Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"تأثير كورونا"... إيطاليا ترفع علم الصين بدلاً من شعار الإتحاد الأوروبي

الفيروس كشف اهتراء مبدأ التضامن في القارة العجوز

ايطالي يرفع علم الصين وبدا علم الاتحاد الاوروبي على الأرض (تويتر)

راج في وسائل الإعلام الإيطالية الأسبوع الماضي خبر يثير الدهشة والاستغراب على طريقة "المضحك المبكي"، وهو أن السلطات التشيكية استولت على أقنعة واقية صينية مرسلة إلى مستشفيات إيطاليا. وفي خبر ثان أكثر دلالة وجدية وهو أن عدداً من المدن والبلدات الإيطالية أنزلت علم الاتحاد الأوروبي عن السواري، ورفعت علم الصين بدلاً منه تقديراً لدعمها لإيطاليا ولغيرها من الدول المنكوبة في أوروبا.

 هذان الخبران يمكنهما أن يختصرا ما تمّر به دول الاتحاد الأوروبي في مواجهة وباء كورونا الذي حوّل القارة العجوز الى منطقة معزولة عن العالم، وكل دولة من دولها معزولة عن الأخرى. وبدت كل دولة، في اللحظة التي أخذت فيها الوباء على محمل الجد بعد طول لامبالاة وتقاعس، وكأنها تهتم بمواطنيها الذين يقيمون داخل حدودها مديرة ظهرها للدول التي تجاورها والتي تخلت عن حدودها الوطنية لمصلحة الحدود الأوروبية المفتوحة "الشينغن". وهذا ما أصاب مبدأ "التضامن" الذي قامت عليه فكرة الإتحاد الأوروبي، بالإهتراء.

كان الإمتعاض واضحاً من خلال التصريحات التي أطلقها رؤساء ومسؤولون أوربيون حول فقر "التضامن الأوروبي" منذ انتشار الفيروس بشكل كثيف في دول القارة، والذي بات يحتاج، بحسب محللين كثر، إلى مداواة بدوره وربما تشريحه لمعرفة إذا كان عطبه بنيوياً أم ظرفياً يمكن إصلاحه (التضامن). هذا قبل أن تعي المفوضية الأوروبية، الهيئة التنفيذية في الاتحاد الأوروبي، حجم الأزمة التي تواجهها وتتخذ قرارات جذرية مؤلمة ولو متأخرة للحد من مخاطر هذا الإنتشار، ولمنع إنهيار الإقتصاد الأوروبي، وربما العالمي أيضاً، المترابط ترابطاً شديداً منذ انطلاق زمن العولمة وتحوّل العالم إلى ما سميّ "القرية العالمية".

من التصريحات المتململة

في مقالة كتبها سفير إيطاليا لدى الاتحاد الأوروبي ماوريتسو ماساري، عقب رفض الدول الأعضاء طلبات المساعدة التي قدمتها إيطاليا، قال إن "على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ خطوات ملموسة مؤثرة وعاجلة وألا يكتفي فقط بالاجتماعات وتبادل وجهات النظر".

وصرّح رئيس الوزراء النمساوي سبستيان كورز بأن "مبدأ التضامن والتكاتف لا يعمل في أوروبا في ظل هذا الوضع الخطير". أما رئيس وزراء جمهورية تشيكيا أندريه بابيس الذي سارع إلى إغلاق حدود بلاده مع 15 دولة، إن "الدول الأوروبية لم تستطع تنسيق الوضع في ما بينها".

الرئيس الصربي إلكساندر فوتشيتش بدوره علّق بالقول خلال مؤتمر صحافي انتشر في أنحاء العالم وعلى جميع شبكات التواصل الاجتماعي "لقد رأينا أنه لا يوجد تضامن ولا تكاتف في أوروبا. أنا أثق في الصين فهي الدولة الوحيدة التي يمكن أن تساعدنا. أما بالنسبة للآخرين (الدول الأوروبية) فنشكرهم على "لا شيء".

وتوقعت "المفوضية الأوروبية" أن استمرار الأزمة الصحية حتى بداية حزيران (يونيو) أو ما بعده، سيؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي وإلى انكماش كالذي حدث في عام 2009، وهو أسوأ عام للأزمة الاقتصادية والمالية. أما "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" فقد عبّرت عن خوفها من أنّ القارة ربما تواجه سيناريو تأثير "الدومينو"، بحيث تنهار اقتصادات الاتحاد الأوروبي دولة تلو أخرى.

بناء على هذه التصريحات التي انتشرت في بداية الأزمة يمكن القول إن الذين دافعوا طويلاً عن نظرية التضامن والتعاون في الاتحاد الأوروبي كرمز مركزي للوحدة الإقليمية والعالمية وكنموذج للعالم كله، قد أصيبوا بخيبة أمل واضحة من ضعف التعاون بين الدول لمواجهة هذه الجائحة التي تصيب شعوب القارة كلها، خصوصاً وأن الفيروس لا يأخذ بالاعتبار الحدود ولا القوميات، ولا الدول أكانت غنية أو فقيرة. في الواقع، كان يُعتقد في عصر العولمة أن الأوروبيين أصبحوا دولة عظيمة يتمتع مصيرها المشترك بالأمن والاقتصاد والثقافة والصحة والسياسة الموحّدة، ولكن هذه المرة يبدو أن منظّري نجاح التضامن والتعاون والتوسع في الاتحاد الأوروبي، باتوا في موقع المدافع عنها لا المنظّر لها.

"ما الذي سيولد منه؟"

في مقالته التي نشرها الأسبوع الماضي بعنوان "ما الذي سيولد منه؟" اعتبر عالم الإجتماع الفرنسي جاك أتالي أن "أكثر ما ينبغي القيام به هو السيطرة على أمواج التسونامي الصحيّة والاقتصادية التي تضرب العالم، لأنه في حال فشلنا في السيطرة عليها، فسنواجه سنوات قادمة مظلمة للغاية".

وبرأي أتالي أنه "كلّما ضربت جائحة المجتمع البشري، قامت باثبات زيف المنظومات القائمة، لفشلها في الحيلولة دون موت أعداد لا تحصى من البشر، فينتقم الناجون من أسيادهم، متسبّبين في اختلال علاقتهم مع السلطة... واليوم أيضاً، إن ثبت عجز السلطات القائمة في الغرب عن التحكّم في المأساة السارية كتسونامي، فإن كل منظومات الحكم، ومعها كل أسس السلطة الأيديولوجية ستكون موضع مراجعة جذرية، وعندها سيتم استبدالها ما أن تنتهي الفترة الحرجة، بنماذج جديدة قائمة على الثقة في نوع آخر من المنظومات القيميّة والسلطوية السياسية... وبعبارة أخرى، يمكن لنظام الحكم القائم على حماية الحقوق الفردية أن ينهار، جارّاً معهُ، آليّتيه الرئيسيتين التي يرتكزُ عليهما، أي آليتي السوق والديمقراطية".

إذا، بناء على تصريحات رؤساء الدول ومديرو المنظمات الأوروبية، مضافاً إليها رأي عالم الإجتماع جاك أتالي، فإن الاتحاد الأوروبي على مفترق طرق مهم وصعب. فهل ستؤدي جائحة كورونا إلى خلخلة النظام الأوروبي، بسبب انفراد الدول باتخاذ القرارت، مضافاً إليها التدخل الصيني عبر تقديم الدعم للدول الأكثر تضرراً وعلى رأسها إيطاليا واسبانيا؟ ومع خروج بريطانيا من الاتحاد تحت راية البريكست؟ أم أن القرارات المتأخرة التي اتخذتها المفوضية الأوربية، وهي الهيئة التنفيذية داخل الاتحاد، ستنقذ الوضع وتعيد الأمور إلى طبيعتها السابقة على وصول الجائحة؟

قرارات مؤلمة ومتأخرة

لماذا لا يمكن التخلي عن إيطاليا (وغيرها من الدول الأوروبية بنسب أقل تأثيراً)، وتركها في مواجهة مصيرها لوحدها؟

لأن الصعوبة بالنسبة للاتحاد الأوروبي تكمن في أن إيطاليا تشغل المركز الثالث بين ترتيب الاقتصادات الأقوى في الاتحاد، والمركز الثامن على مستوى اقتصادات العالم. ولكن بينما تتساقط البورصات العالمية فعلياً، وبينما يشهد الاقتصاد الأوروبي انهياراً حاداً، بما فيه الاقتصاد الإيطالي، وطالما أنه من المنتظر أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا في الربع الأخير من العام، وفي الوقت الذي تخرج فيه بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بصعوبة بالغة، وتهدد أوروبا والعالم بأسره بتداعيات غير متوقعة لذلك الخروج... في ظل هذا كله، تصبح أي أزمة كبيرة في إيطاليا بمثابة منعطف خطير يمكن أن يدفع لا بالاقتصاد الأوروبي وحده، وإنما باقتصاد العالم كله، نحو فوضى اقتصادية لا سبيل لمواجهتها، وهذه خطوة لا يستطيع الاتحاد الأوروبي الإقدام عليها، وذلك بحسب اقتصاديين ومحللين وباحثين في علوم إقتصاد ما بعد الجوائح والانكماشات المفاجئة في النمو. ويضاف إلى الأزمة الاقتصادية ازدواجية المعايير وعدم المساواة بين الدول داخل الاتحاد الأوروبي، ما سيرفع من حدة التوترات بين أعضائه، وهي توترات يمكن أن تعصف بشعبية فكرة أوروبا الموحّدة. إزاء الوضع الكارثي المتدحرج من شمال إيطاليا إلى أسبانيا وفرنسا وغيرها، وتحوّل القارة القديمة إلى بؤرة انتشار للفيروس القاتل، والاستنتاج أنه لن تخرج أي دولة من الأعضاء سالمة من هذا التسونامي الصحي والاجتماعي والاقتصادي، بدأ الاتحاد حركته للتعويض عن الفشل الأولي حتى لا تسقط الفكرة الأوروبية واتفاقية شينغن ومكاسب سبعة عقود من العمل المشترك، فبرزت ضرورة إعطاء أجوبة موحدة على تحديات معالجة آثار الأزمة وتداعياتها. وهكذ صدر القرار بتخصيص 300 مليار يورو على شكل قروض للشركات المتعثرة، كذلك جرى اتخاذ قرار نادر يقضي بتعليق قيود الانضباط في الميزانيات وعدم احترام السقف المفروض للعجز وهو 3 بالمئة. إضافة إلى ذلك، يجري البحث باقتراح انشاء سندات "كورونا بوند" لتكوين صندوق ضمان أوروبي للمبادرات الوطنية لحماية الاقتصاد ومكافحة أثار أزمة كورونا.

يقال "أن تصل متأخرا خير من ألا تصل أبدا". لكن هل وصول قرارات المفوضية المتأخرة سيصلح ما أفسده كورونا؟ أم أن معرفة مآلات الأمور داخل الإتحاد ما زال سابقاً لأوانه، على كل المستويات، "الوحدوية" و"التضامنية" والإقتصادية والإجتماعية؟ هذا ما ستكشفه لنا المرحلة القادمة، التي قد تطول أو تقصر بحسب نجاعة الخطط الموضوعة لانتشال أوروبا من بؤرة الوباء.

المزيد من تقارير