"صفقة القرن لن تمر"، هكذا أعلن منذ أيام وزير خارجية إيران جواد ظريف، مؤكداً أنّ بلاده "تدعم الشعبَ الفلسطيني لتحرير كامل أراضيه".
تُثير تصريحات المسؤولين الإيرانيين عن صفقة القرن محاولة الوقوف على ملامح تناول طهران القضية الفلسطينية، عبر مبادرات واضحة أو خُطة سلام تعكس التصوّر الإيراني للمساهمة في حل القضية الفلسطينية أو تسوية أيّ من القضايا المرتبطة بها.
في ما يخص "صفقة القرن" التي كشف عنها الرئيس دونالد ترمب بوصفها خريطة طريق نحو السلام الإسرائيلي الفلسطيني فقد قُوبلت بنقد في إيران، وأعاد مكتب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي نشر التصريحات التي أدلى بها المرشد في يوليو (تموز) 2018، حينما وصف الخُطة بأنّها "سياسة شيطانية".
لقد وصف خامنئي، في مناسبات مختلفة، الصراع في الشرق الأوسط بأنه "التحدي الأكبر في العالم الإسلامي"، واقترحَ استفتاءً يدعو جميع المسلمين واليهود والمسيحيين الذين يعيشون في فلسطين المحتلة إلى "تقرير مصيرهم".
وعبَّر المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، عن استعداد طهران لترك خلافاتها جانباً مع بعض دول المنطقة، للعمل من أجل توحيد العالم الإسلامي، أي أنّ إيران تعمل على إيجاد أرضية مشتركة للتقارب مع الدول العربية.
لم ترحّب الدول الإسلامية والعربية بالمنطقة بخُطة سلام ترمب، كما رفضت جامعة الدول العربية الخُطة بإجماع 22 دولة عربية.
إذن، الموقف الإيراني ليس مختلفاً عمّا اتّخذته الدول العربية، لكن ما يُلاحظ عند تناول السياسة الإيرانية حول القضية الفلسطينية بشكل عام، ومنذ تأسيس النظام الإيراني في 1979، أنّ خطاب طهران لم يركز على مستقبل إقامة الدولة الفلسطينية أو تقديم مقترحات للحل.
فعلى الرغم من عمل طهران سنوات طويلة على جعل القضية الفلسطينية بمثابة مركز الجاذبية في خطابها المتواصل عن المستضعفين، ومهاجمة إسرائيل، واحتواء الخطاب الإيراني على مفردات تُمنّى بتدمير إسرائيل وانتهائها، فإن إيران في السياق ذاته دعَّمت بالتمويل والسلاح عدداً من الحركات الفلسطينية السُّنية، مثل منظمة حماس والجهاد الإسلامي.
وبشكل عام، للقضية الفلسطينية رمزية ليست إسلامية وعربية فقط، بل عالمية. القضية مُحمّلة بدلالات أخلاقية وقيمية ترتبط بفكرة الأرض والتاريخ والحقوق، لذا تعدّ ذات أهمية في توظيفها لكسب تأييد المزاج العربي، فضلاً عن ورقة مهاجمة إسرائيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن، من منظور السياسة الخارجية الإيرانية توجد عدة محددات حول تناول القضية الفلسطينية، منها توظيف دعمها بعض الجماعات الفلسطينية للتدليل على عدم اقتصار مساندتها على الجماعات الشيعية فقط، بل دعم السُّنية أيضاً، كما هدفت من دعمها القضية الفلسطينية بشكل عام إلى إضفاء تأييد وشعبية على سياستها وسط المنطقة العربية والعالم الإسلامي.
من جهة أخرى، يمكن لإيران أن تستغل دعمها المالي لأيّ من التنظيمات الفلسطينية للحصول على معلومات استخباراتية وأمنية بشأن أهداف أو مخزونات الصواريخ الإسرائيلية، إلى جانب إمكانية فتح جبهة قتال جنوبي إسرائيل عندما تفتح جبهات قتال في شمالي إسرائيل.
أمَّا على مستوى العلاقات الإيرانية - الإسرائيلية، فطهران متورطة في توترات شديدة مع إسرائيل، توسّعت لتشمل ليس فقط الرفض الإسرائيلي للمشروع النووي الإيراني، بل أيضاً محاربة محاولات تمدد التأثير الإيراني في لبنان وسوريا والعراق، وهو ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مراراً من أنه "لن يمنح إيران الحصانة في أي مكان، وأن إسرائيل تتصرّف في كثير من المسارح ضد دولة تسعى لإبادتها".
لذا، لجأت إسرائيل إلى ضرب المواقع الإيرانية، لمنع نقل الأسلحة إلى الوكلاء الإقليميين، مثل حزب الله في لبنان، ولواء أبو الفضل العباس بسوريا، إلى جانب ضرب مخازن الحشد الشعبي حينما نقلت إيران بعض الصواريخ الباليستية إلى العراق، خصوصاً بعد صعوبة ترسيخ أوضاعها بسوريا في ظل الضربات الإسرائيلية المتتالية.
من هنا، اعتبرت تقارير وزارة الدفاع الإسرائيلية أنّ الحشد الشعبي يشكل تهديداً إضافياً لإسرائيل، بسبب استعداده الواضح للقتال ضد إسرائيل في حالة نشوب حرب.
ومِنْ ثمَّ، فتدخّل وارتباط إيران بالقضية الفلسطينية ينطويان على مثالب عدة، إذ يزيدان من تعقيداتها، ويكرِّسان الانقسام الفلسطيني الداخلي، فطهران تعمل على زيادة الأوراق في يديها، ومحاولة محاصرة خصومها، بما يعزز سياسة تشبيك الملفات التي تنتهجها، لاستخدامها عند أي مفاوضات كأوراق ضغط ومساومة.
وصرَّح علناً المستشار العسكري للمرشد الأعلى الإيراني يحيى رحيم صفوي بأنّ بلاده "تسعى لتسليح المقاومة الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة"، وأن إيران تضع على أجندتها تسليح الضفة الغربية، بعدما فشلت في نقل تقنية الصواريخ إليها، مشيراً إلى أن الدعم الإيراني للفلسطينيين هو أحد المبادئ الأساسية للثورة الإسلامية، وسيستمر حتى يُمحَى النظام الصهيوني والحركة الصهيونية، حسب تصريحه.
بالطبع، هذه التصريحات غير مُخلصة، فهي تستهدف التلويح لإسرائيل بإمكانية استخدام أوراق داخل نطاقها الحيوي لتهديدها، أي أنّ إيران تستخدم القضية الفلسطينية قضيةً أيديولوجيةً لتعزيز وجودها الإقليمي وهيمنتها.