Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصفقة: رفض وغداء

تفاوتت ردود الأفعال الرسمية والشعبية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (غيتي)

يمكن اختصار "صفقة القرن" بأنها "صفقة ترمب-بيبي"، أي أنها من إعداد وتقديم وإخراج الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكتب السيناريو صهر الرئيس ترمب ومستشاره جاريد كوشنر، الذي استعجل بتوقيت إعلانها تحسباً لمحاكمة ترمب البرلمانية ولمحاكمة بيبي القضائية. الأول يمكن أن يجبر على الاستقالة، والثاني يمكن أن يحكم بالسجن. وملخص الصفقة كالتالي:

يبقى الوضع على ما هو عليه، احتلال الضفة وضم المستوطنات مع غور الأردن، وسنعطي الفلسطينيين دولة متناثرة عاصمتها بشرق القدس، وتقع تحت الهيمنة الأمنية الإسرائيلية ونعمل على تمويلها بخمسين مليار دولار على مدى سنوات لتحسين الحالة الاقتصادية الفلسطينية.

هذا اختصار ما تم الإعلان عنه رسمياً، ولم تخرج تفاصيله حتى وقت كتابة هذا المقال.

وقد تفاوتت ردود الأفعال حول هذه الصفقة، الرسمية منها وما يسمى بالشعبية. أقول ما يسمى بالشعبية لأنه لا يوجد في عالمنا العربي المجيد مؤسسات شعبية حقيقية تتمتع بحرية التعبير، ليس بالضرورة بسبب قمع السلطات الرسمية لها- وهو الغالب- ولكن بسبب القمع المجتمعي، والإرهاب التخويني وهو الأشد والأنكى، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

رسمياً، هناك ثلاثة أنواع من ردود الأفعال الرسمية على "صفقة القرن":

المنافقون الذين يقولون ما لا يفعلون، وعلى رأس هؤلاء إيران وتوابعها وميليشياتها وعملائها ومن لف لفها، حيث ترفض "صفقة القرن" بحجة المقاومة وحقوق الشعب الفلسطيني، وهي التي لم تطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل على الرغم من قصف إسرائيل المتكرر لميليشياتها بالعراق وسوريا، وتسوم شعبها الخسف وترتكب المذابح بواسطة عملائها في العراق وسوريا ولبنان، وتشن حرباً ضد اليمنيين وجيرانهم بالذريعة نفسها- المقاومة من أجل فلسطين.

وأما الثانية فهي تركيا الرسمية وتوابعها من الإخوان المسلمين، ويمكن وصف موقفها بالمزايد نفاقاً. فهي لم تهاجم ترمب ونتنياهو، بل هاجمت من أسمتهم العرب الذين يمولون ويؤيدون الصفقة، بينما تقيم العلاقات على كافة المستويات مع إسرائيل!

أما الفريق الرسمي الثالث فهو الموقف العربي الذي راوح بين الضعف والتردد والغموض: نؤيد الجهود التي تنشد السلام ونؤيد الحقوق الفلسطينية المشروعة. ولعل هذا التردد والغموض والضعف سببه ومنبعه التردد والغموض والضعف الفلسطيني، فالموقف الفلسطيني "الرسمي" مجمع على رفض الصفقة، ولكنه غير متفق على بدائلها: مقاومة مفتوحة بكل السبل حتى التحرير "من النهر إلى البحر"؟ أم تغيير منهجي بمطلب الدولة الموحدة التي تشملهم والإسرائيليين معاً والمطالبة بالمساواة والحقوق داخل دولة إسرائيل؟

وعلى الصعيد الشعبي، لا نسمع سوى صوت الرفض لهذه الصفقة، ومن يطالب بالتريث والتمهل والتعقل والمناورة ومحاولة التفكير ببديل عملي يخفف معاناة الإنسان الفلسطيني ويساعده على الصمود ونيل حقوقه المشروعة، فإنه يقابل بالتخوين والتصهين والعمالة، إلخ الأسطوانة.

يهاجم أصحاب الحناجر الجهورية الصفقة، ويتوعدون إسرائيل التي يصفونها بالعنصرية، ذات نظام الأبارتايد وهم عنصريون وطائفيون وفئويون - بل وبعضهم قتلة تتلطخ أيديهم يومياً بدماء الأبرياء من شباب العراق، وشعب سوريا الذي نزح منه بسبب مجازر ووحشية معسكر المقاومة ضعفي المهجرين من الفلسطينيين بمن فيهم من ولد بالشتات منذ نكبة فلسطين عام 1948.

حتى في الكويت، نسمع جعجعة برفض الصفقة مصحوبة بكم هائل من خطب الإدانة ضد العنصرية والتمييز الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، لكن معظم أصواتهم تطبق صمتاً كصمت القبور عند قضية البدون الذين لا يتمتعون بأبسط الحقوق الإنسانية! صراخ ومزايدات من ليس "بالعير ولا بالنفير"، أو كما يقول المثل الشعبي "لا هو من المعزا ولا هو من الضان". يعيش في كنف الحماية الأميركية ويتحداها بالرفض والمواجهة حتى آخر "طفل فلسطيني".

في العراق، لا يستطيع أبناء المناطق الغربية دخول عاصمة بلادهم بغداد لأسباب طائفية بحتة. وفي سوريا، تهجير وتطهير طائفي برعاية إيرانية وبأياد عربية تهز إسرائيل هزّاً بخطبها الرنانة، وتنادي بالمقاومة والقتال حتى آخر "طفل فلسطيني".

في محافظة إدلب السورية وحدها، تم ترحيل وتهجير ونزوح 700 ألف إنسان سوري خلال الأسبوعين الماضيين فقط، وهو ما يعادل عدد النازحين بعد النكبة.

الطرف الفلسطيني- الأهم في معادلة أي صفقة بخصوص الصراع العربي- الإسرائيلي الممتد لأكثر من سبعة عقود، يعيش حالة من الضياع والفرقة والاسترزاق والصراع الدامي، فلا يستطيع "الفتحاوي" أن يفتح فمه في غزة حيث سلطة حركة "حماس" منذ عام 2007، كما لا يمكن للحمساوي أن يقاوم كما يشاء في الضفة الغربية، حيث السلطة الفلسطينية التي انتهت صلاحيتها منذ سنين. علينا أن نتذكر أن الشعار الذي رفعه الفلسطينيون في غزة بتظاهراتهم ضد سلطة "حماس" قبل شهور هو "بدنا نعيش".

***

طلب مني صديق دعوته على الغداء أن يقرأ ما كتبته أعلاه، فتأوّه متأففاً بعد قراءته:

"يا حبك لمشاكل التفكير، والتغريد خارج السرب والتنظير، يا أخي: ارفض الصفقة وطيّح غدانا"!!

المزيد من آراء