Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل "مناعة القطيع" أداة بريطانية فعلية في مواجهة كورونا؟

ينخفض انتشار المرض مع تحصن عدد كاف من الناس ضده

هل يمثّل تبني بوريس جونسون مفهوم "مناعة المجتمع" خياراً مستنداً إلى رؤية لدى علماء، أو مجرد رهان سياسي؟ (أ.ب.)

دفع الانتشار العالمي لفيروس كورونا الذي أعلنته "منظمة الصحة العالمية" أخيراً جائحة (وباء عالمي)، بكثير من الناس إلى التساؤل عن الوقت الذي يمكن أن يهدأ فيه تفشي المرض والطريقة التي تساعد في ذلك.

وفي مارس (آذار) 2020، زُعِمَ أن الحكومة البريطانية تأمل في الحدّ من تأثير الفيروس عِبْرَ السماح له "بالمرور عبر السكّان جميعهم كي نكتسب ما يسمّى "مناعة القطيع" Herd Immunity (مناعة المجتمع)".

وعلى الرغم من نفي تلك المزاعم، صدر لاحقاً من وزير الصحة مات هانكوك، فإن ناطقاً بلسان "دائرة الصحة والرعاية الاجتماعية" أورد أن "مناعة القطيع تشكّل إحدى النتائج الجانبية الطبيعية لموجة وباء".

ما هي بالضبط "مناعة القطيع"؟ هل تشكل احتمالاً ممكناً وسط تفشي فيروس كورونا؟ في ما يلي كل ما يجب معرفته عن هذه المسألة.

 

ما هي مناعة القطيع (مناعة المجتمع)؟

عندما يعطى لقاح إلى عدد كافٍ من الأشخاص في المجتمع ضد وباء ما، يمكن أن يزيد ذلك من صعوبة انتقاله إلى أفراد آخرين معرضين للخطر لم يتلقوا اللقاح، أو لم يكن ممكناً تطعيمهم. وبحسب توضيح من هيئة "الخدمات الصحّية الوطنية"، تسمى تلك الحالة "مناعة القطيع" (مناعة المجتمع").

ويشرح "مشروع معرفة اللقاحات" في "جامعة أكسفورد" ذلك بمزيد من التفصيل، من خلال استخدام تشبيه شخص مصاب بالحصبة.

ووفق ذلك المشروع، "إذا كان شخص مصاب بالحصبة محاطاً بأفرادٍ مُلقحون ضدها، لا يمكن أن ينتقل المرض بسهولة إلى أشخاص آخرين، بل يختفي بسرعة مرة أخرى. يُسمى ذلك "مناعة القطيع" أو "مناعة المجتمع" أو "حماية القطيع". ويؤمّن حماية للأشخاص الضعفاء كالأطفال حديثي الولادة والكبار في السن والمرضى الذين لا يمكن تلقيحهم".

وعلى الرغم من ذلك، تؤكد المنظمة أن مناعة المجتمع "لا تعمل إلا" إذا جرى تلقيح غالبية السكان ضد حالة مرضية معينة، مضيفة أنها "لا تحمي من جميع الأمراض التي يمكن الوقاية منها بالتطعيمات". ويوضح "مشروع معرفة اللقاحات" إنه "على عكس التلقيح، فإن مناعة القطيع لا تُعطي مستوى عالياً من الحماية الفردية، وبالتالي فإنها ليست بديلاً جيداً من التطعيم".

ويوضح البروفيسور مارك وولهاوس، أستاذ علم الأوبئة والأمراض المعدية في "جامعة إدنبرة" في حديث إلى صحيفة "اندبندنت"، أن مفهوم مناعة القطيع يقف في "أساس برامج التطعيم جميعها". ومع ذلك، يمكن أن يحدث بشكل طبيعي أيضاً، إذ يؤكد وولهاوس أنه "إذا تعرضتَ لعدوى ما في وقت تكون فيه قد أصابت عدداً كافياً من الأشخاص بالفعل، ما يعني تكون أجسام مناعية مضادة لها في أجسادهم تقيهم منها، عندها يمكنك أن تحظى بمناعة قطيع طبيعية. بقول آخر، لن يكون ذلك الفيروس المعين قادراً على التسبب في وباءٍ يعصف بالسكان".

ويضيف، "هذا لا يعني أن الفيروس لن يكون قادراً على الانتشار، لأنه سيظل هناك بعض الأشخاص معرضون للإصابة به، لكنه لن ينطلق ويتسبب في وباء".  

في المقابل، يحدد البروفيسور بول هانتر، أستاذ الطب في جامعة "إيست أنغليا" مناعة المجتمع بأنها "المؤشر على نسبة الأشخاص ضمن مجموع السكان، ممن يتمتعون بمناعةٍ ضد وباء ما". وكذلك يشير إلى أن "نسبة للأشخاص الذين لديهم المناعة اللازمة للوقاية من الوباء تختلف من عدوى إلى أخرى. ومع مرضٍ شديد العدوى كالحصبة، هناك حاجة إلى أن تكون نسبة الأشخاص المحصنين ضدها حوالى 90 في المئة كي يُحمى الآخرون. وفي أنواع أخرى من العدوى، يمكن أن تكون النسبة أقل من ذلك بكثير".

واستناداً إلى بحث نشرته المجلة الطبية "الأمراض المعدية سريرياً" في 2011، يُستخدم مصطلح "مناعة القطيع" "على نطاق واسع، لكنه يحمل مجموعة متنوعة من المعاني".

وفي ذلك الإطار، كتب أكاديميون من "كلية لندن للصحة وطب المناطق الاستوائية" التابعة لـ"جامعة لندن"، أنه في ما يستخدم بعض المؤلفين ذلك المصطلح لوصف نسبة الأفراد في المجتمع الذين يتمتعون بمناعة ضد حالةٍ ما، يعمد آخرون إلى استخدامها في إشارةٍ إلى "الحد الذي يجب أن تصله نسبة الأفراد المنيعون ضد مرض ما، كي تسهم مناعتهم في انخفاض معدل التقاط العدوى".

وأضاف أولئك الأكاديميون في تأكيدهم تعريف مناعة القطيع وفق تحديد "مشروع معرفة اللقاحات" له، أنه "من الإملاءات المعروفة لهذا المصطلح أن خطر الإصابة بين الأفراد المعرضين لالتقاط العدوى بين السكان، ينخفض بسبب وجود أفراد لديهم مناعة (ضد تلك العدوى) في جوارهم".

وفي المقابل، تعتبر تونيا طوماس مديرة "مشروع معرفة اللقاحات" أن المقاربة المستندة على تطوير مناعةٍ ضد مرض ما عبر العدوى (التي ينشرها ذلك المرض) بدلاً من التطعيم، يمكن أن تكون ضارة لأنها قد "تضع الناس قيد خطورة معاناة مضاعفاتٍ متأتية من ذلك المرض". وتشير إلى أن "اللقاحات تظل الطريقة الأكثر أماناً لتطوير المناعة، في منأى عن المخاطر المرتبطة بالمرض نفسه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

 

هل مناعة القطيع/مناعة المجتمع ممكنة وسط تفشي فيروس كورونا؟

في وقت مبكر من مايو (أيار) 2020، أشارت تقارير إلى أن الحكومة البريطانية تأمل في الحد من تأثير الفيروس عبر السماح له بالمرور عبر السكان.

وكذلك ذُكر أن الحكومة تريد التأكد من أن فيروس كورونا ينتشر عبر الأمة "ببطء كبير، كي يتمكن أولئك الذين يعانون الأعراض الأكثر حدة من تلقي الدعم الطبي الذي يحتاجون إليه، وفي الوقت نفسه ضمان عدم إرهاق مرافق الخدمات الصحية".

في 15 مارس 2020، نشر بيان من وزير الصحة هانكوك على الموقع الإلكتروني للحكومة، أنكر فيه وجود نية لتحقيق مناعة القطيع. ووفق البيان، "لدينا خطة تستند إلى علماء يحتلون موقع الريادة عالمياً. وليست مناعة القطيع جزءاً من تلك الخطة. تمثل مناعة القطيع مفهوماً علمياً، وليست هدفاً أو استراتيجية. يتمثل هدفنا في حماية الأرواح من الفيروس، وإن استراتيجيتنا هي حماية الأشخاص الأشد عرضة للإصابة بالفيروس، وكذلك الأمر بالنسبة لهيئة "الخدمات الصحية الوطنية"، عبر الاحتواء والتأخير والبحث والتخفيف".

وفي الثالث من مارس 2020، أفاد بيانُ صادر عن "منظمة الصحة العالمية" بأنه في  حين أن عدداً من الناس في جميع أنحاء العالم قد طور مناعة ضد سلالات الإنفلونزا الموسمية، لا يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة لفيروس كورونا. وجاء في البيان أن "كوفيد 19" (مسمى علمي شائع لوباء كورونا) يشكل فيروساً جديداً لا يملك أحد منا مناعةً ضده. وهذا يعني أن مزيداً من الناس سيكونون عرضةً للإصابة به، وبعضهم سيعاني مرضاً شديداً بسببه".

وأثناء مقابلة أجرتها معها "بي بي سي- راديو 4" في 14 مارس 2020، أوضحت مارغريت هاريس، الناطقة بلسان "منظمة الصحة العالمية" أنه "لا نعرف بشكل وافٍ علمياً عن هذا الفيروس" وكذلك فإنه "لم يكن موجوداً لوقت طويل بين الناس، وتالياً لا يتمكن العلماء من الحسم بشأن "ما يفعله الفيروس، من الناحية المناعية". ووفق كلمات هاريس، "يتصرف كل فيروس في أجسامنا بطريقة تختلف عن الفيروسات الأخرى، ما يعني أن لكل فيروس ملامح مناعية مختلفة ومتمايزة. نستطيع الحديث عن نظريات، لكننا بتنا الآن في وضع يفرض علينا فيه أن نتصرف فعلياً".

وتوضح "منظمة الصحة العالمية" في قسم آخر من موقعها الإلكتروني مخصص للخرافات التي تحيط بفيروس كورونا، أنه لا يوجد حتى الآن لقاحٌ ضد الفيروس، مضيفةً أن اللقاحات المستخدمة ضد الالتهاب الرئوي لا تؤمّن حمايةً من الإصابة بعدوى "كوفيد 19". وتضيف، "فيروس كورونا جديد ومختلف إلى حد أنه يحتاج إلى لقاح خاص به. ويحاول الباحثون تطوير علاج مضادٍ لـ"كوفيد 19"، وتدعم "منظمة الصحة العالمية" جهودهم في هذا المجال".

وتشير "منظمة الصحة العالمية" إلى أنه على الرغم من عدم توفر لقاحات فعّالة ضد فيروس كورونا حاضراً، فإنه "يُوصى بشدة بالتطعيم ضد أمراض الجهاز التنفسي الأخرى، لحماية الصحة العامة".

ووفقاً لمراسل صحيفة "اندبندنت"، المتخصص في شؤون الصحّة شون لينترن، فإنه "لا توجد الآن فرصة لتحقيق مناعة القطيع مع فيروس كورونا.  إنه فيروس جديد تماماً، ولا يملك أحد مناعةً ضده، لذا فإن كل إنسان معرض للإصابة به. لن تصبح مناعة المجتمع سارية المفعول إلا بعد أن تصاب غالبية عظمى من الناس بالعدوى، مع تمكنها أيضاً من النجاة منه، وأن تعمل أجسادهم على تكوين أجسام مضادة للفيروس".

ويؤكد الصحافي شون لينترن أنه "من أجل تحقيق مناعة قطيع جيدة"، يجب أن يتعافى ما يتراوح بين 90 في المئة و95 في المئة ممن يصابون بالعدوى، على غرار ما يحصل بالنسبة إلى الحصبة. وفي المقابل، قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع في عدد الوفيات ودخول أفرادٍ بأعداد كبيرة إلى العناية المركزة". وأشار إلى "خطر أن يصبح فيروس كورونا موسمياً مثل داء الإنفلونزا الذي يتغير كل موسم، ما يعني تالياً مرةً أخرى أنه لا يمكن لمناعة المجتمع أن تؤدي دوراً في حماية الناس".

في مقاربة مغايرة، يرى البروفيسور مارك وولهاوس أن إمكانية حدوث مناعة القطيع ترتفع إذا عانينا "وباء غير متحكمٍ به". ومع ذلك، نظراً إلى وجود "إجراءات كثيرة تتخذ لوقف حدوث ذلك"، فقد تنخفض إمكانية الوصول إلى وضعية تتراكم فيه مناعة القطيع. ويستنتج أنه "يوجد توازن دقيق بين العمل الجيد في السيطرة على هذه العدوى من جهة، والتقليل من فرص تحقق مناعة القطيع من جهة ثانية".

وفي السياق نفسه، يرى البروفيسور بول هانتر أستاذ الطب في جامعة "إيست أنغليا"، أنه "من غير المحتمل أن تتحقق مناعة المجتمع قبل السنة المقبلة، عندما سيكون لدينا لقاح وفق ما نأمل. في هذه المرحلة، أنا أقدم محض تخمينات مبنية فعلياً على تجارب، لكني أظن أننا لن نرى نهاية موجة الوباء هذه السنة".

وفي المقابل، توقع هانتر أن "يصبح المرض متوطناً فيواصل الفيروس انتشاره إلى الأبد، وفي هذه الظروف سيكون لمناعة القطيع في المستقبل تأثير كبير في مواجهته".

وعلى موقعها الإلكتروني، وصفت "مراكز ترصد الأمراض والوقاية منها" (مقرها الولايات المتحدة)، ردة الفعل المناعية التي يستثيرها فيروس "كوفيد 19" بأنها "لم تُفهَمْ بعد"، وتالياً فإنها ليست واثقة تماماً من إمكانية عدم تعرض من أصيب بالفيروس، إلى الإصابة به ثانية.

وحاضراً، تنخرط الحكومة البريطانية في تتبع اختبار لجسم مناعي مُضاد، من شأنه أن يتعرف على من أصيب بالفيروس وتعافى منه. وفي 24 مارس 2020، ضمن المؤتمر الصحافي اليومي عن كورونا، ذكر وزير الصحة مات هانكوك أن ذلك الاختبار "من شأنه أن يبين للناس إذا ما كانوا قد أصيبوا بالفيروس وشفوا منه، وبات باستطاعتهم العودة إلى العمل. نتوقع أن أولئك الأشخاص لن يلتقطوا الفيروس ثانية، إلا في حالات استثنائية تماماً".   

اتّصلت صحيفة "اندبندنت" بوزارة الصحة والرعاية الاجتماعية البريطانية للتعليق.

© The Independent

المزيد من تحلیل