Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"التشكيلات القضائية"… عنوان جديد لانقسام سياسي في لبنان

مجلس القضاء الأعلى بصدد دراسة ملاحظات وزيرة العدل ماري كلود نجم

وزيرة العدل اللبنانية ماري كلود نجم (أ.ف.ب)

برزت في الفترة الأخيرة على الساحة اللبنانية مشكلة سياسية جديدة عنوانها "التشكيلات القضائية"، التي تمثلت بمشروع التشكيلات الذي رفعه مجلس القضاء الأعلى إلى وزيرة العدل ماري كلود نجم، والذي رفضته وأعادته إلى المجلس لدراسته. ولم تأخذ هذه القضية وقتاً طويلاً لتتحول إلى انقسام سياسي كبير أخذ أكثر من منحى، بعدما جرى إعطاؤه صورة "كباش" بين رئيس الجمهورية ميشال عون ومعارضي "العهد".

تشكيلات قضائية "ثورية"!

 وبرّرت نجم، قرارها رفض التوقيع استناداً إلى ثلاث ملاحظات لم يلتفت إليها مجلس القضاء الأعلى، أولها بالشكل، وتتعلق بطريقة اختيار قضاة المحكمة العسكرية وفق الآلية القانونية، التي تلحظ دور وزارتي العدل والدفاع، والثانية المتعلقة بمعيار المساواة في تطبيق المعايير المتّبعة من دون التدخل بالأسماء، أما الملاحظة الثالثة، فتتعلق بالممارسة الخاطئة باعتماد المعيار الطائفي والمذهبي في التعيينات، وهي مخالفة للمادة 95 من الدستور اللبناني، وتؤدي إلى ضرب نموذج الكفاءة كونها تحصر الخيار بعدد قليل من القضاة.

وأضافت لـ "اندبندت عربية" أنه "فور وصول التشكيلات القضائية إلى مكتبها، شنّ البعض حملة واسعة عليها، وطالبوها بالتوقيع عليها فوراً"، مؤكدةً أن "لا أحد يستطيع أن يضغط عليها في موضوع التشكيلات القضائية، ومجلس القضاء الأعلى يعلم هذا الأمر جيداً، مع الاحترام الكامل للقانون، والحرص على استقلالية القضاء". ولفتت إلى أن "وزير العدل ليس صندوق بريد ومن واجبه أن يقوم بالاطلاع والتدقيق وإعطاء الملاحظات، والبعض يظن أنها تدخل سياسي، ولكن هو في طبيعة الحال باب للتحسين".

وقالت "لست في مواجهة مع مجلس القضاء الأعلى وأنا مع استقلالية القضاء"، مشيرةً إلى أنّ التشكيلات يجب أن تحاكي تطلعات الشارع المنتفض، الذي يطالب بقضاء يضرب بقوة بملفات الفساد. واعتبرت أن التشكيلات يجب أن تكون "ثورية"، تكسر النمط الحالي للعمل القضائي، وتفعّل الأجهزة القضائية ولا سيما القضاء الجزائي، ورأت أن هناك فرصة حقيقية لاتخاذ هذه الخطوة.

استهداف "العهد"

في السياق، نفى مستشار رئيس الجمهورية سليم جريصاتي معلومات تحدثت عن امتعاض رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون من هذه التشكلات، ويرى فيها استهدافاً لعهده من باب إبعاد القضاة المقربين منه وعلى رأسهم مدعي عام جبل لبنان غادة عون، التي وضعت استقالتها بتصرفه، وأن قرار وزيرة العدل برفض التشكيلات أتى تنفيذاً لإيعاز مباشر منه. وقال في تصريحات لـ "اندبندنت عربية"، إن الرئيس لم يبدِ أي رأي في ما خصّ التشكيلات القضائية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف "هذا الموضوع من اختصاص مجلس القضاء الأعلى ووزيرة العدل حصراً، لا رأي أو توجيه لرئيس الجمهورية الذي يسعى إلى تحرير القضاء من التبعية السياسية".

الكفاءة والإنتاجية

في المقابل، أكدت أمانة سر مجلس القضاء الأعلى لـ "اندبندت عربية" أن المجلس تلقّى كتاباً من وزيرة العدل ماري كلود نجم مرفقاً بملاحظاتها، وأن المجلس بصدد دراستها، وعلى ضوء ذلك، إما يؤكد التشكيلات كما صدرت ويتّخذ قراره بأكثرية سبعة أعضاء أو يأخذ بالملاحظات أو ربّما بقسم منها، وذلك وفق أحكام المادة 5 من قانون القضاء العدلي، التي تنص صراحة أنه في "حال حصول اختلاف في وجهات النظر بين وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى، تُعقد جلسة مشتركة بينهما للنظر في النقاط المختلَف عليها، وإذا استمر الخلاف ينظر مجلس القضاء الأعلى مجدداً في الأمر لبتّه، ويتخذ قراره بأكثرية سبعة أعضاء ويكون قراره في هذا الشأن نهائياً وملزماً".

أما عن المعايير التي جرت على أساسها التشكيلات القضائية، توضح أمانة السر أن "المعايير التي أقرها المجلس هي أخلاقيات القاضي ومناقبيته، والكفاءة في العلم وفي الأداء والإنتاجية، وعند التساوي بالمعايير الثلاثة الأولى، يؤخذ بالأقدمية".

"صد" التدخلات السياسية

وقالت "كانت هنالك دائماً تدخلات سياسية في القضاء، التشكيلات الحالية نجحت في منع هذه التدخلات، كما ستُستتبع بمراقبة أداء القضاة عن كثب منعاً لأي تدخلات، ومع ترتيب النتائج الملائمة في حال عدم صدّ أي قاض لأي تدخل فور حصوله"، مضيفةً أن "التشكيلات القضائية هي الخطوة الأولى في مسيرة الإصلاح القضائي واستقلالية السلطة القضائية، وهي أنجزت وللمرة الأولى بتاريخ القضاء اللبناني باستقلالية تامة، بعيداً من أي تدخل سياسي أو غير سياسي".

وفي إجابة عن استقالة المدعي العام في جبل لبنان غادة عون، واعتبارها أن التشكيلات القضائية أتت "انتقامية"، رأت أمانة السر مجلس القضاء الأعلى إن استقالة أي مدّعٍ عام يجب أن تُرفع إلى مجلس القضاء الأعلى بواسطة وزيرة العدل.

إنقاذ لبنان بـ "تحرير" قضائه

بدوره، اعتبر الناشط السياسي المحامي أمين بشير أنه "في كل دول العالم، تستمد السلطة القضائية سلطتها من قوة القانون، إلاّ في لبنان، فإنّ السلطة القضائية تستمد قوتها من السلطة السياسية، فتصبح لدى القاضي نفسية موظف وحتماً ستأتي عدالته توظيفية".

ولفت إلى أن النظام القضائي في لبنان يجب أن يتغير برمته، "فلا يجوز أن يدخل قاضٍ في العشرينات وليس قبل الخمسينات كما باقي الدول المتقدمة، بعد أن يكون قد اجتاز اختبارات قانونية عدّة خلال حياته المهنية، فلا يعود يتأثر في مغريات حياتية ولا ضغوطات سياسية ولا اجتماعية، وقال "أنا كمحامٍ لا أقبل أن أقف أمام من يحكم في قضية، يصغرني عمراً أو علماً".

وأضاف "لا شك أن التشكيلات القضائية كما العسكرية تأتي مراعاةً للواقع الطائفي وتحقيقاً للانصهار الوطني والتعايش ومنعاً للانحياز والتحيز منذ تكوين لبنان الكبير"، منتقداً إدخال السياسة في التشكيلات القضائية من دون معايير واضحة، سوى مراعاة الحصص الطائفية والمذهبية والمناطقية بحسب الانتماء السياسي، على حساب استقلال القضاء والمحاكمات العادلة، بحيث يصبح كل قاضٍ يسعى إلى أن يكون في مركز قوي وضمن منطقته".

وسأل، أين هم قضاة لبنان الْيَوْم من محاربة الفساد والمعابر غير الشرعية والتهرب الضريبي والتعديات على الأملاك العامة والأملاك البحرية والقضايا البيئية، من كسارات وحرق وطمر نفايات، وأين هم من استنسابية تطبيق القانون والعدالة المتأخرة ورفع الظلم ونصرة المظلوم؟

وفي سياق إبراز أهمية استقلالية القضاء، استشهد بحكم قضائي في الولايات المتحدة الأميركية، حين وجّه قاضٍ أميركي ضربة موجعة إلى خطة الرئيس دونالد ترمب بشأن بناء الجدار عند حدود المكسيك، معتبراً أن القضاء المستقل يستطيع تحرير لبنان من الطغيان والفساد، لا سيما أن النيابات العامة هي الممثلة للشعب اللبناني.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي