Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا تغادر الاتحاد الأوروبي من بوابة "بريكست"

فجر الجمعة تدق ساعة الانفصال بعد سنوات من التفاوض

مع اقتراب ساعة الانفصال مُنتصف الليل في بروكسل ليوم غدٍ الجمعة، ستصبح بريطانيا بشكل قانوني خارج الاتحاد الأوروبي، وسيحقق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الوعد الذي قطعه على نفسه في حملة الدعاية الانتخابية، وهو إنجاز "البريكست"، وخروج بلاده من التكتل الأوروبي.

ورغم التكهنات والتعليقات في الإعلام وعلى مواقع التواصل، فإن بداية الأسبوع لن تشهد تغيّرات كبرى، إذ سيظل التنقّل بين بريطانيا وأوروبا والتزام لندن أغلب القواعد واللوائح الأوروبية سارياً خلال الفترة الانتقالية التي تنتهي في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2020، ما لم تُمدد قبل نهاية يونيو (حزيران) المقبل.

لكن بعد يوم الجمعة، لن تكون لبريطانيا كلمة في الاتحاد الأوروبي بكل مؤسساته بما فيها البرلمان ، وسيعود النواب البريطانيون إلى بلدهم، وإن كانت بعض التغيرات يمكن أن تحدث خلال أشهر على رسوم الرعاية الصحية للبريطانيين في أوروبا أو مصروفات الدراسة للطلاب الأوروبيين والبريطانيين على جانبي القنال الإنجليزي.

ورغم حلاوة الانتصار الذي حققه جونسون، الذي استغرق أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة، فإن الحياة السياسية في بريطانيا كانت دخلت مرحلة حساسة، وعلى أشدها من الاستقطاب الحزبي والشعبي .

ومع الأول من فبراير (شباط) المقبل فإن بداية مرحلة جديدة سوف تبدأ من المفاوضات بين لندن وبروكسل للاتفاق على شكل العلاقة المستقبلية بين الطرفين .

وسيكون أمام الطرفين مُهلة حتى نهاية 2020 للتوصّل إلى اتفاقٍ على التجارة وقضايا أخرى بما في ذلك الأمن والطاقة والمواصلات، وحقوق صيد الأسماك، وتدفق البيانات، كما ستظل بريطانيا في تلك الفترة الانتقالية عضواً في الاتحاد الأوروبي في كل شيء ما عدا الاسم.

ويؤكد جونسون "أن 11 شهراً فترة كافية لإبرام اتفاق تجاري يقوم على أساس إلغاء الرسوم الجمركية والحصص"، وتعهّد بعدم تمديد الفترة الانتقالية بعد 2020 رغم أن هذا الخيار يظل متاحاً.

موعد رفع النجوم
أستاذ العلوم السياسية والاقتصادية ناصر قلاوون يشير، في اتصال مع "اندبندنت عربية"، إلى هذا التحوّل التاريخي بقوله "لا شكّ أن الأول من فبراير (شباط) يوم رفع النجوم الأوروبية ، وأن هذا التاريخ هو الخروج القانوني للمملكة المتحدة، إذ إنها لن تشارك في أي اجتماع أوروبي، كما سيغيب ممثلوها الرسميون في مؤسسات الاتحاد".

وذكر الاقتصادي قلاوون، "أن الاختبار المقبل هو في نجاح المفاوضات حول أسس الشراكة في مفاوضات يونيو (حزيران) المقبل، كما أن مدة الانتهاء من العلاقة ستكون بنهاية العام 2020".

في الوقت ذاته أشار الدكتور ناصر إلى أن عدداً من الملفات "سيبقى معلقا"ً، وقد يثير "متاعب مستقبلية"، كالاتفاق على "تفاصيل الحدود الإيرلندية، وماذا سيتم بعد ذلك؟".

وذكر أنه بخروج لندن فإن القوانين المحلية "ستطبق فعلياً" على تحديد إقامة الأوروبيين، إضافة إلى تحديد الخدمات التي يستفيد منها سابقاً المقيمون من الاتحاد، كما أوضح أن بريطانيا "ستتحرر من القيود الأوروبية في توقيع اتفاقيات ثنائية مع الدول الأخرى".

وبسؤاله إن كانت هناك مخاوف من حرب نفوذ اقتصادية بين الطرفين، خصوصاً التنافس في المجال المالي؟ أجاب الاقتصادي قلاوون، "قد تحدث منافسة بين الطرفين في مجال جذب الاستثمارات، حيث يمكن لبريطانيا تخفيف الضرائب عن الشركات والاستثمار، فضلاً عن إطلاق تسهيلات جديدة لرجال الأعمال من شأن ذلك أن ينعش قطاع المال، والاقتصاد المحلي والقائم على الخدمات بالأساس، في حين يتوقع قلاوون أن تفرض أوروبا مزيداً من الضرائب والرسوم على هذه الشركات إن لم يتم الاتفاق".

بين الاتفاق التجاري والخروج
ووفقاً لمحللين اقتصاديين، فإنه ومع الخروج، وإذا أخفق الطرفان في التوصل إلى اتفاق سيصبح البديل القانوني الساري الخروج من الاتحاد دون اتفاق هو ما قد ينطوي على معوقات، وستسري وقتها معايير منظمة التجارة العالمية على التجارة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، اعتباراً من 2021، الأمر الذي سيؤدي إلى فرض رسوم استيراد وقيود.

وقال ستيفان دو رينك مستشار الاتحاد الأوروبي لشؤون بريكست، "إن الوصول إلى حافة الهاوية لا يزال احتمالاً قوياً"، لأن إيجاد أرضية مشتركة بحلول 31 ديسمبر (كانون الأول) سيكون "أصعب من الاتفاق على شروط الطلاق"، التي توصّل إليها الجانبان في أكتوبر (تشرين الأول) بعد أكثر من ثلاث سنوات من الاستفتاء الذي صوَّت فيه البريطانيون بالموافقة على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.

وفي العادة يستغرق إتمام اتفاقات تجارية مع الاتحاد الأوروبي سنوات، ولا يعتقد أحد تقريباً في بروكسل أن الفترة الانتقالية ستكفي لإبرام ما يتجاوز مجرد الخطوط الأساسية لاتفاق تجاري.

 التنافس والمواجهة المتوقعة
وسيكون تحقيق ما هو أكثر من ذلك أيسر إذا كانت بريطانيا على استعداد للحفاظ على العمل بمحاذاة القواعد الأوروبية غير أن لندن تصرّ على أنها لن تكون "متلقية للقواعد".

وتخشى بريطانيا من أن يجعل استمرار الالتزام بقواعد الاتحاد الأوروبي في إبرام اتفاقات تجارية مع دول أخرى، لا سيما الولايات المتحدة، أكثر صعوبة. ويقول الاتحاد الأوروبي "إنه لن يُبرم اتفاق تجاري مع قوة اقتصادية كبرى في الجوار دون بنود قوية تضمن التنافس النزيه".

وستتركز مطالبه على قضايا التعامل على قدم المساواة، بما فيها المعايير البيئية، والعمالية، وكذلك قواعد الدّعم المقدم من الحكومات، وذلك لضمان أن لا تتمكن بريطانيا من طرح منتجات في السوق الأوروبية الموحدة بأسعار منخفضة بشكل غير عادل.

 

وذكر سام لو من مركز الإصلاح الأوروبي، وهو مؤسسة بحثية، "إن رغبة بريطانيا في السيطرة الكاملة على القواعد التنظيمية المحلية، والسياسة التجارية ستحد بدرجة كبيرة من مدى أي اتفاق."

وأضاف، "في أفضل الأحوال يسير الاتحاد الأوروبي وبريطانيا صوب إتمام اتفاق للتجارة الحرة يلغي كل الرسوم الجمركية والحصص، لكنه يخلق حواجز إدارية وتنظيمية جديدة كبيرة أمام التجارة في السلع والخدمات".

ماذا عن صيد الأسماك؟
ونظراً إلى تداخل سلاسل الإمدادات الصناعية عبر الحدود في الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي لمنتجات مثل السيارات، والأدوية سيكون الاتفاق على قواعد تحديد منشأ المنتجات، ومن ثمّ ما يسري عليها من قواعد تنظيمية وضرائب مهمة معقدة. لكن أحد أكبر المخاطر التي تقف في سبيل التوصّل إلى اتفاق سيتمثل في حقوق صيد الأسماك، التي بدأ الشدّ والجذب بالفعل فيما يتعلق بها.

فقد كان استعادة السيطرة على المياه البريطانية الغنية بالأسماك قضية لا حياد عنها عند كثيرين من دعاة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، غير أن بروكسل ربطت إتاحة الفرصة لمراكب الصيد بالدول الأعضاء بفتح أسواق الاتحاد الأوروبي أمام القطاع المالي العملاق في بريطانيا.

الفترة الزمنية لإبرام الاتفاق
رغم أن الفترة المتاحة على الورق أمام الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لإبرام اتفاق يحكم العلاقات المستقبلية هي 11 شهراً، فإن الإطار الزمني في الواقع أصغر كثيراً، فلن تبدأ المحادثات رسمياً إلا بعد موافقة حكومات الاتحاد الأوروبي على التفويض الخاص بإجراء المفاوضات في أواخر الشهر المقبل.

ثم يتعين على الطرفين التوصل إلى اتفاق بحلول منتصف أكتوبر (تشرين الأول) للسماح بفترة كافية لترجمته إلى لغات الاتحاد الأوروبي الرسمية الثلاثة والعشرين والحصول على الموافقات البرلمانية اللازمة قبل نهاية العام.

الاقتصاد البريطاني بعد الفراق
إلى ذلك كيف سيكون حال الاقتصاد البريطاني بعد الفراق بدءاً من الشهر المقبل؟ فبعد ثلاث سنوات ونصف السنة من قرار البريطانيين الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، يشهد اقتصاد المملكة المتحدة مفارقات، إذ على الرغم من انخفاض الاستثمارات، وتراجع النمو تسجل البطالة مستوى منخفضاً تاريخياً.

من الصعب الإجابة بشكل دقيق عن هذا السؤال، لكن يمكن ملاحظة اتجاهات اقتصادية واضحة، لا سيما هبوط الاستثمارات، فيما كان الأداء الاقتصادي في عام 2018 سيئاً بشكل ملحوظ.

وتباطأ النمو كذلك، إذ انخفض من 1,8% في 2017 إلى 1,4% في 2018، حسب المكتب الوطني للإحصاءات، وبالنسبة إلى عام 2019، يمكن أن يسجّل هبوطاً بالنمو إلى 1,3%، وهو أضعف معدل للنمو منذ عام 2009، حسب تقديرات اقتصاديين جمعتها وزارة المالية، لكن الوضع ليس سيئاً بالكامل.

فالمملكة المتحدة ليست البلد الوحيد الذي شهد تباطؤاً في النمو في هذه الفترة، خصوصاً في ظل سياق عالمي تهيمن عليه حالة من عدم اليقين وتوتر تجاري، وتتوقع المفوضية الأوروبية أن يسجّل نمو منطقة اليورو أيضاً نسبة 1,1% في عام 2019.

البطالة في الحد الأدنى
كذلك تبدو السوق البريطانية بحالة جيدة جداً، مع بلوغ نسبة البطالة 3,8%، الأدنى منذ 45 عاماً، ونسبة توظيف لم يسبق لها مثيل، بلغت 76,3% خلال ثلاثة أشهر حتى أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية، كما تواصل الرواتب بدورها الارتفاع بشكل أسرع من ارتفاع الأسعار (ارتفعت بنسبة 3,2% خلال عام مع نسبة تضخم 1,5%)، رغم أنها لم تصل بعدُ إلى المستوى الذي سبق الأزمة المالية في عام 2008، على الرغم من تفاوتات صارخة في الأجور.

وحسب محللين اقتصاديين قد يكون لفوز بوريس جونسون في الانتخابات التشريعية منتصف ديسمبر (كانون الأول) وحالة الاستقرار والوضوح التي جلبها معه بعد أشهر من عدم اليقين أثرٌ إيجابيٌّ على الاقتصاد البريطاني، حسب عدة مؤشرات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ففي 24 يناير (كانون الثاني) أشارت التقديرات الأولية لمؤشرات مديري المشتريات، التي تقيس نمو النشاط الاقتصادي، إلى ارتفاع مستويات سجّلت آخر مرة في سبتمبر (أيلول) 2018، بعد خمسة أشهر من التراجع.

إضافة إلى ذلك، أظهر تحقيق نشر الأسبوع نفسه لاتحاد الصناعة البريطانية، أبرز تجمع لأصحاب الأعمال في البلاد، ارتفاعاً واضحاً بمستوى تفاؤل المستثمرين في قطاع التصنيع.

وارتفعت ثقة المستثمرين إلى 23% إيجابية خلال فترة ثلاثة أشهر انتهت في يناير (كانون الثاني)، وهو أعلى مستوى منذ عام 2014، فيما كانت سلبية جداً في تحقيق سابق، إذ بلغت ناقص 44%، وهذا الارتفاع الكبير في مستوى ثقة المستثمرين في الفترة الممتدة بين تحقيقين لم يسبق له مثيل منذ بدء نشر هذه الدراسات عام 1958.

مؤشر آخر لأثر الانتخابات على الاقتصاد: ارتفعت أسعار العقارات التي كانت في حالة ركود منذ أشهر، بشكل كبير في يناير (كانون الثاني)، حسب موقع إعلانات العقارات "رايت موف".

وتعهّد رئيس الوزراء أيضاً بإنهاء التقشف، وأعلن رفعاً للحد الأدنى للأجور بنسبة 6,2% في أبريل (نيسان)، الأعلى منذ 25 سنة، ومن شأن هذا الإجراء أن يعزز الاستهلاك، وبالتالي يدفع بالنمو قدماً لكن تبقى أسئلة كثيرة معلقة مع دخول بريكست حيز التنفيذ مساء غدٍ الجمعة، خصوصاً تلك المتعلقة بمستقبل العلاقات التجارية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، والمفاوضات مع الولايات المتحدة حول اتفاق تبادل تجاري حر، ويفترض أن تستمر فترة عدم اليقين بضعة أشهر، ما قد ينتج عنه آثار سلبية على الاقتصاد، وقد يستمر النمو في التباطؤ، وقدّره المصرف المركزي البريطاني عند نسبة 1,2% في 2020.

ومن المقرر أن يكشف المصرف المركزي عن تقديراته الجديدة الخميس، وعن قراره بشأن معدلات الفائدة، الذي قد يقرر تخفيضها من أجل تحفيز النشاط الاقتصادي، ويتوقع صندوق النقد الدولي من جهته نمواً بنسبة 1,4% لبريطانيا هذا العام، مقابل 1,3% لمنطقة اليورو.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد