Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وزراء الرئيس تبون "يستفزون" الحراك بالتحدث باللغة الفرنسية

بعض المسؤولين ما زالوا بعيدين من الواقع الجديد الذي فرضه 22 فبراير ولم يفهموا أن من أوصلهم إلى مراكز القرار يريد تغييراً جذرياً

تظاهرة مناهضة للحكومة في العاصمة الجزائر يوم 27 ديسمبر 2019 (أ. ف. ب.)

لم تمر 24 ساعة على إعلان تشكيلة حكومة الرئيس عبد المجيد تبون، حتى أطلق الشارع حملة انتقادات واسعة ضد الطاقم الوزاري بسبب استعمالهم اللغة الفرنسية في التصريحات الصحافية، مما ينبئ بأيام عصيبة تنتظر حكومة الوزير الأول عبد العزيز جراد.


عودة ممارسات نظام بوتفليقة... واستياء


عودة ممارسات النظام السابق إلى الواجهة أثارت موجة غضب وسط الحراك، إذ عرفت غالبية لقاءات تسليم المهام، استعمال الوزراء الجدد اللغة الفرنسية في مخاطبة الشعب، ما دفع إلى التساؤل حول جدية الخطابات والإجراءات التي "سايرت" الحراك الشعبي بعد "إقالة" الرئيس السابق و"رمي" العصابة ورموزها وراء القضبان، والتي استهدفت فرنسا وأتباعها ومؤسساتها وساستها، إضافة إلى أن الدستور الجزائري ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، ناهيك عن أن الرئيس الجزائري السابق اليمين زروال، أقر عام 1999 قانون اعتماد اللغة العربية وتعميمها.
وما عزز الاستياء حديث الوزراء الجدد الشباب الذين يعتبرون من خريجي المدرسة الجزائرية على اعتبار أنهم ولدوا خلال ثورة التحرير أو بعد استقلال البلاد عام 1962. وأعاد المشهد إلى أذهان الجزائريين فترة حكم الرئيس بوتفليقة الذي كان يتحدث في لقاءات رسمية ومع وسائل إعلام جزائرية بالفرنسية، وهو الذي عطّل قانون الرئيس زروال الخاص باستعمال اللغة العربية، وأصر على اعتماد اللغة الفرنسية مراسلات مختلف القطاعات الحكومية.


عقدة المسؤولين


ويعتبر المحلل السياسي أمين الصادق في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن الشعب الجزائري ليست له عقدة من الفرنسية كلغة على الرغم من الألم التاريخي المرتبط بها، ولكنه يرى فيها لغة محدودة وقاصرة في مجالات التعاملات والعلوم والتكنولوجيا، غير أن "بعض الساسة عندنا ما زالوا متشبثين بلغة ميتة يعتبرونها لغتهم الوحيدة مع العالم، بل بعضهم يعتبرها رمز التحضر، وهي عقدة لازمت المسؤولين الجزائريين منذ الاستقلال"، وأضاف "الشعب ينزعج من رؤية مسؤوليه يخاطبونه بلغة غير لغته، بل يرون في استعمالهم الفرنسية والحديث بها استهزاء وتنكراً لطموحاته ومطالب حراكه".
ويأسف الصادق، لبعض المسؤولين في حكومة الرئيس عبد المجيد تبون، الذين "ما زالوا بعيدين من الواقع الجديد الذي فرضه شباب 22 فبراير (شباط)، ولم يفهموا أن الحراك الشعبي الذي أوصلهم إلى مراكز القرار يريد تغييراً جذرياً بعيداً من ممارسات الماضي، واستقلالاً تاماً عن فرنسا ومخلفاتها وفي مقدمها هيمنة اللغة الفرنسية على الخطاب الرسمي"، مبرزاً أن "الجزائر لديها من التنوع اللغوي والثراء الثقافي ما يجعلها تستغني عن لغة المستعمر التي عادة ما تجلب ذكريات أليمة ومآسي التاريخ، خصوصاً من قبل الرسميين الجزائريين، فعموم الشعب يعتبرها لغة مثبطة للعزائم وملجمة للهمم نظراً لارتباطها بالإدارة الاستعمارية التي كانت إحدى وسائلها المدمرة في محو الشخصية الجزائرية".
 

تعدٍ على الدستور


"من الملاحظ أيضاً أنه خلال العهد البوتفليقي، ارتبط استعمال اللغة الفرنسية بالمال الفاسد واقتصاد الريع الذي أوصل البلاد إلى حافة الإفلاس"، يضيف الصادق، الذي أشار إلى أن الشركات الفرنسية المفلسة حظيت خلال فترة بوتفليقة بالتبجيل ونالت الأولوية في عدد من المشاريع الاقتصادية. وتابع "عرفت اللغة والثقافة الفرنسيتين ازدهاراً وانتشاراً لم تعرفه حتى أثناء الحقبة الاستعمارية، وكانت من أهم الأسباب التي أدت إلى زيادة الاحتقان في المجتمع الجزائري الذي انفجر في حراك شعبي"، موضحاً أن "الاستمرار في الاستعمال غير المبرر والمبالغ فيه للغة الفرنسية من قبل الرسميين الجزائريين، خصوصاً أعضاء الحكومة الجديدة، هو عمل غير دستوري وبعيد من الوطنية وتطلعات الحراك الشعبي، بل يمكن أن يزعزع ويقوض الثقة الهشة أصلاً بين السلطة الجديدة والشعب"، وختم أن "تدارك الخطأ الفادح هو السبيل الوحيد لبناء جزائر الغد وتحقيق مطالب الحراك الذي لا يزال مرابطاً في شوارع الجمهورية الجديدة".


بين المراوغة والتحصيل الأكاديمي
 

ولم يكن "قرار" تغيير لغة مراسلات الجامعات الجزائرية من الفرنسية إلى الإنجليزية، وما تبعها من استبدال وزارة الدفاع الجزائرية لافتاتها إلى اللغة الإنجليزية، ووقف مجمع "سوناطراك" البترولي الحكومي، التعامل بالفرنسية، وإلغاء مؤسسة "بريد الجزائر" استعمال الفرنسية في جميع الوثائق والمحررات الرسمية، وتعويضها بوثائق محررة باللغة العربية، إلا "تسللاً مؤقتاً للنظام صوب ملعب الحراك الشعبي"، وعلى الرغم من أن الشارع راهن على هذا التحول لإعلان القطيعة مع فرنسا ولغتها، وبداية عهد جديد من الجزائر الجديدة، غير أن الوزراء الجدد أعادوا "الشكوك" إلى النفوس مع أول طريق "التغيير"، بمخاطبتهم الشعب باللغة الفرنسية.
ويرى الإعلامي محمد لهوازي في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "تصريح الوزراء الجدد باللغة الفرنسية يُعد تحصيلاً حاصلاً لتكوينهم الأكاديمي الذي يكون في الغالب باللغة الفرنسية، لأن المنظومة التربوية والجامعية في الجزائر تشمل اللغتين العربية والفرنسية وقليل من الإنجليزية". وقال إن "قضية اللغة الفرنسية أثارت الكثير من الجدل منذ انطلاق الحراك حين وجدت السلطة نفسها مجبرة على مسايرته ولو بقرارات شعبوية، منها إطلاق حملة "القطيعة مع اللغة الفرنسية ودعم استعمال اللغة الإنجليزية على المستوى الأكاديمي، تماشياً مع الخطاب السياسي الذي كان يركز على ضرورة التحرر وفك الارتباط اللغوي بالجانب الفرنسي"، لافتاً إلى عدم انزعاج الطرف الفرنسي الرسمي من التوجه لاعتماد اللغة الإنجليزية في التعاملات الرسمية، التي كانت تسوق له دوائر وزارية في الجزائر، وكأنه يعلم بأن الأمر مجرد زوبعة في فنجان سرعان ما تتلاشى".
 

بداية فاشلة
 

ويواصل لهوازي أنه بالعودة إلى استعمال المسؤولين الجزائريين اللغة الفرنسية، فإن الرئيس الجديد عبد المجيد تبون قد سبق الجميع في أول خرجة له بمناسبة افتتاح معرض الإنتاج الجزائري قبل أسبوعين، حين خاطب بعض العارضين بلغة "فولتيير"، وهو ما أثار حفيظة المتابعين الذين اعتبروه انتقاصاً من مكانة اللغة العربية الرسمية، واعتبر أنه "لا يمكن إهمال عنصر عقدة الحديث باللغة الفرنسية لدى بعض المسؤولين في الجزائر"، ما يؤكد أن شعارات طرد اللغة الفرنسية وتهميش الشركات الفرنسية في الجزائر مجرد شعارات للاستهلاك المحلي ودغدغة مشاعر المواطنين لا غير".
من جانبه، يؤكد الأستاذ الجامعي ساعد ساعد أن حديث الوزراء ومخاطبة الشعب باللغة الفرنسية، "مؤسف جداً، ينم عن ضعف شخصية وليس قوة"، لأن "الوزير الذي يتحدث بلغة غيره في رأيي ضعيف الشخصية، وعليه أن يحترم الشعب الذي يخاطبه، ويلتزم بقوانين البلاد والدستور الذي أقر بوضوح أن العربية هي اللغة الرسمية"، وقال إن "الحديث عن طرد الشركات الفرنسية مبالغ فيه، ويندرج في سياق الترويج السياسي لا غير، فالمؤشرات الحالية لا تتجه في هذا الإطار، وكل ما قيل في هذا الموضوع مجرد كلام لا يرقى للواقع"، معبراً عن أسفه للبداية الفاشلة لعمل الحكومة على الصعيد الخطابي والتواصل الضعيف المخالف لمطالب الحراك.

المزيد من العالم العربي