Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب تقطع شرايين اليمن... والطرق تحد يومي للناس

الطرق الرئيسة تعطلت... والمواطنون يلجأون إلى أخرى بديلة بمشقة وبتكلفة مضاعفة تصل لـ350 في المئة

يمنيون يمشون في حي الشيخ عثمان بمدينة عدن الساحلية جنوب اليمن  (أ.ف.ب)

 معاناة إضافية أخرى تعترض خط سير اليمنيين نحو أفق آخر، يطوون فيها مسافة الزمن الصعب، والتعب المثقل الذي خلفته الحرب، تتمثل في انقطاع معظم خطوط طرق النقل البري جراء المواجهات المسلحة واستخدامها كشرايين ضخ لتغذية أوار الحرب التي لا ترحم.

 ونتيجة لانقطاع سبل طرق التواصل البري بين المحافظات اليمنية، مترامية الأطراف، اضطر الأهالي والقائمون على وسائل النقل البري، إلى اتخاذ طرق بديلة تتسم بالوعورة الشديدة ومشقتها الزمانية والمكانية بعكس ما كان عليه الحال قبل الحرب الدائرة في البلاد منذ خمس سنوات، فضلاً عمّا تضيفه النقاط الأمنية المنتشرة بكثافة على امتداد الطرق الرابطة بين المحافظات اليمنية، من انتهاكات إنسانية، سواء تلك التابعة للميليشيات الحوثية أو قوات "الحزام الأمني" التابعة للمجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، الداعي لفصل جنوب اليمن عن شماله.

 مشقة وتكلفة

وعلى الرغم من نجاح اليمنيين في إيجاد شرايين طرق جديدة تحافظ على حياة حركة المجتمع وتوفر احتياجاته، فإن المواطن اليمني يشكو الارتفاع المهول في تكاليف النقل البري وانعكاس ذلك على أسعار السلع والخدمات الأساسية، الأمر الذي ضاعف من معاناتهم التي تضاف لقصص المعاناة الأخرى، وتضاعفت معه أجور النقل البري الداخلي إلى نحو 350 في المئة، سواء في نقل الركاب أو السلع التموينية والمواد الغذائية وغيرها، مع الإقبال المستمر والمتزايد على خدمات النقل وخصوصاً بعد توقف حركة الملاحة الجوية بين المطارات اليمنية الداخلية.

ويبلغ سعر تذكرة النقل الجماعي البري من صنعاء إلى عدن نحو 18 ألف ريال بينما كان سعرها السابق، 4000 ريال. ومن صنعاء إلى تعز 12 ألفاً فيما كان سعرها لا يتعدى 3 آلاف ريال، ومن مأرب إلى عدن نحو 16 ألف ريال.

 السويعات تتحول لأيام مضنية من العذاب

 وفي مثال لحجم المكابدات اليومية، يعاني المسافرون الذين يقصدون التنقل بين العاصمة صنعاء ومحافظة مارب عناءً ومشقة لا تنتهي. إذ بدلاً من الاتجاه شرقاً عبر طريق "فرضة نهم" التي تشهد مواجهات عنيفة بين الجيش الوطني وميليشيات الحوثي، التي يبلغ طولها نحو 70 كم، عليهم الاتجاه جنوباً، وسلوك طرق أخرى في رحلات أقرب إلى المغامرة غير المحسوبة التي لا تنحصر مخاطرها عند حوادث السير جراء وعورة الطرق، بل تتعدى ذلك إلى خطر الألغام والمواجهات العسكرية، ولهذا يضطر المسافرون وعربات النقل الكبرى التي تنقل المواد الغذائية والوقود للمرور عبر عدّة محافظات هي صنعاء وذمار والبيضاء، التي يقدر طولها بنحو 800 كم. وذات الحال بالنسبة للمسافرين بين صنعاء وعدن وتعز والأخيرة، تفرض عليها الميليشيات حصاراً خانقاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 تكلفة أخرى

وعلاوة على ما فرضه انهيار الريال اليمني أمام العملات الأخرى، في رفع أسعار المواد الغذائية والسلع الرئيسة بشكل كبير، ضاعف انقطاع الطرق، هو الآخر، من الأعباء على تكاليف النقل المختلف، وهو ما انعكس على أسعار خدماتها بشكل مباشر.

 يقول عدنان الحيمي، تاجر عقيق وفضيات، إن عمله في جلب العقيق والفضة من صنعاء بعد صياغتها وبيعها بمحله بمارب، يكلفه الكثير من الجهد والوقت والتكاليف نظراً لبعد المسافة المقطوعة اليوم، ويوضح أن ذلك اضطره لرفع سعر سلعته ثلاثة أضعاف عما كانت عليه في السابق.

يضيف لـ"اندبندنت عربية"، "لكي أوفر البضائع المطلوبة للزبائن أقطع خلال السفر إلى صنعاء يوماً كاملاً من الصباح وحتى الليل، ومثله عند العودة، وهذا فيه جهد وتأخير وتكلفة كبيرة علينا وعلى الزبائن الذين اضطررنا مراراً لرفض توفير طلباتهم خلال زمن معين يطلبوه لأن بعد المسافة التي فرضتها الحرب منعتنا من ذلك".

وفي مقارنة تبين حجم المكابدات التي يعانيها الناس من صعوبة التنقل اليوم، يتابع الحيمي بأسى، "في السابق كنا نجتاز المسافة من مأرب إلى صنعاء في أقل من ساعتين ونصف الساعة، فيما نحتاج اليوم إلى أكثر من 12 ساعة مروراً بوديان وقفار موحشة وطرق جبلية وعرة ومنهكة عبر عدة محافظات فضلاً عن تأخير وإجراءات النقاط الأمنية المنتشرة بكثافة على امتداد تلك الطرق".

 معاناة الملايين ونزوة الميليشيات

وفي صورة أخرى لصور إجرام ميليشيات الحوثي يعاني ملايين الناس الذين يتنقلون من وإلى محافظة تعز، (وسط البلاد) لصنوف شتى من العذاب خلال تنقلهم بين مناطق المحافظة ذات التعداد السكاني الكثيف والنشاط الصناعي والتجاري الكبير.

ويحكي السكان هناك قصصاً شتى لصنوف معاناتهم جراء قطع معظم الطرقات الرئيسة من وإلى المحافظة، التي تضم بين جنبات جبالها ووديانها أكثر من 7 ملايين نسمة وعشرات المصانع والشركات الكبرى التي تغذي كافة مناطق اليمن بما تحتاجه من المواد الغذائية والسلع المختلفة.

وتحولت المسافة التي كانوا يقطعونا في دقائق معدودة بين مناطق المحافظة، إلى رحلة شاقة من عذاب الساعات الطوال.

يروي رشاد الردماني، مالك مصنع مواد بلاستيكية، أنه خسر الكثير في مصنعه نظراً لصعوبة التنقل بين تعز والعاصمة صنعاء.

ويلخص معاناته وأمثاله من المواطنين، في تحكم ميليشيات الحوثي على الطرق الرئيسة بالمحافظة، وأهمها طريق الحوبان الذي يربط المحافظة بالعاصمة صنعاء، رغم سيطرة الجيش الوطني على وسط المدينة وشرقها.

عزل المدينة

ويوضح الردماني، "أنه بإغلاق طريق الحوبان، الذي وصفه بـ"شريان حياة تعز" تمكنت الميليشيات من الفصل بين سكان المدينة من جهتها الشرقية وباقي المناطق وسط وغربي المدينة".

يقول، "قبل الحرب كنا نجتاز المسافة من تعز إلى صنعاء في أقل من أربع ساعات، أما اليوم فنحتاج إلى سفر يوم كامل من الصباح وحتى وقت متأخر من الليل عبر طرق فرعية وعرة تمر بوديان وجبال تؤدي في غالب المرات لتعطل المركبات فضلاً عن تكاليف النقل المرتفعة وكذا فترات إغلاقها بين حين وآخر واضطرارنا عدة مرات للعودة من حيث جئنا".

سفر كالجحيم

وفي محافظة الضالع (جنوبي اليمن) يضطر المواطنون إلى السير مسافات طويلة عبر طرق وعرة.

يقول الإعلامي محمد المريسي، "أضحى السفر من وإلى محافظة الضالع، أشبه بالجحيم، نضطر اليوم للسفر عبر طرق بديلة معلقة في الجبال الشاهقة بين السماء والأرض بعد أن أقدمت ميليشيات الحوثي على تفجير الجسور وقطع الطرقات العامة في مريس شمالي المحافظة".

الملاذ... طرق الأجداد

يضيف، "يضطر الناس لسلوك طرق جبلية قديمة من عهد الدولة الحميرية التي مهدها الأجداد لنقل تجارتهم قبل آلاف السنين، سيراً على الأقدام لجلب احتياجاتهم المختلفة أو لنقل المرضى لتلقي العلاج بالمستشفيات الواقعة في المدن الأخرى".

الحمير الرحيمة

وفي بلد أضحت فيه الحمير أرحم وأنفع من بعض أهله، يفيد أن الأهالي في عدد من قرى الضالع لجأوا أخيراً للاستعانة إلى الحمير لنقل احتياجاتهم الأساسية بعد أن تقطعت بهم سبل الطرق السهلة.

جبايات العبور الوعر

وعلاوة على مشقة ذلك العبور الصعب، يؤكد المريسي أن من يسلم من قنص الميليشيات أو اعتقالها، تقابله بفرض جبايات مالية من قبل نقاطها المنتشرة وأحياناً أخرى تصادر ممتلكاتهم بحجة تهريبها للدواعش، على حد وصفها، في إشارة للجيش الوطني المرابط في الجهة الأخرى.

الحكومة تتجاهل الرد

بدورها، حاولت "اندبندنت عربية"، استفسار المسؤولين في وزارة النقل التابعة للحكومة اليمنية الشرعية عن المهام الموكلة إليهم تجاه هذا الأمر، إلا أن وكيلة الوزارة لقطاع شؤون النقل البري، أروى الهيال، تجاهلت الرد على استفساراتنا المتكررة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات