Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بي-52" الأميركية... بساط القنابل الطائر

احتمالات متزايدة لمشاركة أيقونة الحرب الأميركية ورمز قوتها العسكرية في أية مواجهة مقبلة مع إيران

طائرة بي 52 الأميركية (غيتي)

مع تصاعد التهديدات والردود الصاروخية بين واشنطن وطهران على خلفية مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، أعلن البنتاغون أخيراً عن نقل ست قاذفات استراتيجية من طراز "بي-52" إلى جزيرة دييغو غارسيا (التي تقع في المحيط الهندي على بُعد 4842 كيلومتراً عن إيران) لتكون جاهزة لأي رد ضد إيران في حال اتُخذ القرار بذلك. في ما ذكرت مصادر مقربة من البنتاغون أن القوات الأميركية تعتزم إنشاء مدرج عملاق ذو مواصفات قياسية قادر على استقبال قاذفات "بي-52" العملاقة في قاعدة "عين الأسد الجوية" العراقية غربي محافظة الأنبار.

ويعود سبب الاهتمام الأميركي بالقاذفة الثقيلة هذه إلى كونها أهم منصات الردع الاستراتيجي التي لا تزال عاملة في خدمة سلاح الجو الأميركي منذ قرابة 70 عاماً. إذ تم البدء في أعمال تصميم "بي-52" في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية وتحديداً عام 1946 على يد مهندسي شركة "بوينغ"، بهدف إيجاد منصة ردع نووي قادرة على توجيه ضربات تكتيكية في العمق الجغرافي للاتحاد السوفيتي خلال سنوات الحرب الباردة، قبل أن تُحلق في رحلتها الأولى عام 1952. وقد أطلق عليها الاسم الكودي "ستراتوفورتريس"، ويعني "قلعة السماء"، بسبب قدرتها على حمل 32 طناً من القنابل النووية أو شديدة الانفجار لمسافات تصل إلى زهاء 14 ألف كيلومتر من دون حاجة إلى إعادة تزويدها بالوقود جواً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

أداء عال

دخلت القاذفة "بي-52" الخدمة لأول مرة تحت "قيادة الطيران الإستراتيجية"، لتتحول عام 2010 لتصبح تحت قيادة "القصف الشامل" لدى سلاح الجو الأميركي. أما سبب بقاء هذه القاذفة عاملة رغم مرور سبعة عقود على دخولها الخدمة فيعود إلى أدائها العالي في السرعات تحت الصوتية، وانخفاض تكلفة صيانتها، ما حدا بقيادة القوات الجوية الأميركية إلى إبقائها في الخدمة حتى أربعينيات القرن الحالي.

شاركت القاذفة "بي-52"، على مرّ عمرها المديد في سلاح الجو الأميركي، في كافة الحروب التي خاضتها واشنطن في أصقاع الأرض المختلفة؛ فيتنام، وصربيا، والكويت، والعراق، وأفغانستان، وضد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا. وباستثناء حرب فيتنام، التي فقدت خلالها الولايات المتحدة زهاء 21 قاذفة من هذا الطراز، لم تسقط أي من طائرات "بي-52" في أي حرب أخرى. وتشتهر هذه القاذفات لدى قيامها بعمليات القصف المشبع لأرض المعركة، بالغبار الذي يخلفه وراءها إنفجار "سُبحة" من عشرات قنابلها المنهمرة إذ تُسقطها  فوق المناطق المفتوحة، والتي يُطلق عليها الخبراء عبارة "بساط القنابل"، لأنها تبدو للناظر إليها من بعيد أشبه ببساط من دخان يمتد لعدة كيلومترات فوق سطح الأرض. ويكفي للتدليل على القدرة التدميرية لـ"بي-52"، أنه بإمكان تشكيل من ثلاث قاذفات مسح منطقة مبنية مساحتها زهاء 4 كيلومترات مربعة، بشكل كامل بطلعة واحدة فقط.

 

كلما لاحت نذرُ حربٍ في الأفق، استندت واشنطن إلى إمكانيات قاذفة قنابلها المهيبة التي قاربت السبعين.. لردع مغامرات خصومها حول العالم

ورغم تقدمها في السن، إلا أنه تم تجديد شباب هذه القاذفة عن طريق تطعيمها بمزيج هجين من التكنولوجيات الحديثة؛ منها القدرة على إطلاق صواريخ وقنابل موجهة ليزرياً، وكذلك حمل صواريخ نووية مجنحة قادرة على إصابة أهدافها من مسافات بعيدة. ومن ضمن التحسينات التي تم إدخالها كذلك على هيكل القاذفات القديمة هذه، مستشعرات الرؤية الكهروضوئية المخصصة لاكتشاف الأهداف، وحواضن استهداف متقدمة عاملة بالأشعة تحت الحمراء مهمتها تحسين قدرات توجيه الذخائر الدقيقة (مثل القنابل الموجهة بالليزر) ليلاً ونهاراً وفي مختلف الظروف الجوية، في ما تمنح ثمانية محركات نفاثة، من صنع شركة "برات آند ويتني"، قاذفة "بي-52" سرعة تكاد تلامس سرعة الصوت (0.9 ماخ).

مواصفات تقنية

يبلغ طول القاذفة "بي-52" العملاقة زهاء 49 متراً، وباع جناحيها 56 متراً، ويمكنها التحليق على ارتفاع شاهق يتجاوز الـ15 ألف متر فوق سطح البحر. وبإمكانها الطيران على ارتفاعات منخفضة للغاية بسبب امتلاكها نظاماً رادارياً يمكنه الكشف عن تضاريس الأرض لمسافة تصل إلى 16 كيلومترا أمام مقدمها. يتكون طاقم القاذفة "بي-52" من خمسة أفراد هم: قائد الطائرة، ومساعده، وضابط الحرب الإلكترونية، والملاح، وضابط الرادار المسؤول عن إلقاء القنابل. وقد زود الطيار ومساعده بنظارات للرؤية الليلية لتعزيز رؤيتهما خلال العمليات الليلية وتوفير مزيد من الأمان أثناء العمليات الليلية ما يتيح للطيار قدرة مسح التضاريس بصريا وملاحظة الطائرات الأخرى في بيئة غير مضاءة.
يمكن لقاذفة "بي-52" حمل تشكيلة كبيرة من الذخائر التقليدية أو النووية الموجهة بدقة والتي يمكن إيصالها إلى أي مكان في العالم بفضل خزانات وقودها الضخمة التي تمنحها مدى بعيدا جدا. وفي حالات النزاع التقليدية -مثل الحالة الإيرانية اليوم- تُسند إلى القاذفة مهام تدمير الأهداف الاستراتيجية الثمينة، والقيام بغارات إسناد جوي دعماً للقوات البرية، إضافة إلى اصطياد أي أهداف بحرية قيّمة بواسطة صواريخ جو-بحر مضادة للسفن. وتعد هذه القاذفة أكثر المنصات الأميركية فاعلية في مجال مراقبة البحار والمحيطات، إذ يمكنها تقديم الدعم للقوات البحرية في عمليات التصدي للسفن المعادية، وخلق مناطق محرّمة على العدو عن طريق زرع الألغام. وعلى سبيل المثال فإنه بمقدور قاذفتين إثنتين من طراز "بي-52" مسح ورصد مساحة تبلغ 364 ألف كيلومتر مربع من سطح البحر خلال ساعتين فقط (مع ملاحظة أن مساحة الخليج العربي الإجمالية تبلغ حوالى 233 ألف كيلومتر مربع).

"بي-52" ليست مجرد قاذفة، هي "قاذفة القاذفات" ورمزٌ أيقوني ترك بصمته الواضحة فوق تفاصيل المعارك العسكرية الأميركية على مدى عقود، وستستمر هذه القاذفة في "أداء" رسالتها لعشرين عاماً قادمة.


 


 

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات