وسط ترقب عالمي، تجتمع منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك)، اليوم الجمعة، والشركاء من خارجها، في مقرها بالعاصمة النمساوية (فيينا) ضمن اجتماع وزرائها الـ178، في ظل غموض الردّ الروسي على اتفاق الخفض الإضافي الأكبر منذ 12 عاماً، بما يهدد باشتعال حريق الخلافات بين الدول المعنيّة بضبط السوق النفطية وسط سعي حثيث إلى إطفائها بكل الطرق.
وأمس الخميس، أوصت "أوبك" بخفض الإنتاج مع حلفائها (في إطار المجموعة المسماة أوبك+) بنحو 1.5 مليون برميل يومياً إضافية حتى نهاية 2020، بدلا عن نهاية يونيو (حزيران)، لكنها ما زالت بانتظار الردّ الروسي اليوم الجمعة.
من جهته، أكد وزير النفط الجزائري، محمد عرقاب، لـ"اندبندنت عربية"، أن المشاورات اليوم مستمرة بين أوبك وشركائها من المنتجين خارج المنظمة.
"عرقاب"، الذي يرأس الاجتماع الوزاري في ما تتولى بلاده الرئاسة الدورية للمنظمة، أعرب عن أمله في التوصل لاتفاق مع المنتجين خارج أوبك.
مصادر: موسكو لن تؤيد دعوة "أوبك"
ووفقاً لـ"رويترز"، أكد مصدر روسي رفيع المستوى أن موسكو لن تؤيد دعوة أوبك لمزيد من تخفيضات إنتاج النفط، ولن توافق إلا على تمديد تخفيضات أوبك+ القائمة بالفعل. وقال المصدر، بينما يجتمع الوزراء من أوبك وروسيا ومنتجين آخرين لإجراء محادثات بمقر المنظمة في فيينا "ذلك الموقف لن يتغير".
وفيما يؤكد مصدر مسؤول رفيع المستوى في وزارة النفط العراقية العمل على تعزيز اتفاق أوبك الأخير، يتوقع متخصصون في شؤون النفط والطاقة موقفاً روسيّاً متحفظاً إزاء اتفاق أوبك. ويرى المتخصصون أن شركات النفط الروسية الكبرى تتحجج بقيامها بضخ استثمارات ضخمة في تطوير الإنتاج، وبالتالي فإنها لن تغامر بخسارتها. حيث توقع مصدر مطلع أن توافق موسكو ولكن "بتحفظ" على القرار وبحصة محدودة.
وبحسب مصادر مطلعة من داخل أوبك، فإن هناك مباحثات ثنائية تجرى في الوقت الحالي مع الوفد الروسي الذي يتمسك بموقفه "المتحفظ" من الخفض مبدئياً، لكنه لن يشارك في قرار الـ 1.5 مليون برميل، إلا أنه أبدى استعداده لأي قرار جديد في حال تعرضت أسواق النفط لأي طارئ.
وفيما أكدت مصادر روسية لـ"اندبندنت عربية"، أن موسكو لن تؤيد دعوة أوبك لتعميق خفض الإنتاج، قال وزراء "أوبك" إنه من المنتظر أن تشارك الدول غير الأعضاء بـ 500 ألف برميل يومياً من إجمالي الخفض الإضافي. لكن روسيا وقازاخستان، وهما من أعضاء أوبك+، قالتا إنه لا يوجد اتفاق بعد على تعميق الخفض، مما قد يفضي إلى انهيار التعاون الذي دعّم أسعار الخام منذ 2016.
وقال مصدران مطلعان لـ"رويترز" إن شركة أرامكو السعودية أبلغت المشترين أنها أرجأت إصدار أسعار البيع الرسمية لخاماتها لشهر أبريل (نيسان) المقبل، وذلك لما بعد اجتماع أوبك وحلفائها. وتدفع منظمة البلدان المصدرة للبترول في اتجاه خفض إضافي للإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً حتى نهاية العام.
وتأمل أوبك أن يشارك المنتجون من خارج المنظمة بخمسمئة ألف برميل يومياً من إجمالي الخفض، لكن نجاح الاتفاق معلق على موافقة روسيا، وهي غير مؤكدة بالمرة. وفي حال الموافقة، سيعني الاتفاق الجديد زيادة إجمالي قيود الإمداد إلى 3.6 مليون برميل يومياً، أي ما يعادل 3.6 في المئة تقريباً من الإمدادات العالمية.
النفط يهبط بسبب مخاوف من عدم الاتفاق
في سوق النفط، تراجعت الأسعار بأكثر من 2 في المئة خلال تعاملات اليوم الجمعة مع تأجج المخاوف حيال الطلب العالمي على الخام والنمو الاقتصادي بسبب تفشي فيروس كورونا في ظل عدم اتفاق المنتجين من خارج أوبك بعد على مزيد من خفض الإنتاج لدعم الأسعار.
وتراجعت العقود المستقبلية لخام برنت 2.58 في المئة إلى 48.7 دولار أميركي للبرميل، فيما تراجعت عقود الخام الأميركي 2.37 في المئة إلى 44.8 دولار للبرميل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضرر الطلب على النفط بشدة بفعل تفشي فيروس كورونا، وجرى خفض التوقعات السابقة لنمو الطلب على الخام في 2020، إذ تقلّص نشاط المصانع والسفر وأنشطة اقتصادية أخرى في أنحاء العالم بسبب الإجراءات الهادفة إلى وقف انتشار الفيروس.
ودفعت توقعات تراجع الطلب على النفط بفعل إجراءات الحكومات لاحتواء الفيروس، أوبك للنظر في إجراء أكبر خفض لها منذ الأزمة المالية في عام 2008.
واقترحت السعودية أن تخفّض أوبك وحلفاؤها، ومن بينهم روسيا، بما يصل إلى 1.5 مليون برميل يومياً في الربع الثاني مع مدّ تخفيضات حالية تبلغ 2.1 مليون برميل يومياً، ينتهي أجلها هذا الشهر، حتى نهاية 2020.
لكن الرياض، أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة البترول، وأعضاء آخرين في المنظمة، لم يحصلوا بعد على دعم روسيا لمثل هذا الاتفاق. وحتى الآن، تلمّح روسيا إلى عزمها دعم تمديد الخفض لا تعميقه.
تحركات أوبك ترفع الأسعار إلى 55 دولاراً
من جانبه، قال كامل الحرمي، المختص في الشؤون النفطية، إن سعر برميل النفط يتداول حالياً عند مستوى الـ 50 دولاراً، ومن المتوقع الهبوط إلى مستوى 45 في حال عدم الاتفاق، أما سيناريو الاتفاق فكفيل برفع الأسعار إلى 55 دولاراً، مضيفاً أن مستوى الـ 60 دولارا مستبعد في الظروف الحالية، وقد تسوء فيه الأوضاع الاقتصادية العالمية بسبب تفشي فيروس كورونا.
وأضاف الحرمي "كان الأفضل تأجيل الاجتماع إلى وقت آخر، فالوقت الحالي غير مناسب، وليس لصالح عقد اجتماع أوبك، الأسعار ستخفض إذا زادت عدد الدول المصابة بالكورونا، ومن ثم انخفاض أكثر بالأسعار".
وأوضح أنه "كان مطلوباً تأجيل الاجتماع وإرجاء خفض الإنتاج حتى إشعار آخر لحين استيضاح خطورة الفيروس أم سيتقلص أثره السلبي على أسواق النفط، ومن المحتمل عدم موافقة روسيا على قرار الخفض".
كان مصرف "غولدمان ساكس" قد خفض من توقعاته لسعر خام القياس العالمي "برنت"، وقال في مذكرة بحثية حديثة، إن تخفيضات إنتاج أوبك+ وخفض البنوك المركزية لأسعار الفائدة لن يكفيا لمنع تكوّن مخزونات ضخمة جراء تراجع الطلب بسبب تفشي فيروس كورونا.
وذكر أن أسعار برنت قد تنخفض إلى 45 دولاراً للبرميل في أبريل (نيسان) المقبل، مقارنة بتقديرات سابقة عند 53 دولاراً للبرميل قبل أن تتعافى بالتدريج إلى 60 دولاراً بحلول نهاية العام. وهذه ثاني مراجعة بالتخفيض في أقل من شهر، وكان البنك قد خفض توقعاته لسعر خام "برنت" في الربعين الثالث والرابع إلى 53 و59 دولاراً للبرميل من 60 و65 دولاراً في السابق.
كان رؤساء وفود أوبك قاموا بتعديل فترة خفض إنتاج النفط المقترحة من قبل المنظمة وحلفائها بـ 1.5 مليون برميل يومياً، إلى نهاية عام 2020 بدلا عن نهاية يونيو (حزيران) المقبل. وقالت "أوبك"، في بيان أمس، إنّ تفشي فيروس كورونا أحدث "وضعاً غير مسبوق"، ومخاطر بما تستلزم تحركاً ومزيداً من المراقبة المستمرة.
"أوبك" تعدل توصيتها بخفض الإنتاج حتى نهاية 2020
وحسب بيان المنظمة، أمس "كان لتفشي كورونا تأثير سلبي كبير في توقعات الطلب العالمي على النفط في عام 2020، خصوصاً الربعين الأول والثاني". وأكدت أهمية التركيز المستمر على أساسيات سوق النفط المستقرة والمتوازنة، لصالح المنتجين والمستهلكين والاقتصاد العالمي.
واستعرض المؤتمر الوزاري الذي انطلق الخميس تقرير وتوصيات لجنة المراقبة الوزارية المشتركة، وناقش تطورات سوق النفط منذ اجتماعه الأخير بفيينا في 6 ديسمبر (كانون الأول) 2019، كما استعرض آفاق سوق النفط للفترة المتبقية من العام الحالي.
تجدر الإشارة إلى أنّ آخر مرة خفّضت فيها أوبك الإمدادات بمثل هذا القدر قبل 12 عاماً عندما قلّصت الإنتاج 4.2 مليون برميل يومياً في مواجهة تباطؤ الطلب بفعل الأزمة المالية العالمية.