Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المصارف اللبنانية: كلنا حوّلنا أموالا إلى الخارج بعد الانتفاضة

فتح نبيه بري الباب واسعاً أمام أسئلة قد تفضح المستور

اعتصام داخل أحد المصارف اللبنانية (غيتي)

من خارج السياق السياسي المعتمد، منذ تفجر أزمة التحويلات المالية من المصارف اللبنانية إلى الخارج، وخلافاً لسياسة الاعتصام بالصمت التي تنتهجها السلطات السياسية والمالية والنقدية، خرج رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن هذا المسار، مفجراً القنبلة، واضعاً الأصبع على جرح الملف المحظور إعلامياً، وفتح الباب واسعاً أمام أسئلة كثيرة، من شأنها أن تفضح الكثير من المستور، وتطيح رؤوساً كبيرة، لطالما اعتبرت نفسها في منأى عن أي خطر، طالما تتمتع بالحصانة السياسية إن من موقعها، أو من تشابك مصالحها مع مصالح السياسيين. 

التوقيت

في الشكل، يُطرَح السؤال عن السبب الذي اختار فيه بري توقيت الإعلان عن وجود خمسة مصارف كبرى، حوّلت مليارين و300 مليون دولار إلى مصارف في الخارج.

وهو أتى عملياً عشية انعقاد جلسة لمجلس الوزراء لإقرار البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الجديدة، ما اعتُبر أنه موجه إلى رئيس الحكومة حسان دياب، الذي يمثل بعد أيام قليلة أمام البرلمان لنيل الثقة، علماً أن قنبلة بري جاءت مزدوجة، إذ لم تقتصر على مسألة التحويلات، وإنما على ملف الكهرباء، إذ سأل عن سبب مقاربة البيان الوزاري للملف على غرار مقاربة الحكومة السابقة، ولماذا لا تتم معالجته كما هو حاصل مع كهرباء زحلة؟ (تحظى كهرباء زحلة بامتياز خاص يتيح للقطاع الخاص استثمار القطاع وتأمين الكهرباء من دون انقطاع).

ولا يُستبعد أن يشكل الموضوعان مادة نقاش دسمة لن يفوّت النواب مناسبة جلسات الثقة لاستغلالها والاستفاضة فيها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأسباب

في المضمون، يُطرح السؤال عن السبب الذي دفع بري إلى التوقف عند إعلان المعلومة حول المصارف الخمسة من دون أن يتوسع حول هويتها، وما إذا كانت الأموال المحولة هي فعلاً أموالها الشخصية، كما قال رئيس المجلس النيابي أو أموال مودعين لديها. 

في المعلومات الخاصة التي توفرت لـ"اندبندت عربية" أن بري حرص على إثارة هذا الموضوع لأكثر من سبب، أولها الاستجابة إلى ضغط الشارع المطالب بمعرفة حقيقة الأموال المهربة إلى الخارج منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأيضاً الاستجابة لمناشدات لبنانيين مغتربين أودعوا أموالهم في المصارف اللبنانية، ومنهم رجال أعمال من الطائفة الشيعية.

وثانيها، الضغط على القوى السياسية للتعاطي بجدية أكبر مع هذا الملف الخطير الذي أدى إلى تهريب كبار المتمولين أموالهم، فيما يخضع صغار المودعين إلى قيود صارمة واستنسابية ومذلّة لدى المصارف لتحويل مبالغ ضئيلة جداً لتلبية حاجاتهم الشخصية.

من هذا المنطلق، وجّه بري سهامه في اتجاه المصارف للضغط على أصحابها لوقف إجراءاتها الاستنسابية، علماً أنّ مشروع قانون يجري الإعداد له من أجل منح حاكم المصرف المركزي صلاحيات استثنائية لتوحيد الإجراءات والقيود.

الضغط على القضاء

ويرمي بري كذلك إلى الضغط على القضاء ليتحرك باعتبار أن كلامه يأتي بمثابة إخبار، سيما وأنه يملك أسماء المصارف ولديه من التفاصيل ما يكفي لتحرك القضاء، وهيئة التحقيق الخاصة بمصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، علماً أنّ رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، كان كشف في كتاب وجهه قبل فترة إلى المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات عن أن حجم الأموال المحوّلة من المصارف العاملة في لبنان إلى مصارف في سويسرا، بين 17 أكتوبر (تشرين الأول) و14 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضيين، بلغت 2،2 مليار دولار.

وأشار إلى أن ما لا يقل عن 60 في المئة من هذه المبالغ المحوّلة مرتبطة بودائع منشأها عقود ائتمانية، من دون أن يحدد لمن تعود الأموال باعتبار أن التحويلات خاضعة للسرية المصرفية، ولا يحق للجنة الاطلاع على هويات أصحابها، وكل ما يمكن أن تعرفه هو حجم الأموال الخارجة من حسابات المصارف، بحسب كل حساب ومجموعه ولكن ليس هوية أصحابها التي تعود ملكيتها إلى كل مصرف حصراً.

وتؤكد المعلومات أن الأموال المحولة هي أموال خاصة وليست لمودعين. وعليه، لا تستبعد مصادر قضائية أن تتحرك أجهزة القضاء المعنية ولا سيما النيابة العامة المالية لمعرفة الأسباب التي دفعت المصارف إلى مخالفة تعميم المصرف المركزي وتحويل أموالها، فيما تقيّدت بالتعميم على عملائها بحيث امتنعت عن تحويل أموالهم أو حدّت حركة تحويلاتهم.

وبالفعل، تحرك المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم (5 فبراير)، فعقد اجتماعاً مع لجنة الرقابة على المصارف، وتناول البحث مسألة التحويلات التي أثارها بري.

وأفادت المعلومات بأن ابراهيم طلب توضيحات حيال مدى شرعية التحويلات التي حصلت، وما إذا كان يحق لمصارف القيام بها.

 وأبلغت اللجنة ابراهيم أن "ما ورد من معلومات عن أنّ التحويلات البالغة 2،3 مليار دولار تعود إلى أصحاب المصارف غير دقيق، وأن المصارف كلها قامت بتحويلات، ولا يمكن إحصاء مجموعة محددة دون غيرها، مع الإشارة إلى أنه لا يحق قانوناً للجنة معرفة أصحابها" بموجب قانون السرية المصرفية الذي يحمي أصحاب الودائع.

 ... والمصارف تنفي

أما على المقلب المصرفي، فنفت مصادر مصرفية رفيعة ما أورده بري، معربةً عن أسفها لكلامه الذي يثير بلبلة في الأوساط المصرفية، كما بين المودعين، وهو عار من الصحة، ويهدف إلى إشاحة النظر عن ممارسات وارتكابات السياسيين الذين كانوا أول من عمد إلى تهريب أموالهم منذ أعوام وليس الآن فقط.

35 مصرفاً

لكن المصادر استبعدت القيام بأي تحرك تجاه هذا الكلام، باعتبار أن بري لم يسمِّ المصارف، وبالتالي، يبقى الكلام في الإطار العام والتهويل، ولا يمكن البناء عليه، ما لم يكن مرفقاً بإثباتات. واستغربت المصادر نفسها ان يعمد مرجع مسؤول على مستوى بري الى الكشف عن خمسة مصارف وان لم يسمها بالاسم، اذ هو فتح الباب امام التسريبات والتأويلات التي ستطال المصارف، باعتبار أن أي جهة لا تملك أسماء، كون الأسماء محمية بقانون السرية المصرفية. "وإذا كان رئيس المجلس يملك فعلاً كما يقول معلومات تثبت قيام اصحاب مصارف بتحويل أموالهم الشخصية، فهذا يعني فضحاً صارخاً للسرية المصرفية والحصانة التي يتمتع بها اصحاب الحسابات المكشوفة للغير".
ولفتت المصادر الى ان الهدف من اعلان بري عن خمسة مصارف يصب في الإطار السياسي، بدليل ان لجنة الرقابة على المصارف التي تدرك خطورة تسريب هكذا معطيات، كشفت بعد اجتماعها بالمدعي العام المالي عن وجود 35 مصرفاً قام بتحويلات الى الخارج في الفترة المشار اليها. وهذا يدحض كلام بري عن خمسة فقط.
من جهة أخرى، كشف مسؤول في أحد المصارف التي ورد اسمها ضمن لائحة الخمسة، أن المصارف قامت بتحويلات خلال الأيام الأولى بعد اندلاع الانتفاضة وفور عودتها إلى العمل بعد إقفال دام أسبوعين، وذلك نظراً إلى حق المودعين بتحويل ودائعهم، في ظل غياب أي تشريع قانوني يحظر ذلك. وكشف أن التحويلات التي حصلت لم تكن لأصحاب المصارف أو المساهمين، بل توزعت على مودعين أيضاً. ولا يمكن مقاضاة المصارف بغياب اَي مسوغ قانوني يمنعها من القيام بتلك التحويلات، مشيراً إلى أن المسوغ الأخلاقي يتحكم هنا في التعاطي مع التحويلات التي حصلت، أو في طبيعة الأموال المحولة. وهنا يأتي دور هيئة التحقيق المصرفية العليا التي يرأسها حاكم المصرف المركزي للتحقيق في مصادر الأموال إن كانت نظيفة أم لا.

المزيد من اقتصاد