Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جونسون يشكل الحكومة الجديدة وسط مخاوف "بريكست"

خامس اقتصاد في العالم يرتد للانكماش مع استمرار غموض الخروج من الاتحاد الأوروبي

بوريس جونسون يستعد لتشكيل فريق حكومي مناصر للبريكست (رويترز)

تشير التوقعات إلى أن رئيس الحكومة البريطانية الجديد بوريس جونسون يتجه نحو تشكيل حكومة، أغلبيتها من أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وتنقل وسائل الإعلام تسريبات عن شخصيات مرشحة لتولي مناصب رئيسية لها علاقة بالبريكست مثل وزارة الخزانة ووزارة الخارجية.

وأعلن عدد من أعضاء الحكومة استقالتهم من مناصبهم لإفساح المجال أمام جونسون لتشكيل فريقه. مع ذلك، تزايدت مخاوف إتمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق والتداعيات السلبية على الاقتصاد البريطاني الذي يعد خامس أكبر اقتصاد في العالم، مع تولي بوريس جونسون المناصر لقرار الانفصال وعرّاب الطلاق مع الأوروبيين رئاسة الحكومة.

ويشير محللون إلى "أن فوز بوريس جونسون بزعامة الحزب خلفاً لرئيسة الوزراء المستقيلة، "تيريزا ماي" قد يعد فصلاً تاريخياً جديدا في تاريخ المملكة المتحدة، لا سيما وسط الجدل الذي يحوم حول إتمام الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وسط تداعيات قد تؤثر على القطاع العقاري والمصرفي".

وعقب إعلان فوز جونسون، أعلنت مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني "أن احتمالات البريكست بدون اتفاق باتت أكبر الآن"، وكررت عدة مؤسسات مالية دولية مثل جيه بي مورغان الأمر نفسه بنصح عملائها بالتحسب لاحتمال البريكست بدون اتفاق، وما له من تبعات سلبية على الاقتصاد البريطاني والاقتصاد العالمي. بينما رفع بنك "غولدمان ساكس" توقعاته لإتمام البريكست دون اتفاق من 15% إلى 20% عقب انتخاب بوريس جونسون، مشيرا إلى أن وجود الفائز برئاسة مجلس الوزراء  على رأس القيادة البريطانية يعني أن المخاطر قد تتفاقم على نحو غير متوقع.

 وبدأ جونسون في تشكيل الحكومة البريطانية الجديدة عقب تكليفه من ملكة بريطانيا. حيث ستتولى مهمة "المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، تمهيداً إلى التوصل لاتفاق بشأن بريكست".

المهمة التي يقودها جونسون ليست سهلة، صحيح أنه سوف يسعى إلى تماسك حكومته والمواءمة بين ذلك وبين تخطي البرلمان، أو الدخول في لعبة سياسية يتم فيها تمديد فترة الانفصال لستة أشهر مع الحصول على تعهد قانوني (مكتوب) من الأوروبيين لإتمام مشروع الخروج، فكيف يضمن جونسون تنفيذ وعده في الوقت المناسب رغم التأجيل الذي حصل من قبل؟ ففي نهاية مارس (آذار) كان الاستطلاع منذ عام 2016 وحتى  نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل ستكون اللحظة الفاصلة في المرحلتين.  

 

 

فريق جونسون في الحكومة الجديدة

جونسون، هو أحد زعماء حركة بريكست، على خلاف تيريزا ماي التي كانت شبه مترددة في تنفيذ الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. وسيعمد إلى تشكيل فريق حكومي يضمن الاتفاق معه على استراتيجية موحدة بشأن البريكست بعيدا عن أي مشاكسات، لكنه في الوقت ذاته سيواجه تحديات متعددة، منها شكل الاتفاق الذي سوف يتوصل اليه مع الأوروبيين، وما هي المدة التي سيتمكن خلالها من الوفاء بوعده؟ . 

 الخبير في الشؤون البريطانية وأستاذ العلوم السياسية د.ناصر قلاوون يرى "أن التحدي الأكبر الذي سيواجهه جونسون في البرلمان هو ضمان الأغلبية ومواجهة اللعبة السياسية المقبلة، حيث يجري جدل سياسي ساخن حول الثقة بإجراء الانفصال بطريقة التفاهم، ويحاول كل حزب استقطاب أعضاء جدد بطرق ملتوية، ومن شأن ذلك أن يؤدي لأزمة سياسية في الأحزاب الرئيسية". وذكر قلاوون "إن المهمة الأصعب هي ضرورة أن يعمل على توحيد صفوف حزبه وعدم السماح بشق الصف".

أما بالنسبة للتحدي الاقتصادي، فيشير الخبير قلاوون إلى "أن أزمة كبيرة قد تنشأ بعد استمرار توتر العلاقة مع الاتحاد الأوروبي سواء على المستوى الحكومي أو الشركات، خاصة مع عدم قدرة الحكومة على توقيع الاتفاقيات الجديدة، أو تنفيذ الاتفاقات والتعاقدات السابقة والتي تم الاتفاق عليها منذ عامين". متوقعاً "حدوث انكماش قوي، مع تراجع سعر العملة، وضعف معدلات النمو بما يتراوح بين 5 و7%".

ويشير قلاوون إلى "أن جونسون يملك ورقة مهمة قد يلعبها في الوقت المناسب، فإذا تمكن من الانفصال عن أوروبا بدون اتفاق، فإن بإمكانه الحصول على دعم الرئيس الأميركي ترمب بتوقيع اتفاقية "فورية" مع أميركا، مما قد يدفعه إلى الأمام في هذا الاتجاه، إلا أن ذلك قد يفتح الباب أمام الشركات الأميركية لاحتكار قطاعات اقتصادية مهمة داخل بريطانيا، وهو ما يثير المخاوف في قطاع الأعمال المحلي، أما إذا تم الاتفاق مع الأوروبيين فإن توقيع الاتفاقية مع واشنطن قد يستغرق عامين وفقا للقوانين المعمول بها".

وشدد "قلاوون" على "أن موقف أعضاء حزب المحافظين سيكون له دور كبير في تحركات جونسون خلال الفترة المقبلة، مقابل حزب العمال الذي يحاول استقطاب أعضاء من حزب المحافظين لعرقلة الخروج من أوروبا".

تحذير صندوق النقد الدولي بشأن البريكست

إلى ذلك، حذر تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، الصادر عن صندوق النقد الدولي، من "أن النمو العالمي ضعيف في ظل عدد من العوامل، بينها استمرار عدم اليقين المرتبط بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بعدما تم إرجاء الخروج مبدئيا لبعض الوقت على أثر إعلان تمديد المهلة ستة أشهر أخرى في مطلع شهر أبريل (نيسان)".

وتوقع الصندوق في تقريره الصادر حديثا، نمو اقتصاد المملكة المتحدة بنسبة 1.3% في 2019 و1.4% بالعام المقبل، وتم رفع التنبؤات الخاصة بنمو العام الحالي بنسبة 0.1% بسبب تحقيق نتائج أعلى من المتوقعة في الربع الأول يدفعها تراكم المخزون واختزان الأرصدة قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومن المرجح حدوث ارتداد جزئي في الفترة المتبقية من العام كرد فعل مقابل لهذا الأداء القوي. وسجل إجمالي الناتج المحلي الشهري انكماشا حادا في أبريل، ويرجع أحد أسباب ذلك إلى قيام كبار مصنعي السيارات بتقديم موعد الإغلاق السنوي المعتاد كجزء من خطط مواجهة الطوارئ المرتبطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وتابع تقرير الصندوق: "يفترض هذا التنبؤ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على نحو منظم ثم التحول التدريجي إلى النظام الجديد. مع هذا، فحسب الوضع في منتصف يوليو (تموز)، ظلت الصيغة النهائية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي محفوفة بأجواء كثيفة من عدم اليقين".

وفي هذا الشأن، قال بنك "أوف أميركا" في مذكرة حديثة، "إن تقلب الجنيه الإسترليني ارتفع بشكل كبير الأسبوع الماضي وسط تجدد الفوضى السياسية في المملكة المتحدة والمخاوف الناتجة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".

وصادف أيضا إعلان فوز جونسون نشر مسح اتحاد الصناعات البريطانية الشهري، الذي أظهر تراجعا شديدا في طلبات المصانع في يوليو (تموز) في قراءة هي الأسوأ منذ أبريل (نيسان) 2010 عقب الأزمة المالية العالمية. وتراجعت طلبيات المصانع إلى -34%، كما تراجع معدل تفاؤل الأعمال عموما.

تداعيات كبيرة على اقتصاد المملكة المتحدة

 وأجمع خبراء اقتصاديون، بينهم نادر حدّاد المستشار المصرفي الدولي في لكسمبورغ، على "أن تعيين جونسون كرئيس وزراء بريطانيا سيكون له تداعيات كبيرة على اقتصاد بريطانيا، لا سيما بعد تعهداته بإتمام الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، حتى وإن كان دون اتفاق على التجارة الحرة".

وذكر حداد "أن ملف البريكست الأكثر حساسية بالفترة الأخيرة، سيكون له تأثير مباشر على الاقتصاد البريطاني، الذي قد يشهد انكماشا، فعلى صعيد التجارة ستتأثر بعد الخروج من أكبر سوق موحدة، كما سيشهد قطاع البنوك انكماشا حقيقيا بعد فرض الضرائب على العمليات المالية بين لندن وبلدان الاتحاد الأوروبي". وحذر من "أن قطاع العقارات سيكون من أكبر القطاعات الخاسرة بعد تراجع الطلب على شراء المنازل"، مشيرا إلى "أن ذلك يشكل بدوره خطرا على قطاع الرهون العقارية".

ويرى "أن بوريس جونسون هو أحد قادة البريكست ومنظريها، وهو رجل سياسة، وصحافي بارز اكتسب شعبية بعد توليه منصب عمدة لندن، ولكن يفتقد لخلفيات اقتصادية وهذا ما أربك السوق المالية وأدى إلى تراجع الجنيه الإسترليني فور الإعلان عن فوزه برئاسة حزب المحافظين الذي يفتح الباب أمام توليه تولي منصب رئيس الوزراء".

يتابع "ففي حال البريكست بدون اتفاق ستفرض رسوم وجمارك فورية على الصادرات البريطانية لدول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي ستكون بريطانيا في حاجة لإيجاد أسواق جديدة على الفور. صحيح أن مفاوضات تجارية بين لندن وواشنطن قد لا تكون سهلة، خصوصا مع شكوك كثير من السياسيين والنواب البريطانيين في تصرفات الرئيس ترمب، لكن بوريس جونسون لن يعبأ في الأغلب بذلك وسيعول على علاقته مع ترمب للتوصل لاتفاق سريع".

ضغوط قوية على "الإسترليني"

وعلى الصعيد ذاته، قال ياسر الرواشدة، رئيس قسم تداولات الشرق الأوسط "ساكسو بنك"، "إن فوز بوريس جونسون محتسب في الأسواق، لذلك من المتوقع أن يشهد الإسترليني نوعاً من الضغوط خلال الفترة المقبلة. ويتعرض الجنيه الاسترليني للضغط هبوطا، حيث فقد 10% من قيمته منذ استفتاء البريكست في 2016 حتى الآن، إذ كان سعره وقتها 1.50 دولار".

