Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وزير الشؤون الإسلامية السوداني: دعوة اليهود إلى العودة ليست تطبيعا

يرى نصرالدين مفرح في حوار مع "اندبندنت عربية" أن الحركة الإسلامية لن يكون لها حضور في 30 سنة مقبلة

وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف السوداني نصرالدين مفرح (حسن حامد)

أكد وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف السوداني نصرالدين مفرح أن فترة حكم الإسلاميين في السودان، التي امتدت 30 عاماً، شهدت تنامي الخطاب الإرهابي والعنصرية البغيضة، التي كانت سبباً رئيسياً في انفصال جنوب السودان عن شماله في 2011، مشيراً إلى أن وزارته حاصرت أئمة المساجد الذين يسعون إلى الغلو والتطرف وستقوم بإيقاف كل من لا يلتزم بمنهج الوسطية والاعتدال.

وقال مفرح، في حواره مع "اندبندنت عربية"، إن دعوته إلى اليهود السودانيين المهاجرين بسبب العنف اللفظي بالعودة إلى وطنهم، جاءت من منطلق أن السودان يحكم الآن بواسطة دولة مدنية تحترم حقوق الأقليات وتحتكم لسيادة القانون، وأن اليهود كانوا يشكلون كتلة اقتصادية كبيرة، ولذلك فإن عودتهم ستنعش البلاد اقتصادياً، لكنه نفى أن تكون لهذه الدعوة علاقة بمسألة التطبيع مع إسرائيل.

خطاب الكراهية

عن أثر الغلو والتطرف الذي أتبعه النظام السابق، ما أدى إلى إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، يقول إن "هناك أثرين مهمان جداً جراء الخطاب الإسلامي المستقطب لأيديولوجيا الحركة الإسلامية. الأثر الأول هو تشويه سمعة الإسلام في السودان وسمعتنا كسودانيين مسلمين في العالم الخارجي. فالوقع أن تجربة حكم الإسلاميين في السودان شابها كثير من الظلم والفساد والقهر والاضطهاد، وللأسف كانت جميعها معنونه باسم الإسلام في حين أن الإسلام بعيد كل البعد عن ذلك، وبالتالي كانت ممارستهم ضد أصول الإسلام ومناهجه التي تدعو إلى المحبة والسلام والعدالة والمساواة".

أما الأثر الثاني فهو أن خطابهم اتبع العنصرية البغيضة لدرجة أنهم منذ استلامهم الحكم حولوا الحرب في جنوب السودان، قبل انفصاله، من حرب أهلية مطلبية إلى حرب دينية بين المسلمين وغير المسلمين، فضلاً عن تحريضهم الشباب على الحرب والقتال والموت من أجل الحصول على الشهادة ودخول الجنة، ما أحدث أثراً كبيراً في المجتمع السوداني، لأنه بعد انتهاء حرب الجنوب توجهوا بالخطاب نفسه إلى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، فكانت أكبر وأطول رقعة حرب في السودان امتدت من أقصى غرب السودان إلى أقصى الجنوب الشرقي.

ويشير إلى أن هذه الحروب أرهقت كاهل المواطن والاقتصاد السوداني وأثرت في سياسة السودان الخارجية، ما اضطر الولايات المتحدة الأميركية إلى إدراجه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، مؤكداً أن أول دليل وأساس استندت إليه أميركا لمعاقبة السودان هو خطاب الكراهية الموجه بعنصرية بالغة إلى الآخرين.

الوسطية والاعتدال

لكن هل مازال هناك مظاهر لمجموعات إرهابية في السودان؟ يجيب "كما هو معلوم للجميع أن السودان كان يحتضن جزءاً من الإرهابيين، حيث يتم تدريبهم وتأهيلهم وتسفيرهم إلى الخارج، ولم يكن أغلبهم سودانيين، فقد كان هناك خطاب إرهابي متنام خلال فترة حكمهم، لكن استطعنا محاصرتهم بشكل كبير، وتحديداً الذين ظهروا في منابر المساجد، لأن تأثيرهم كان كبيراً، بحكم أن السودانيين يقدسون من يعتلي المنابر الدينية ويصدقون قوله ويتبعون أفعاله".

ويوضح أن هؤلاء الأئمة، المحسوبين على النظام السابق، ليسوا إرهابيين بقدر ما هم أناس يسعون إلى التشدد والغلو والتطرف، لكن لم يصلوا إلى درجة الإرهاب والقيام بالتفجيرات، حيث يعتقدون أنهم المسلمون الحقيقيون وما عداهم حتى إذا حادوا عن الطريق فهم بعيدون من الحق وجانب الدين. ومثل هؤلاء تمت محاصرتهم بخطاب الوسطية والاعتدال، الذي تنتهجه حالياً وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، وذلك وفق برنامج لتدريب الأئمة في جميع أقاليم السودان، الذي يستهدف 1500 داعية.

وتوقع مفرح أن يتم في وقت قريب جداً إبدال الأئمة السابقين بأئمة ينتهجون منهج الوسطية والاعتدال، مشدداً على أن من يلتزم بذلك النهج لا مكان له في منابر الدولة.

وحول ما أثير في وقت سابق بأن حكومة السودان تتجه لإغلاق مكاتب لـ "حزب الله" اللبناني وحركة "حماس"، ذكر بأنه لا وجود في الأساس لهما في البلاد، لكن تم حل كل المؤسسات والمنظمات التابعة للنظام السابق، وكانت تعمل تحت غطاء الأعمال الخيرية، وهي في الأساس تعمل في الجانب الاقتصادي لصالح نظام عمر البشير.

بسط الحريات

وفي سؤال حول الاختراق الذي أحدثوه في زيارتهم مؤخراً واشنطن كفريق عمل يمثل مجلس الوزراء لشرح الخطوات التي اتبعتها الحكومة في هذا الشأن، يوضح "صحيح كانت زيارة مهمة التقينا فيها بالدوائر كافة التي لها علاقة بموضوع الإدراج على قائمة الدول الراعية للإرهاب مثل الكونغرس وجهاز الاستخبارات العامة وتحدثنا معهم بكل شفافية ووضوح بأن النظام السابق مارس أعمالاً غير أخلاقية من تطرف وعنصرية وجنوح عن السلام، لكن الآن الوضع تغير بعد الثورة التي أجهضت نظام البشير، فأصبح هناك بسط للحريات الدينية وسلام اجتماعي وقيم للتسامح، وبالفعل أثمرت هذه اللقاءات في إصدار الحكومة الأميركية قراراً بحذف السودان من قائمة الدول المثيرة للقلق في الحريات الدينية".

الأقليات الدينية

وعن وضعية الأقليات الدينية في السودان بخاصة المسيحيين، يشير مفرح إلى أنه لا توجد الآن أي ضغوطات على المسيحيين بل بالعكس قمنا بزيارتهم في الكنيسة وجاءوا إلينا في الوزارة وتم تدريبهم على فن القيادة ودور الكنيسة في بناء الوطن والمجتمعات ورتق النسيج الاجتماعي، وكانوا في قمة السعد والابتهاج، لأنه خلال الـ 30 سنة الماضية لم يلتفت إليهم أحد، بل كان يمارس عليهم الاضطهاد وغيره، وكذلك الحال بالنسبة إلى كل الجاليات غير المسلمة الموجودة في البلاد، فهي تمارس شعائرها الدينية والتعددية بحريتها.

وبشأن ما أحدثته دعوته إلى اليهود السودانيين بالعودة إلى بلادهم من انتقادات لدى البعض وإذا كان يقصد بها بشكل غير مباشر التطبيع مع إسرائيل، يقول "هذا الموضوع يتعلق بمسألة التسامح ورؤية الوزارة في تعاملها مع الأديان كافة، وأوضح أن السودان فيه أديان متعددة انطلاقاً من التنوع الذي نتمتع به كسودانيين، وحتى الدين الإسلامي فيه مشارب فكرية ومذاهب متعددة. ومن ضمن هذه الأديان، كانت هناك مجموعة يهودية وهي كتلة اقتصادية اجتماعية تشكل جزءاً من الملمح السوداني المتعدد وبسبب ممارسات العنف اللفظي وحياة الكبت هاجرت من السودان على الرغم من أنهم سودانيون من صلب الوطن، حيث عاشت هذه الكتلة في البلاد خلال الفترة الزمنية الممتدة ما بين 1880 حتى 1969"، منوهاً إلى أنه من هذا الباب دعا اليهود السودانيين المهاجرين الذين غادروا السودان لأسباب مختلفة إلى العودة إلى وطنهم، باعتبار أن هناك وضعاً جديداً في دولة مدنية تحترم حقوق الأقليات وتحتكم لسيادة القانون، لكن لم ندع اليهود الصهاينة الذين احتلوا أرض فلسطين أو أي مجموعات أخرى، بل الأمر يتعلق باليهود الذين كانوا في يوم من الأيام يسكنون السودان، والذين مازالوا يعتزون بسودانيتهم وجنسيتهم وهي موجودة ولم تسلب منهم. أما مسألة الدعوة إلى التطبيع فموقفنا مبدئي وواضح من هذه القضية، ولا يوجد أي قرار ولم يتطرق أي أحد في هذه الحكومة إلى هذا الموضوع.

طمس الهوية

وعن أثر التنوع الثقافي والقبلي في السودان إيجابياً وسلبياً، يؤكد الوزير أن التنوع هو نعمة من نعم الله لأنه صفة وطنية وخلقية في الكون وربنا دلل على كمال قدرته على الخلق بهذا التنوع، ولم يكن هذا الشيء يشكل لنا في السودان هاجساً قبل انقلاب البشير عام 1989، لأن لفظ التسامح الديني لم يكن متداولاً في الكتب أو الخطب، باعتبار أننا كسودانيين كنا متسامحين، ولا تجد أحداً يسأل الآخر عن ديانته إلا عندما يأتي لاستخراج أوراقه الثبوتية. كما أنه ليس هناك شخص يتعدى على كنيسة أو مسجد أو يقتل إنساناً بسبب الدين أو يتعدى عليه باللفظ العنفي بإساءته لدين آخر. فالسودان كان عنواناً بارزاً لإدارة التنوع، لكن بكل أسف حاولت أيديولوجيا الحركة الإسلامية طمس الهوية السودانية المعروفة بالتنوع.

مؤتمر دستوري

وفي ما يختص بشكل الحكم في السودان ومطالبة البعض بعلمانية الدولة، يوضح "في اعتقادي أنه لم يحن الوقت لإثارة موضوع كيف يحكم السودان، فالآن نحن في فترة انتقالية تحكم بوثيقة دستورية تتضمن مواد مضبوطة بإعلان سياسي محدد موقع بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري وتم استخلاص برنامج ومتطلبات هذه المرحلة التي تمتد لـ 39 شهراً، ليتم في نهايتها عقد مؤتمر دستوري يشارك فيه جميع أبناء وبنات الشعب السوداني لتحديد كيف يحكم السودان وما هي لغته وهويته ودينه".

ويشير إلى أنه من الأفضل والأجدر أن ينصرف المفاوضون في عملية السلام بجوبا إلى مناقشة كيفية تحقيق السلام وإنهاء الحرب بدلاً من البحث في كيف يحكم السودان، وهو الخطأ نفسه الذي ارتكبته الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق ونظام المؤتمر الوطني المحلول برئاسة البشير في اتفاقية السلام 2005. فالحركة نصبت نفسها على السودان الجنوبي، والمؤتمر الوطني نصب نفسه على السودان الشمالي، مما خلق مشكلات كثيرة أفضت إلى انفصال جنوب السودان. وزاد "أرى أنه يجب مخاطبة جذور المشكلة السودانية التي أدت إلى الحروب، بدلاً من تناول قضية شكل الحكم لأن هناك من يريد حكومة إسلامية أو مدنية، أو علمانية. ويوجد من يريد إبعاد مسألة الدين من الحياة السياسية. وهذا الأمر سيحسم في نهاية الفترة الانتقالية بشكل ديمقراطي".

إبعاد الدين

وحول رأيه في علاقة الدين بالدولة، يقول مفرح "شخصياً، أرى أن الدين ينظم حياة الناس. فهو عبارة عن تشريعات ونظم ولوائح وقوانين تنظم علاقة الفرد مع ربه، وأعتقد أن كل الأديان تدعو إلى أسس ومعايير محددة في الحكم، كما تبحث عن الحرية والسلام والعدالة والمساواة وسيادة حكم القانون، ولطالما أنها متشاركة في الأهداف والكليات العامة، تبقى كيفية الممارسة مجرد فرع لن يختلف الناس فيه". ويشير إلى أنه ضد فكرة إبعاد الدين من الحياة السياسية تماماً، ليس لأننا بخير ونؤطر حكمنا بشريعة محددة، بالعكس لأنه حتى الإسلام الذي ننتمي إليه لم يحدد شكل الدولة بقدر ما حدد الأسس والمعايير التي تقوم عليها، ثم وضع بعد ذلك أساس العدل والمساواة والحرية وجعل الناس يمارسون حياتهم السياسية بأنفسهم، وبالتالي أنا مع الجوهر وليس مع المسميات، طالما أن الجوهر موجود فيه العدالة والمساواة والسلام وسيادة حكم القانون، فلا ضير أن تسمى بأي اسم.

لكن ماذا عن مستقبل الحركة الإسلامية في السودان؟ يجيب "أعتقد أن الحركة الإسلامية وفق منهجيتها وعقليتها التي حكمت بها السودان لن يكون لها وجود نهائي لـ 30 سنة مقبلة، وهذا من واقع تجربة عايشتها شخصياً وأنا خرجت من رحم الثورة رأيت الأطفال يبكون إذا قيل لواحد منهم أنت (كوز) أي حركة إسلامية. فالشعب السوداني لفظ الحركة الإسلامية ليس بسبب الاسم، بل بسبب الممارسة الخاطئة".

المزيد من حوارات