Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 غالبية جونسون البرلمانية قد لا تضمن استمراره في الحكم

لو أن رئيس الوزراء اعتبر كلا من الأصوات التي حققت له ثمانين مقعدا برلمانيا عبارة عن قرض مؤقت... لكان الآن يزور مناطق البلاد المتضررة بالفيضانات ويشعر بآلام الناس هناك

دمية بشكل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تظهره وكأنه راعي انقسام المملكة المتحدة ( أ.ب) 

في الماضي، كان الفوز بغالبية ساحقة يعني أن هناك مشكلة على الطريق.

فالزعيم العمالي الأسبق كليمنت أتلي فاز بغالبية 146 مقعدا في انتخابات عام 1945 ، وبعد خمس سنوات تقلصت هذه الغالبية إلى 5 مقاعد فقط، وظل  آنذاك يصارع لفترة لم تتجاوز سنة ونصف السنة قبل التوجه إلى الشعب ليخسر الانتخابات العامة لصالح وينستون تشرشل زعيم المحافظين حينذاك.

كذلك هو الحال مع هارولد ماكميلان الذي أعطى فوزه عام 1959 بغالبية 100 مقعد، انطباعا أن المحافظين سيحكمون دائما، لكنه بعد أربع سنوات غادر منصبه، وفي السنة التالية هُزم حزب المحافظين في الانتخابات العامة. وفي هذا السياق، فاز رئيس الوزراء العمالي هارولد ويلسون بغالبية 96 مقعدا برلمانيا في الانتخابات العامة الثانية التي خاضها عام 1966، لكن بعد أربع سنوات خرج هو الآخر من الحكم.

ولم يستفد من الغالبية الكبيرة سوى مارغريت تاتشر وتوني بلير ، إذ مهد فوز كل منهما بعدد كبير من المقاعد البرلمانية   للبقاء على رأس الحكومة البريطانية مدة أطول. إذن هل ستكون غالبية بوريس جونسون البرلمانية التي تبلغ  80 مقعدا بداية النهاية أم نهاية البداية، بالنسبة له؟

قد لا تكون الإجابة عن هذا السؤال بيد جونسون إذا حدث ركود اقتصادي. كانت فترة التقشف الطويلة التي تلت الحرب العالمية الثانية وراء سقوط أتلي، كذلك كان الاقتصاد الضعيف وراء خروج هارولد ويلسون من الحكم. لكن إذا واجه الاقتصاد البريطاني ما بعد بريكست مشاكل فإن جونسون قد يكون قادرا على البقاء، شرط أن يتمكن من تحميل الاتحاد الأوروبي  مسؤولية ذلك، وأن ينجح بمداوة الألآم الناجمة عن بريكست بسرعة.

وهذا سبب آخر يجعل جونسون  مصرا على عدم تمديد فترة بريكست الانتقالية إلى ما بعد نهاية هذه السنة. أدهشتني كثيرا الكلمات التي اقتبسها جيمس فورسيث في العدد الأخير من مجلة "سبكتيتور"، من عضو لم يذكر اسمه في مجلس الوزراء، ونسب اليه القول "إذا كانت هناك عقبات، فمن الأفضل أن تحدث في السنة الأولى للحكومة، لا في السنة الثالثة".

وهذا يفسر التشدد الذي يبديه ديفيد فروست في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، التي كلّفه رئيس الوزراء بقيادة الجانب البريطاني فيها. ويبدو أن  جونسون مستعد لإقامة حواجز بيننا وبين الاتحاد الأوروبي، وإذا تسبّب ذلك بأضرار اقتصادية فإنه يأمل بتجاوزها مع حلول عام 2024. ولكن إذا شجع هذا الموقف المتصلب الاتحاد الأوروبي على القبول باتفاق يلحق بنا (وبهم) أضراراً اقتصادية أقل، فذلك سيكون أفضل.

أن تجعل نفسك أكثر فقراً هو سلوك لا يعتبر استراتيجية تفاوض تقليدية، لكن ربما هناك نص كتبه المؤرخ الروماني سوتينوس ويحفظه جونسون عن ظهر قلب باللاتينية حول كيفية تشويش خصمك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ليس هذا بالطبع النهج غير التقليدي الوحيد الذي يتبناه جونسون في ممارسة فن الحكم. فقد لا يبدو الدخول في حرب مع "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي)، وإقصاء عدد من الصحافيين من الإحاطات الحكومية طريقة جيدة لكسب تعاطف الجمهور حين تسوء الأوضاع. فمقاطعة وسائل الإعلام هي أسلوب  يتبّعه حزب العمال حين يكون خاسراً.

قد يكون اختفاء  جونسون هذا الأسبوع مهماً، مع أن ذلك ربما يبدو أمرا سخيفاً، والأرجح أنه فعلاً كذلك. لو أن رئيس الوزراء اعتبر كلاً من  الأصوات، التي حققت له غالبية ثمانين مقعدا برلمانيا، هو قرض مؤقت، لكان الآن يزور مناطق البلاد المتضررة بالفيضانات ويشعر بآلام الناس هناك بسبب فقدان مقتنياتهم.

لعل جونسون يلعب لعبة أذكى، ويتجنب الظهور أمام  المواطنين من ضحايا الفيضانات خشية أن يصرخوا في وجهه. وكما يعرف كل سياسي، فإن التلفزيونات تتلقف مواجهة كهذه وترّكز عليها، على الرغم من أن ذلك غير منصف. وقد يظن رئيس الوزراء ومستشاروه أن المبالغة في ظهوره على الملأ ستجعل الناس يمّلون رؤيته حتى القرف، وأن ترشيد ظهوره هو السبيل لإبقاء شعبيته مرتفعة، ومن الأفضل أن يطل على الناس حين يرى هو أن ذلك ضروريا وليس لأسباب خارجة عن إرادته.

ربما تعلّم جونسون من غوردون براون، الذي اشتكى حين أصبح رئيساً للوزراء بعد فترة طويلة من الانتظار، من أن وصوله إلى ذلك الموقع قد تأخر كثيرا، لأن الناخبين باتوا  معتادين عليه أكثر مما ينبغي كوزير للمالية على امتداد عشر سنوات، وهذا ما جعله عاجزا عن إقناعهم بأنه يمثل بداية جديدة. وكان جونسون، هو الآخر، أحد السياسيين المعروفين  بشكل جيد في بريطانيا، في وقت سابق على انتخابه محافظاً للندن قبل 12 سنة.

قد يكون جونسون واحداً ممن يأخذون بالرأي القائل إن ديفيد كاميرون وتوني بلير كانا حريصين أكثر مما يجب  على الظهور أمام كاميرات التلفزيون وإقحام نفسيهما، بشكل غير مباشر، في كل قصة إخبارية كبيرة. لكنني لست متأكدا من سلامة هذا  الحكم، فسبب اختصار مدة ولايتي  كاميرون وبلير لا يعود إلى إفراطهما بالظهور أمام الكاميرات، بل إلى قرارتهما  التي أسفرت عن نتائج أساءت إليهما.

في هذه الحالة، فالقضية  لا تتعلق بحجم غالبية  جونسون البرلمانية، بل بالقرارات التي سيتخذها بفضل هذه الغالبية. وقد وظفّها حتى الآن، للدخول في حرب مع  "بي بي سي"، ثم للتخلص من وزير ماليته لأسباب لن تتضح حتى إعلان الموازنة في 11 آذار (مارس)، وأيضاً  لتبني أصلب موقف تفاوضي ممكن بما يخص التجارة مع الاتحاد الأوروبي.

لا يبدو هذا حتى الآن استراتيجية تمهد الطريق لفوز جونسون بولاية ثانية بعد أربع سنوات. ربما تغيرت السياسة، والقواعد القديمة قد لا تصلح لعصر "الشعبوية" الجديد، لكن على بوريس جونسون ألا يعتبر أغلبيته البرلمانية مسلمة يُعتد بها.

© The Independent

المزيد من آراء