفترة الزمنية ما قبل مارس الماضي، وفي تلك المرحلة لم يكن هناك وجود للفيروس في السعودية، فكورونا وصلها متأخراً، وعن طريق مواطنين سعوديين ذهبوا إلى إيران، وكان أول ظهور له بالمنطقة الشرقية في الثاني من مارس، كما أن السعودية اتخذت إجراءات احترازية مسبقة لوصول الفيروس إليها".

تشويه سمعة

ويرى مناع أن الهجوم التركي على السعودية نوع من الحملة السياسية لتشويه سمعة وصورة الأخيرة، ولإبعاد الأنظار أيضاً عن قيام بعض المواطنين الأتراك بهتافات ورفع شعارات سياسية في مكة خلال فبراير الماضي، بما لا يتناسب مع الجانب الديني الذي جاءوا من أجله.

وأوضح، "الحزب الحاكم في تركيا حالياً له توجه عقائدي معروف للجميع، ويتخذ مواقف عدائية ليس من السعودية وحسب، بل من دول عربية عدة في المنطقة تهاجمها وتتدخل في الشؤون الداخلية للبعض منها، ويعود ذلك إلى أيديولوجية الحزب الحاكم، الذي يرى في نفسه القائد الأعلى لتنظيم الإخوان، الذي يكن العداء لعدد من دول الشرق الأوسط، بل إنه يراهن على أن يكون هذا التنظيم هو الحاكم في الدول العربية".

الدول العربية

يشير مناع إلى أن المتابع لمجريات الأحداث السياسية في منطقتنا العربية يلاحظ تدخل تركيا الدائم في قضايانا؛ ففي سوريا على سبيل المثال تحتل اليوم تركيا أجزاء من شمالها وشمالها الشرقي، بل وتقصف مناطق في الداخل السوري وتتدخل في شؤونها، وهذا مخالف للأنظمة والأعراف الدولية، كما أنها استخدمت اللاجئين السوريين كورقة ضغط ضد أوروبا بهدف تحقيق مكاسب وامتيازات مالية وسياسية من الاتحاد الأوروبي.

وتابع، "التدخلات التركية في المنطقة العربية شملت ليبيا، التي تتعامل معها كأنها مسؤولة عن مصيرها كدولة، تلك التدخلات تحرم الليبيين من الاستقرار، بل يطيل أمد الأزمة الليبية والصراعات المسلحة، وحتى في الخليج فلم تترد تركيا في تحريض طرف ضد آخر، إضافة إلى مصر التي تتخذ منها موقفاً عدائياً منذ ثورة يونيو (حزيران) 2013".

مد وجزر

مرت العلاقات السعودية التركية بمراحل متعددة ومتفاوتة بين التقارب والتباعد. يمكن القول إنها تتميز بالتداخل والتعقيد، ويرى الأكاديمي والباحث السعودي محمد بن الشيخ أن علاقة الدولتين تباينت في الملفات العربية بعد  ظهور ما يعرف بـ"الربيع العربي"، وقال، "إن مواقف الدولتين اتفقت وتباينت، ففي الحالة السورية انسجم الموقف التركي مع السعودي. أما في الحالة المصرية خاصة بعد إطاحة الشعب الرئيس الأسبق محمد مرسي تباين موقفهما من هذه الإطاحة".

لافتا إلى أن تركيا ترى في السعودية منذ إعلانها دولة مستقلة أنها ندٌّ قوي في زعزعة مكانتها "العثمانية" السابقة التي أيقظها تنظيم الإخوان بأحلام إعادة إحياء دولتها، وأنها سحبت الهيمنة والقيادة منها بمكانتها الإسلامية والاقتصادية والإنسانية.

واختتم حديثه بقوله، "لا تزال تركيا تحاول بعد فشلها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي  أن تجد نفسها في العالم الإسلامي، وأخذت تحارب السعودية كقوة تقف أمام هذه الأطماع بإيجاد حلفاء ومؤيدين، ففي الحالة القطرية نموذج لذلك، والتدخل في الشؤون الداخلية كما في ليبيا وهو نموذج آخر".

المزيد من تحقيقات ومطولات