الخبير الاقتصادي رئيس قسم الأبحاث لدى "أسواق المال.كوم" عبد العظيم الأموي، قال "إن التطورات الجيوسياسية، وخصوصا بعد استقالة تيريزا ماي منذ شهر، كان لها تداعيات سلبية على الاقتصاد وعلى الإسترليني".

وأفاد "بأن جونسون وعد خلال حملته الانتخابية بخفض الضرائب، ورفع الحد الأدنى للأجور، وهو ما يعتبر نقلة كبيرة لسوق العمل حال تطبيق تلك التغيرات، فمن من بين كل 6 أشخاص ببريطانيا شخص يعمل بالقطاع الحكومي"، مشيراً إلى "أن ذلك سينعكس إيجابا على الاقتصاد البريطاني بشكل عام، إلا أن أزمة البريكست والخروج البريطاني سيظل المحور الأساسي للأداء الاقتصادي".

وأضاف "كما أن أداء الجنيه الاسترليني لم يسر خلال الفترة الماضية بشكل واضح، إذ هبط بنسبة 3% بعد استقالة ماي، بينما أعطت تغريدة المفوض العام الأوروبي ميشال براني بأن الاتحاد قد يعيد الإعلان السياسي وإجراءات الخروج البريطاني دفعة للإسترليني وصعد منذ الكشف عن هذه الأنباء الجيدة".

وحول التحديات التي تواجه رئيس الوزراء البريطاني الجديد، قال الأموي، "تصريحاته بشأن مضيه قدما بتشكيل حكومة أقلية لديها أعضاء من إيرلندا الشمالية يعد نقطة ضعف له، حيث سيكون هناك ضعف في الحزب الداخلي لتلك الحكومة الجديدة، إضافة لرفضه شبكة "الباك ستوب"، وهي شبكة الأمان مع أيرلندا الشمالية وسيكون الفصل فيها 31 أكتوبر (تشرين الأول) بالعام الحالي، كما أن الحفاظ على علاقة البرلمان، وما يضم من أحزاب مختلفة مع رئيس الوزراء الجديد والاتفاق بشأن بريكست أكبر تحدٍ لتجنب التداعيات الاقتصادية الكبيرة".

وكان جونسون أطلق عبارة كتبت بأحرف عريضة على حافلة جالت البلاد خلال حملة استفتاء 23 يونيو (حزيران) 2016 ذكر فيها "ندفع كل أسبوع 350 مليون جنيه إسترليني (440 مليون دولار) للاتحاد الأوروبي، الأجدى أن تذهب هذه الأموال إلى نظام الرعاية الصحية".

واعتبر بوريس جونسون "أن القيمة المقدرة لتلك الأموال معقولة"، مؤكداً "أن الخروج من الاتحاد الأوروبي يسمح باستعادة السيطرة على هذه المبالغ".

وبحسب بيانات المفوضية الأوروبية، ارتفعت قيمة الفاتورة التي تدفعها المملكة المتحدة أسبوعياً إلى الاتحاد الأوروبي إلى 135 مليون جنيه (168 مليون دولار) بين عامي 2010 و2014، أي أدنى بمرتين ونصف المرة مما أكده جونسون.

يتوقع أيضا أن تكون من أولويات بوريس جونسون التوصل إلى اتفاق تجارة مع الولايات المتحدة، وسيلقى قبولا وتشجيعا من الرئيس الأميركي الذي لم يخف رغبته في فوزه في سباق اختيار زعيم الحزب ورئيس الحكومة، ومن شأن اتفاقية تجارية بين بالبلدين أن تنعكس على الأسواق عبر الأطلسي وتؤثر إيجابا في الاقتصاد العالمي ككل وتخفف من تبعات الحروب التجارية التي دخلت فيها أميركا.

أما العامل الآخر الذي يجعل تأثير جونسون يمتد إلى خارج بريطانيا هو المتوقع من تشدده تجاه إيران. ومن شأن أي تصرف بريطاني قوي ضد إيران أن يرفع أسعار النفط ويكون له تبعات أخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد